بسم الله الرحمن الرحيم
وطويت صحيفة عام
الحمد لله مصرف الليالي والأيام القائل في محكم التنزيل ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) فهو سبحانه قد اقسم بالوقت في سور كثيرة ليضعنا سبحانه أمام حقيقة لا ريب فيها وهي أن العمر هو أنفس ما عني الإنسان بحفظه فقد اقسم سبحانه بالصبح وبالضحى وبالعصر وبالليل كل هذا ليبصرنا سبحانه بعظمة الوقت في حياة الإنسان وقد حثنا رسولنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام باغتنام الأوقات وان هذه الأوقات إذا ذهبت لا يمكن بحال من الأحوال أن ترجع فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك وليس كما يقول الناس الوقت كالذهب فالذهب مثله كمثل أي سلعة اليوم بسعر وغداّ بسعر آخر فيوم في العلالي ويوم في الأسفل ، ونحن نودع عام كامل بأيامه ولياليه بساعته ودقائقه وثوانيه بكل لحظة من لحظاته بأفراحه بأتراحه ماذا يولد عندنا من أحاسيس وشعور إنه يولد عندنا إحساس بالفراق اليوم أو غداً إنه يولد لدينا شعوراً بأن ما على هذه الدنيا يتغير ويتحول ولا يبقى إلا هو سبحانه صاحب الوحدانية والبقاء الأزلي ، إننا ونحن نمزق أوراق التقويم في كل يوم لم يخطر ببالنا أننا نمزق أعمارنا بأيدينا حرصاً على هذه الدنيا الزائلة التي أنفاسنا فيها تباعدنا من هذه الدنيا وتقربنا خطوات من الآخرة ، لقد رحل عام فقدنا فيه أحبة لقلوبنا فقدنا الآباء والأمهات ولأقارب ولأصدقاء وفقدنا فيها من القادة اللذين سطروا التاريخ بأفعالهم الخالدة ، فقدنا أحد حكماء العرب والمسلمين في هذا الزمان وفارسهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله الذي ترك في أنفس الكثيرين الحسرة والألم ولكنها سنة الله في خلقه نسأل الله أن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ، واحتفلنا بالبعض وشاركناهم أفراحهم حصل في العالم من المشكلات التي أقضت مضاجع الناس في كل مكان فما كارثة الطوفان التي حصدت أنفسا كثيرة عنا ببعيد وما حصل بالعراق الذي تعصف به الفتن وتؤثر في بلدان الجوار وتزيد من قلقهم وما يحصل ولايزال من محنة إخواننا في فلسطين وما تتعرض له أرض الحرمين من ترويع للآمنين وإفساد في البلاد من أفراخ التكفيريين والإرهابيين كل هذا وكثير مثله في أنحاء العالم حصل في عام واحد ، إن التجار في نهاية كل عام يحسبون ويقدرون الأرباح والخسائر وهذا في أمور الدنيا فحري بالمسلم أن يحاسب نفسه اشد من محاسبة التاجر لعماله فخسائر الدنيا مقدور عليها وبالامكان التعويض أما خسائر الآخرة فهي والله الخسران المبين فرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول لنا ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ؟ وعن عمله فيم فعل ؟ وعن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيما أنفقه ؟ وعن جسمه فيم أبلاه ؟ ) أسئلة عظيمة تجعل الإنسان على المحك الفعلي من سبب وجوده في الحياة ، أيها الأخوة الكرام كما مضى من أعمارنا وكم بقي لكي نفرط في أوقاتنا إننا يجب أن نحاسب أنفسنا في الدنيا حيث وقت الحساب متاح أما في الآخرة فلا مجال للمحاسبة بل هو مواجهة المصير الذي لا مناص منه فاليوم حساب بلا جزاء وغداً جزاءً بلا حساب كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه نسأل الله أن يجعل عامنا الجديد عام خير وبركة على بلادنا وبلاد المسلمين وأن يصلح ويحفظ ولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين وأن يجعل بلادنا هذه وبلاد المسلمين بلاد رخاء وخير وأمن وأمان إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .