وضع اليدين على النحر تحت الذقن:
ثبت هدي النَّبي صلى الله عليه وسلم بوضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة من حديث سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه – في ((صحيح البخاري)): (740), و((الموطأ)): (20 / 74 تمهيد) وغيرهما. ومن حديث وائل – رضي الله عنه – في ((صحيح مسلم)): (1 / 301) وغيره, ومن حديث غيرهم عند غيرهم من أَصحاب السنن الأَربع وغيرها. كما هي مخرجة في: ((فتح الغفور)) للسندي ت 1163هـ - رحمه الله تعالى -.
وقال ابن عبد البر – رحمه الله تعالى – في ((التمهيد)): (20 / 74): (لم تختلف الآثار عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب, ولا أَعلم من أَحد من الصحابة في ذلك خلافاً إِلاَّ شيء رُويَ عن ابن الزبير أَنه كان يُرسل يديه إِذا صلى, وقد رُويَ عنه خلافه مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْه, وذلك قوله صلى الله عليه وسلم : وضع اليمين على الشمال من السنة, وعلى هذا جمهور التابعين, وأَكثر فقهاء المسلمين من أَهل الرأي والأَثر . . .) انتهى.
وقال الترمذي – (2 / 82 تحفة) ونحوه البغوي في ((شرح السنة)) (3 / 32):
(والعمل على هذا عند أَهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . . .) انتهى.
فالخلاف في ((الإِرسال)) لم يرد به حديث صحيح ويأْتي.
وإِنَّما الخلاف في محل الوضع من الجسد, ويمكن تصنيف الأَقوال والأَلفاظ الواردة, وَذِكْرها هًنَا على سبيل التدلي من:
القول بوضعهما عند النحر, إِلى القول بوضعهما تحت السرة, فالتخيير, مع الإِشارة إِلى عمدة ما يتمسك به لكل قول ولفظ منها, ومنزلته صحةً وضعفاً, ومن قال به, حتى تأْنس النفس بمعرفة منزلة هذه الهيئة: ((وضعهما على النحر تحت الذقن)). فإِلى بيانها:
1- عند النحر:
رُويَ عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في تفسير قول الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. رواه البيهقي: (2 / 31) وعنه لدى عامة المفسِّرين عند هذه الآية, منها: ((الدرر المنثور)): (8 / 650 – 651).
ولا يصح لحال روح بن المسيب الكلبي البصري, كما في ((المجروحين)): (1 / 299). والمعتمد في تفسير هذه الآية بقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. صوّبه ابن جرير, وتبعه ابن كثير, وقال: (إِنَّه في غاية الحسن).
2- على الصدر:
للشافعي – رحمه الله تعالى – في إِحدى الروايات عنه, ولم يقل بهذا غيره من الفقهاء الأَربعة, فهو مزية لمذهبه؛ لموافقته نَصَّ السنة.
نعم: ذكر رواية عن الإِمام أَحمد – رحمه الله تعالى – نادرة, كذا قال السندي – رحمه الله تعالى – في ((فتح الغفور)): (ص66). لكن في ((بدائع الفوائد)): (3 / 92) قال ابن القيم – رحمه الله تعالى –: (قال في رواية المزني: أَسفل السرة بقليل, ويكره أَن يجعلهما على الصدر, وذلك لما رُوِيَ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنه: ((نهى عن التكفير)) وهو وضع اليد على الصدر) انتهى. وهذا الحديث لم أَجده.
ولما ذكر ابن عبد البر – رحمه الله تعالى – في ((التمهيد)): (20 / 79) الرواية عن مجاهد – رحمه الله تعالى – بالكراهية قال: (ولا وجه لكراهية من كره ذلك؛ لأَن الأَشياء أَصلها الإِباحة, ولم ينه الله عنه ولا رسوله, فلا معنى لمن كرهه. هذا لو لم يرو إباحته عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فكيف وقد ثبت عنه ما ذكرنا؟) انتهى.
الأَولى أَن يُقال في دفع الكراهية: الأَصل في العبادات التوقيف على النص, وَقَدْ ثَبَتَ. وبها عمل إِسحاق بن راهويه, فقال المروزي في ((المسائل)): (ص / 222)( 1): (كان إِسحاق يوتر بنا . . . ويرفع يديه في القنوت, ويقنت قبل الركوع, ويضع يديه على ثدييه, أَو تحت الثديين).
وظاهر اخيار الشيخين ابن القيم(2 ), والشوكاني(3 ) – رحمهما الله تعالى – إِذ قال: (ولا شيء في الباب أَصح من حديث وائل المذكور, وهو المناسب لما أسلفنا من تفسير علي وابن عباس لقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر﴾ بأَن النحر: وضع اليمنى على الشمال في محل النحر والصدر) انتهى. ومعلوم ضعف السند عنهما – رضي الله عنهما – بذلك ولم أَر لشيخ الإِسلام ابن تيمية في ((محل الوضع)) شيئاً, فالله أَعلم.
• الأَدلـة:
• في حديث قبيصة بن هُلْب عن أَبيه – رضي الله عنه -: ((رأَيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره ورأَيته يضع يده على صدره)).
رواه أَحمد: (5 / 226), والترمذي: (2 / 32), وابن ماجه: (1 / 226), وابن أَبي شيبة: (1 / 390), والدارقطني: (1 / 258), والبيهقي (2 / 29, 295), والبغوي في ((شرح السنة)): (3 / 31).
وحسّنه الترمذي, وأَقره النووي في ((المجموع)): (3 / 312) وحسّنه لشواهده؛ لأَن في سنده: قبيصة, وهو إِن وثقه بعضهم لكن لم يرو عنه إِلاَّ: سماك بن حرب. وفي ((التقريب)) قال: مقبول.
• وفي حديث وائل بن حُجر – رضي الله عنه -: ((أَنه رأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يضع يمينه على شماله ثم يضعهما على صدره)).
رواه ابن خزيمة في ((صحيحه)): (1 / 243 رقم 479), والبيهقي: (2 / 30 – 31) من طريقين, أَحدهما مسلسل بعدد من الضعفاء وفيه انقطاع. والثاني: مؤمل بن إِسماعيل عن الثوري عن عصام بن كليب عن أَبيه عن وائل. ومؤمل: صدوق سيء الحفظ. وأَصل الحديث في ((صحيح مسلم)) وغيره بدون لفظ ((الصدر)).
وقد ذكر هذا الحديث الحافظ ابن حجر في كتبه: ((الفتح)) (2 / 262) وسكت عليه, ومقتضى شرطه في ((المقدمة / هدي الساري)): (ص / 4) أَن ما سكت عليه في ((الفتح)) فهو صحيح أَو حسن. وسكت عليه في ((بلوغ المرام)): (ص / 53), وفي ((التلخيص)): (1 / 224) وقد نبه السيوطي في ((الحاوي)): (2 / 212) إِلى شرط ابن حجر في ذلك.
وساقه محتجاً به ابن القيم في ((إِعلام الموقعين)): (2 / 400) في آخرين.
وظاهر أَن حُسْنَهُ بشواهده. على أَن ابن سيد الناس في ((شرح الترمذي)) قال: (وصححه ابن خزيمة), كما في: ((تحفة الأَحوذي)): (2 / 89), و((عون المعبود)): (2 / 370), وكذا قال الشوكاني في ((نيل الأَوطار)): (2 / 189).
ولكن لم نر تصحيح ابن خزيمة له في ((صحيحه)) المطبوع. وإِن أُريد أَنه: صحيح حكماً لشواهده فنعم.
ولهذا قال الشوكاني – رحمه الله تعالى – في ((النَّيل)) (2 / 189): (ولا شيء في الباب أَصح من حديث وائل المذكور . . .) انتهى.
• وفي مرسل طاووس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع اليمنى على يده اليسرى ثم يَشُدُّ بهما على صدره وهو في الصلاة).
رواه أَبو داود: (1 / 121 رقم 759), وفي ((المراسيل)) له: (رقم 34), وعند البيهقي في ((معرفة السنن)).
• وعن على – رضي الله عنه -: (﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾: وضع يده اليمنى على وسط ساعده على صدره).
رواه البخاري في ((التاريخ الكبير)): (6 / 437), وابن جرير في ((التفسير)): (11 / 325), والدارقطني: (1 / 285), وابن أَبي شيبة. وعزاه في ((الدرر المنثور)): (8 / 650) لآخرين منهم: البيهقي: (2 / 30).
ولمّا ساق ابن كثير في ((تفسيره)) (8 / 528) هذا الأَثر قال: (لا يصح, وعن الشعبي مثله) انتهى.
3- على الصدر للمرأَة, وتحت السرة للرجل:
ولا يختلف مذهب الحنفية بأَن محلهما تحت السرة, ويعللونه بأَنه أَستر للمرأَة. وفي حق الرجل: أَدعى لتعظيم الله سبحانه.
4- عند الصدر: أَ
شار إِليها الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – في ((الفتح)): (2 / 262) في حديث وائل فقال: (وللبزار: عند صدره) انتهى.
5- تحت الصدر فوق السرة:
رواية في مذهب: مالك, والشافعي, وأَحمد – رحمهم الله تعالى – حكاها عنهم الشوكاني في ((نيل الأَوطار)): (2 / 189). ورجحها الإِمام النووي في مذهب الشافعي, وقال في ((المجموع)): (3 / 313): (وبهذا قال سعيد بن جبير, وداود) انتهى.
6- فوق السُّـرَّة:
في رواية عن الإِمام أَحمد – رحمه الله تعالى -. قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – في ((بدائع الفوائد)) (3 / 91): (واختلف في موضع الوضع: فعنه: فوق السرة. وعنه: تحتها, وعنه: أَبو طالب, سأَلت أَحمد: أَين يضع يده إِذا كان يُصلي؟ قال: على السُّرة, أَو أَسفل, وكل ذلك واسع عنده, وإِن وضع فوق السرة, أَو عليها, أَو تحتها) انتهى. ونحوه في: ((المغني)): (1 / 514 – 515).
وقال ابن عبد البر – رحمه الله تعالى – في ((التمهيد)) (20 / 75): (وقال أَحمد بن حنبل: فوق السرة, وهو قول سعيد بن جبير, وقال أَحمد بن حنبل: وإِن كان تحت السرة فلا بأْس به) انتهى. والأَثر عن سعيد رواه البيهقي (2 / 31) بسندٍ ضعيف. وقد جاءت به الرواية عن علي – رضي الله عنه – في رواية ابن جرير الضبي عن أَبيه, قال: (رأَيت علياً – رضي الله عنه – يمسك شماله بيمينه على الرُّسْغِ فوق السُّرَّة)). رواه البيهقي: (2 / 130) وحسّنه وعلقه البخاري مختصراً, مجزوماً به (1 / 301).
ولما ذكر ابن قدامة – رحمه الله تعالى – الرواية عن أَحمد – رحمه الله تعالى – بوضعهما فوق السرة, قال في الاستدلال له: ((لما روى وائل بن حُجْر قال: رأَيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُصلي فوضع يديه على صدره . . .)). فظاهر أَن مراده من هذه الرواية القول بوضعهما على الصدر, والله أَعلم.
7- تحت السُّـرَّة:
مذهب الحنفية في حق الرجال بلا خلاف في المذهب. كما في ((فتح القدير)) لابن الهمام: (1 / 249 – 250), و((فتح الغفور)) للسندي: (ص / 61 – 64). وهو رواية عن الشافعي ((تحفة الأَحوذي)): (2 / 83), وأَحمد كما تقدم نقله من ((البدائع)) لابن القيم, وهي المذهب كما في: ((الإِنصاف)): (2 / 46). وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (20 / 75): (وقال الثوري: وأَبو حنيفة, وإِسحاق: أَسفل السرة, ورُوي ذلك عن: علي, وأَبي هريرة, والنخعي, ولا يثبت ذلك عنهم, وهو قول أَبي مجلز) انتهى. وقول أَبي مجلز, رواه ابن أَبي شيبة: (1 / 390 – 391), والبيهقي: (2 / 31)( 4). وأَثر النخعي رواه ابن أَبي شيبة: (1 / 390), ومحمد بن الحسن في ((الآثار)): (ص / 25).
• الأَدلـة:
• عن علي – رضي الله عنه – قال: ((إِن من السنة في الصلاة وضع الأَكف على الأَكف تحت السرة)).
رواه أَحمد: (1 / 110), وأَبو داود: (1 / 480), وابن أَبي شيبة: (1 / 391), والدارقطني: (1 / 286), وابن عبد البر في ((التمهيد)): (20 / 77), والبيهقي في ((معرفة السنن والآثار)), وساقه المجد في ((المنتقى)): (2 / 188 مع النيل).
وجميع أَسانيده عندهم تدور على: عبد الرحمن بن إِسحاق الواسطي, اتفقوا على تضعيفه, كما في ((نصب الراية)): (1 / 314) نقلاً عن النووي – رحمه الله تعالى – وفيه قال البيهقي: (لا يثبت إِسناده, تفرد به عبد الرحمن بن إِسحاق الواسطي, وهو متروك). وقال العلامة العيني الحنفي – رحمه الله تعالى – في ((عمدة القاري)) (5 / 279): (هذا قول علي بن أَبي طالب وإِسناده إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غير صحيح).
• عن أَبي هريرة – رضي الله عنه -: ((وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة من السنة)).
رواه أَبو داود: (1 / 481), وابن حزم معلقاً: (4 / 157). وفيه: عبد الرحمن بن إِسحاق الواسطي الكوفي المذكور, وهو ضعيف باتفاقهم.
• عن أَنس – رضي الله عنه -: ((من أَخلاق النبوة وضع اليمين على الشمال تحت السرة)). ذكره ابن حزم معلقاً في ((المحلى)): (4 / 157) ولم يوجد له إِسناد, كما في ((تحفة الأَحوذي)): (2 / 88), وانظر: ((فتح الغفور)): (ص 57 – 66).
• تنبيـه: عزا الشيخ قاسم بن قُطْلُوبغا, المتوفى سنة 879هـ - رحمه الله تعالى – في ((تخريج أَحاديث الاختيار شرح المختار)): إِلى ((مصنف ابن أَبي شيبة)): حديث وائل بن حجر – رضي الله عنه – بلفظ: ((رأَيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وضع يمينه على شماله في الصلاة تحت السرة)).
وقد حقق السندي في ((فتح الغفور)): (ص 35 – 48) خلو المصنَّف من هذه الزيادة: ((تحت السرة)), وأَن علماء الحنفية قبل الشيخ قاسم, لم يذكروا هذه اللفظة لمذهبهم؛ بل إِن عصريه ابن أَمير الحاج المتوفى سنة 879هـ يقول في ((شرح مُنْيَة المصلي)): (إِن الثابت من السنة وضع اليمين على الشمال, ولم يثبت حديث يوجب تعيين المحل الذي يكون فيه الوضع من البدن إِلا حديث وائل المذكور) انتهى.
وكذا قال ابن نجيم المتوفى سنة 970هـ في ((البحر الرائق)): (1 / 303) ومرادهما لفظ: ((صدره)) فإِنها لم يذكرا هذه الزيادة ((تحت السرة)) في حديث وائل.
8- الإِرسـال:
وهو المشهور في مذهب المالكية, على خلاف نص الإِمام مالك – رحمه الله تعالى – على مشروعية القبض.
وهو مروي عن ابن الزبير, والحسن البصري, والنخعي, كما في ((التمهيد)): (20 / 76) ثم قال: (وليس هذا بخلاف؛ لأَن الخلاف كراهية ذلك, وقد يرسل العالم يديه ليرى الناس أَن ليس بحكم واجب . . . ثم قال: والحجة في السنة لمن اتبعها, ومن خالفها فهو محجوج بها ولاسيما سنة لم يثبت واحد من الصحابة خلافها) انتهى.
وأَلَّف علماء المالكية كثيراً في إِثبات شرعية الإِرسال, وأُخرى في نقضه, ومن نظر في المثبتة للإِرسال؛ علم منها عدم الحجة, وأَن السنة القبض.
ولهذا قال السندي – رحمه الله تعالى – في ((فتح الغفور)) (ص / 60): (والحق أَنه لم يرد حديث صحيح في إِرسال اليدين في الصلاة) انتهى.
9- التخيير بين الوضع والإِرسال:
رواية لدى المالكية, وقيل: القبض رخصة في النفل خاصة, وَنُقل التخيير عن الأَوزاعي, وعطاء. وانظر: ((التمهيد)): (2 / 75), و((نيل الأَوطار)): (2 / 186).
10- التخيير فوق السرة أَو عليها أَو تحتها:
مضى النقل في ذلك عن الإِمام أَحمد – رحمه الله تعالى – في القول السادس, ونص عليه في: ((المغني)): (1 / 515), و((الإِنصاف)): (2 / 46).
قال ابن المنذر – رحمه الله تعالى – كما في ((نيل الأَوطار)) (2 / 189): (لم يثبت عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء فهو مخير) انتهى.
ونحوه لابن القيم – رحمه الله تعالى – كما في ((حاشية الروض)) لابن قاسم: (2 / 21) ونسبه لمالك – رحمه الله تعالى -.
وقال الترمذي – رحمه الله تعالى – في ((سننه)) (2 / 82 تحفة) بعد سياق حديث وائل في الموضع: (والعمل على هذا عند أَهل العلم من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم, يرون أَن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة, ورأَى بعضهم: أَن يضعها فوق السرة, ورأَى بعضهم: أَن يضعها تحت السرة, وكل ذلك واسع عندهم) انتهى.
تلك عشر كاملة, ويمكن إِرجاع الأَول والثالث في حق المرأَة, والسادس إِلى الثاني, وإِرجاع الرابع والخامس إِلى السادس, وإِرجاع التاسع إِلى الثامن, فتكون الأَقوال ثلاثة:
1- على الصدر, ومنه: عند صدره. تحت صدره. فوق السرة.
2- تحت السرة.
3- التخيير وهو على أَنواع.
• النتيجـة: من هذا العرض يتبيَّن أَنه لا يثبت حديث مرفوع في محل وضعهما من الجسد إِلاَّ ((على الصدر)), والأَمر واسع على أَي موضع من الصدر, على الثَّدْيَيْن, أَو تحتهما؛ إِذ لم يرد فيه تحديد في المحِلِّ مِنَ الصَّدْر, وانظر إِلى فقه ابن قدامة – رحمه الله تعالى – حين استدل للرواية عند أَحمد – رحمه الله تعالى -: ((يضعهما فوق السرة)) بحديث وائل – رضي الله عنه – ((علي صدره)).
وأَن أَثر ابن عباس ((عند النحر)) في تفسير ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ لا يثبت, وهو أَرفع مكان جاء به الأَثر موقوفاً, ولا يصح. وَأَمَّا: ((على النحر)) أَو((الترقوتين)) فلم يرد في شيء من ذلك ما هو مرفوع أَصلاً.
ولهذا فإِن:
وضع اليدين على النحر تحت اللحية هيئة جديدة لم ترد بها سنة, ولا أَثر, ولا قول معتبر, وإِنما تَوَلَّدَت من ((الإِيغال)) في تطبيق السنن, وهذا إِفراط ممن يقول بوضعهما على الصدر, كما أَن لدى من يقول بوضعهما تحت السرة تفريط؛ إِذ يرخي ويبالغ حتى يضعهما فوق ((العانة)) فكل واحد من الفريقين أَدَّى سنة القبض, وَفَرَّطَ في سنة محل القبض: ((على الصدر)). قال الله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾ [يس:8]. قال القرطبي – رحمه الله تعالى – في تفسيرها (15 / 8): (روى عبد الله بن يحيى: أَن علي بن أَبي طالب – عليه السلام – أَراهم الإِقماح, فجعل يديه تحت لحيته, وأَلصقهما ورفع رأَسه. قال النحاس: وهذا أَجَلُّ ما رُوِيَ فيه, وهو مأْخوذ مما حكاه الأَصمعي . . .) انتهى. أَعاذنا الله وإِيَّاكم من حال أَهل العذاب. والوصية بلزوم السنة.
* * *
__________________
(1) بواسطة: ((صفة صلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم)) للأَلباني. حاشية: (ص / 116).
(2) ((إعلام الموقعين)): (2 / 400).
(3) ((نيل الأَوطار)): (2 / 189).
(4) ((فتح الغفور)): الملحق: (ص / 65).
مقدمة الكتاب :
http://www.aldawasser.com/vb/showthread.php?t=25112
هيئة المصافة
http://www.aldawasser.com/vb/showthread.php?t=25272