سلامة الذوق وأثره في الأفراد والأمة - 2 - ::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي :::

العودة   ::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: > :::. الأقسام الـنـشاطيّـة .::: > :: قسم الأسـره والمـجتمـع ::

إضافة رد
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-03-2011, 11:15 AM   #1
 
إحصائية العضو







العود الأزرق غير متصل

العود الأزرق is on a distinguished road


افتراضي سلامة الذوق وأثره في الأفراد والأمة - 2




وإن من علامات السعادة للإنسان أن يرزق ذوقاً سليماً مهذباً؛ فإنه إذا كان كذلك عَرَفَ كيف يستمتعُ بالحياة، وكيف يحترمُ شعورَ الآخرين ولا ينغص عليهم، بل يدخل السرور عليهم؛ فصاحب الذوق السليم قادرٌ على استجلاب القلوب، وإدخال السرور على نفسه وعلى من حوله.
وإذا ساد الذوق السليم في أسرة أو مجتمع رأينا كلَّ فرد من هؤلاء يتجنب جرح إحساس غيره بأي لفظ، أو عمل، أو إشارة، أو أي شيء يأباه الذوق.
ورأينا كل فرد يقوم بما أسند إليه من مسؤولية على أكمل وجه وأتمه.
إن الذوق السليم في الإنسان يرفعه إلى حد أن يتخير الكلمة اللطيفة، والتصرف الملائم الذي يمنع الإحراج، ويدخل السرور على الآخرين.
بل إن صاحب الذوق السليم يأبى النزاع، وحدة الغضب.
ولا يبالغ الإنسان إذا قال: إن رُقِيَّ الذوق أكثر أثراً في السعادة من رقي العقل؛ إن الذوق إذا رَقِيَ أَنِفَ من الأعمال الخسيسة، والأقوال النابية، والأفعال السخيفة.
أما من جفَّ طبعه، وكثفت نفسه، وقلَّ ذوقه - فلا تَسَلْ عما سيحدثه من شرخ في الناس، وما سيجلبه من شقاء لنفسه وغيره، فتراه لا يراعي مشاعرَ الآخرين، ولا يأنف من مواجهتهم بما يكرهون؛ فإذا ما حضر مجلساً، وابتدر الكلام وضَعْتَ يَدَك على قلبك؛ خشيةَ أن يَزِلَّ، أو يَفْرُطَ على أحد من الحاضرين.
فإذا ما وجد مجالاً يشبع فيه طبيعتَه النَّزِقَةَ الجهولَ - هام على وجهه، لا ينتهي له صياح، ولا تنحبس له شِرَّة.
فتارة يُذَكِّر الحاضرين بعيوبهم، وتارة يؤذيهم بلحن منطقه، وتارة يذكِّرهم بأمور يسوؤهم تَذَكُّرُها.
"أكب رجل من بني مرة على مالك بن أسماء يحدثه في يوم صيف، ويُغِمّه، ويثقل عليه، ثم قال: أتدري من قتلنا منكم في الجاهلية؟
قال: لا، ولكني أعرف من قتلتم منا في الإسلام.
و قال: من هم؟
قال: أنا قتلتني اليوم بطولِ حديثك، وكثرةِ فُضولك".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "ومنهم مَنْ مُخالطتُه حُمَّى الروح، وهو الثقيل البغيض العقل، الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يُحْسِن أن ينصت؛ فيستفيدَ منك، ولا يعرفُ نفسه، فيضعُها في منزلتها.
بل إن تكلم فكلامُه كالعصى تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به؛ فهو يُحْدِثُ مِنْ فِيِهِ كلما تحدث، ويظن أنه مسك يطيب به المجلس، وإن سكت فأثقل من نصف الرّحا العظيمة، التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض.
ويُذْكَرُ عن الشافعي -رحمه الله- أنه قال: ما جلس إليّ ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر.
ورأيت يوماً عند شيخنا[1]رجلاً من هذا الضرب، والشيخ يحمله وقد ضعفت القوى عن حمله، فالتفت إليّ وقال: مجالسة الثقيل حمى الرَّبَع، ثم قال: لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى، فصارت لها عادة، أو كما قال".
ولهذا فالرجل النبيل، ذو المروءة والأدب هو من يراعي مشاعر الآخرين، ويحفظ عليهم كرامتهم وماء وجوههم.
"قال بعضهم: صحبت الربيع بنِ خثيم عشرين عاماً ما سمعت منه كلمةً تعاب".
وكذلك ترى قلة الذوق عند بعض الناس حتى في حال تأديتهم لشعائر الإسلام العظمى؛ فترى بعض الناس لا يراعي ذلك في الصلاة، فربما أتى ورائحته مؤذية كمن يأكل الثوم، أو البصل، أو يشرب الدخان.
وترى القلوب في بعض الأحيان في المساجد قد بلغت الحناجر، فلا يحتمل الواحد أدنى توجيه أو إشارة أو طلب تقدم أو تأخر.
وترى العراك الذي قد يصل إلى حد الاشتباك حول التكييف وما شاكله.
وقل مثل ذلك وأشد في الحج، فكم هي المآسي عند الطواف، ورمي الجمار، وعند الحلق أو التقصير، أمور لا تخفى على ذي لب.
وأما ما يحصل في المقابر حال دفن الجنائز - فحدث ولا حرج؛ فهذا يرفع صوته، وذاك يكثر من التدبير في غير محله.
ثم إن التزاحم حول القبر، ومضايقة من يقومون بالدفن أمر يحزن القلب، ويعطل الناس.
ومما يدخل في ذلك - قلة الذوق في قيادة السيارة، ويتجلى ذلك في التهور في قيادتها، وقلةِ المراعاة لقواعد السير، ولبقية الناس ممن يسيرون في الأماكن العامة، وأذيةِ الآخرين بالتفحيط ورفع أصوات الغناء، ورمي المخلفات في الشوارع.
ويدخل في ذلك ما يفعله بعض سائقي السيارات؛ حيث يأخذ مكاناً كبيراً إذا أراد إيقاف سيارته في مكان عام، فيضيق على الناس، ويحرمهم من حقهم، ولو أنه وقف كما ينبغي لاتسع المكان، واستفاد منه عدد أكبر.
ومن قلة الذوق ما تراه عند إشارة المرور من قطع للإشارة، وتسبب في الحوادث، وكذلك ما تراه مِنْ تَقدُّمٍ على مَنْ له حقٌّ في السير كما هو الحال عند الأماكن التي يوجد فيها دوَّار؛ فتكون الأفضلية للقادم من الدوار، غير أن بعض الناس يجعل القاعدة في ذلك أن الأفضلية للجزوم!!
وكلمة (الجزوم) في العامية الدارجة تعني صاحب المغامرة الذي قد لا يبالي بالعواقب.
ومن قلة الذوق ما تراه عند صَرَّافة النقود؛ حيث ترى بعض الناس يتخطى مَنْ قَبْلَهُ، وترى منهم من إذا جاء دَوْرُه في الصرف اشتغل بمكالمة عَبْرَ جواله، وإذا فرغ من مكالمته بدأ يبحث عن بطاقته، ثم إذا صرف وقف ينظر في كشف حسابه، وربما أطال الوقوف.
كل ذلك والناس على أحر من الجمر ينتظرون فراغه.
ولو أنه استعد للصرف قبل أن يأتي دوره، وانصرف حال انتهائه من غرضه - لكان خيراً له، وأكمل في أدبه.
بل يدخل في قلة الذوق ترك العناية بطريقة إلقاء السلام أو الدعاء؛ فربما يقولها بعض الناس بنبرة موحشة، موغرة للصدر؛ فتكون مجلبة للضغائن بدلاً من أن تكون برداً وسلاماً.
ومن قلة الذوق -وهو كثير- ما يقع في البيع والشراء من كثرة المماكسة، وإذلال صاحب المتجر، أو صاحب الصنعة.
ومن قلة الذوق سوء طلب الحاجة؛ فبعض الناس لا يُحسن ذلك؛ فتراه يلحف، ويلح، ولا يراعي الوقت المناسب.
ومن قلة الذوق ما يقع في المكالمات الهاتفية، والرسائل الجوالية على وجه الخصوص؛ فقد تكون الرسالة الجوالية ملائمة لشخص، ولكنها غير ملائمة لآخر، وقد تكون صالحة لأن ترسل لكبير قدر أو سنٍّ، ولا تصلح أن ترسل إلى غيره، وقد يصلح أن يرسلها شخص ولا يصلح أن يرسلها آخر، وقد تصلح لأن ترسلها لمن يَعْرفك ويَعْرف مقاصدك، ولا يصلح أن ترسلها لشخص لا يعرف مقاصدك، أو لشخص شديد الحساسية سيء الظن؛ فمراعاة تلك الأحوال أمر مطلوب.
وكم حصل من جراء التفريط بذلك الأدب من إساءة ظن، وقيام لسوق العداوة.
ومن قلة الذوق ما تراه من الكتابات البذيئة على جدران الأماكن العامة؛ فهي تشوه وجه البلد حساً ومعنىً، وتربي على قلة الحياء، وربما كانت سبباً في شيوع الفاحشة.
ومما يدخل في هذا القبيل قلةُ المراعاة لأدب المحادثة كالثرثرة، والاستئثار بالحديث، وكثرةِ الأسئلةِ وتَعَمُّد الإحراج فيها، والحديث بما لا يناسب المقام، والتعالي على السامعين، وترك الإصغاء للمتحدث، والاستخفاف بحديثه، والمبادرة إلى إكماله، والقيام عنه قبل إكمال حديثه، والمبادرة إلى تكذييبه.
ويدخل في قلة المراعاة لأدب المحادثة رفع الصوت بلا داعٍ، والشدة في العتاب، والغلظة في الخطاب، والجدال والمراء والخصومة، وبذاءة اللسان، والتفحش في القول، والتقعر في الكلام.
ومما يدخل في قلة الذوق قلة المراعاة لأدب المجالسة، كتتبع عثرات الجليس، وإظهار الملالة منه.
ومن ذلك تناجي الاثنين دون الواحد، والجلوس وسط الحلقة، والتفريق بين اثنين متجالسين دون إذنهما، وإقامة الرجل من مجلسه، والجلوس مكانه.
وبالجملة فالأمثلة على قلة الذوق كثيرة، وما مضى إنما هو إشارات ليس إلا.
فياليت جانب الذوق يلقى عناية ونصيباً من تعليمنا، ودروسنا، وخطبنا، وإعلامنا؛ لنتجنب كثيراً من الشرور التي ربما كان سببها التقصير في هذا الجانب[2].

---------

[1] يعني به: شيخ الإسلام ابن تيمية.
[2] وإذا أردت مزيد بيان وإيضاح لما مضى ذكره فارجع إلى كتاب (سوء الخلق - مظاهره - أسبابه - علاجه) وكتاب (أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة) وكتاب (فقر المشاعر) وكتاب (رسائل في الزواج والحياة الزوجية) وجميعها للكاتب.

 

 

 

 

 

 

التوقيع














شبكة فجر الإيمان الاسلامية على تويتر

fjr_aleman@

    

رد مع اقتباس
قديم 21-03-2011, 10:39 PM   #2
 
إحصائية العضو







خالد المشاويه غير متصل

خالد المشاويه is on a distinguished road


افتراضي رد: سلامة الذوق وأثره في الأفراد والأمة - 2

جزاك الله خير وبارك الله مساعيك اختي العود الازرق


جزيل الشكر والتقدير

 

 

 

 

 

 

التوقيع

ماني من اللي زلة الصاحب لاجاته تفرحه = بعض البشر ماميّزت باصحابها وخصومها
وان جا يحرّث جمر صحبة عمر بالطيب اطرحه = لي عادةٍ يوم العرب بطبوعها وسلومها
يوم الجدي ماغاب نجم سهيل بالعام المحه = مراجلٍ تحضر مع الموسم تغيب نجومها
والقرم فعل الغانمة عند اللوازم مشلحه = والا الضعوف ضعوف لو تكشخ بكل هدومها

    

رد مع اقتباس
قديم 22-03-2011, 10:37 AM   #3
 
إحصائية العضو







فهد المقابله غير متصل

فهد المقابله is on a distinguished road


افتراضي رد: سلامة الذوق وأثره في الأفراد والأمة - 2

موضوع في غايه الروووووعه

تحياتي وتقديري

 

 

 

 

 

 

التوقيع

[poem=font="Simplified Arabic,6,darkred,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black""]

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

    

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سلامة الذوق وأثره في الأفراد والأمة -1 العود الأزرق :: قسم الأسـره والمـجتمـع :: 5 30-03-2011 05:31 PM
الثناء الصادق وأثره بالنهوض في الأفراد والأمة - 1 العود الأزرق :: قسم الأسـره والمـجتمـع :: 6 24-02-2011 10:03 AM

 


الساعة الآن 08:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
---