هاوية الإفلاس
أيها الاخوة والاخوات : يشهد هذا العصر استهلاكا إيمانيا مريعا
من شأنه أن يدفع بالكثير من المسلمين إلى هاوية الإفلاس الإيماني
يقول تعالى :
( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات
فسوف يلقون غيا )
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
" خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " رواه مسلم ..
إن كل ما حولنا يصرفنا عن الله ، ويغرينا بالدنيا وشهواتها :
( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة
من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة
الدنيا والله عنده حسن المآب )
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول :
" حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " رواه مسلم ..
أكتفي بعرض نموذجٍ بسيط حول عملية الاستهلاك الإيماني في زحمة
من المواقع الاستهلاكية التي لا تبقي ولا تذر :
أمام " نشرة أسبوعية مجانية " تقع في نحو أربعين صفحة ، كل صفحة
فيها تمتلئ بعشرات الدعوات والدعايات التي تستهلك الإيمان والأخلاق
والوقت والمال ، ولا تترك للإنسان فرصة للتنفس الإيماني السليم !!
فهذه دعوة إلى تنحيف الأجساد ، وتأمين الأصدقاء ، واستيراد خادمات
وحاضنات تتناسب مع جميع الأذواق والميزانيات ، وعرض لمقاعد بكبسة
زر تساعدك على النهوض ، وعرض لمعالجة الصلع ، أو إزالة الشعر
نهائيا عن الأجساد إلى الأبد ، وعروض لا تعد في عالم التجميل
وعروض لرفع الصدر وتنحيف الخصر والوشم والتغيير في خلق الله
ناهيك عن عروض بيع السيارات والمفروشات والأدوات الكهربائية
والكومبيوترات والفيلات والشقق والشاليهات ، يرافق كل ذلك عروض
سخيةٌ بالبيع المقسط يمكن أن يستهلك عمر الإنسان كله ، يضاف إلى ذلك
تنافس في عروض المطاعم وحفلات الطرب والرقص وما يمنع
الحياء عن ذكره !!
هذه مفردة صغيرة ومحدودة من وسائل الاستهلاك الإيماني ، يضاف
إليها عالم الإنترنت وعالم الفضائيات ، وكل ما تمخض عنه العقل البشري
ووضع في خدمة الشيطان .. فماذا يتبقى بعد ذلك ؟
- هل يتبقى وقت ؟ هل يتبقى جهد ؟ هل يتبقى عقل ؟
- هل يتبقى مال ؟ هل يتبقى دين ؟ هل يتبقى أخلاق ؟
النتيجة: ضياع العمر وسوء المصير ..
- كيف نواجه هذا الكم من قوارض الإيمان ؟
لابد من مشاريع إنتاجية للإيمان تغالب الاستهلاك وتغلبه ، إن ذلك
يحتاج إلى قوة إرادة ، وعزيمة ، وصبر ، ومجاهدة نفس ، ومغالبة
هوى لا تفتر ولا تتوقف ، إنه يحتاج إلى إنماء إيماني يماثل حجم
الاستهلاك الإيماني على الأقل ..
إن صوم رمضان ، وأداء مناسك العمرة والحج ، وإقام الصلاة فرائض
ونوافل والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقراءة
كتاب الله وذكر الموت ، والنهوض بواجب الدعوة إلى الله ، والإسهام
قدر المستطاع بأحد جوانب الجهاد في سبيل الله ، هذه وغيرها
محطات للإنتاج الإيماني ومعارج رقي وارتقاء إلى الله عز وجل
نحن مطالبون بالإقبال عليها والاستفادة منها ....
مشروع العصر:
" الدنيا ساعة .. فاجعلها طاعة "
ثماني مهمات على طريق الجنة
هذا المشروع مقترح كحد أدنى لكل مسلم و مسلمة ، يتضمن ثماني
مهمات محددة الوقت ، معلومة الثواب ، محققة الفائدة بإذن
الله تعالى ، من ذلك :
مغفرة الذنوب ، الأمان من فتنة القبر ، بناء بيت في الجنة
استجابة الدعاء ، الأمان من الفقر ، قضاء الحوائج ، تفريج الهم ..
وكل ذلك لا يستغرق أكثر من دقائق ..
1- المهمة الأولى :
أداء اثني عشرة ركعةً نافلة " السنن الراتبة " ، وهي :
اثنتان قبل الفجر + أربعٌ قبل الظهر واثنتان بعده + اثنتان بعد المغرب
+ اثنتان بعد العشاء ..
الفائدة المرجوة : يبني الله للمداوم بيتا في الجنة ..
الدليل : قوله صلى الله عليه وسلم : " من صلى في يوم اثنتي عشرة سجدة
تطوعا ، بني له بيت في الجنة " رواه مسلم ..
2- المهمة الثانية :
صلاة ركعتين في الليل ..
الفائدة المرجوة : يستجاب الدعاء + يغفر الذنب + تقضى الحاجة ..
الدليل : قوله صلى الله عليه وسلم : " يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل
ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول :
من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له "
رواه البخاري ..
3- المهمة الثالثة :
أداء صلاة الضحى ركعتين ، أو أربعا ، أو ثماني ركعات ..
الفائدة المرجوة : تؤدي صدقة عن كل مفصل من مفاصل العظام ..
الدليل : قوله صلى الله عليه وسلم : " يصبح على كلِّ سُلامى من أحدكم
صدقة فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة
وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة
ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى "
رواه مسلم ، وروى البخاري جزءا منه ..
4- المهمة الرابعة :
قراءة سورة الملك ..
الفائدة المرجوة : تنجي من عذاب القبر ..
الدليل : قوله صلى الله عليه وسلم : " إن سورة من القرآن ثلاثون آية
شفعت لرجل حتى غفر له ، وهي " تبارك الذي بيده الملك "
- رواه الترمذي وأحمد -
5- المهمة الخامسة :
قول : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد
وهو على كل شيء قدير" ..
الفائدة المرجوة : تعدل فك عشر رقاب ، وتكتب مائة حسنة ، وتمحو
مائة سيئة ، وتكون حرزا من الشيطان ..
الدليل : قوله صلى الله عليه وسلم : " من قال لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير
في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة
ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي
ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به ، إلا أحد عمل أكثر من ذلك "
رواه مسلم ..
6- المهمة السادسة :
الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مائة مرة ..
الفائدة المرجوة : براءة من البخل ، وصلاة من الله ..
الدليل : قوله صلى الله عليه وسلم : " فإنه من صلى علي صلاة
صلى الله عليه بها عشرا " رواه مسلم ..
وقوله : " البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي "
- رواه الترمذي -
7- المهمة السابعة :
قول : " سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم " مائة مرة ..
الفائدة المرجوة : تغرس له في الجنة مائة نخلة ..
الدليل : قوله صلى الله عليه وسلم : " من قال سبحان الله العظيم وبحمده
غرست له نخلة في الجنة "
- رواه الترمذي -
8- المهمة الثامنة :
قول : " أستغفر الله " مائة مرة ..
الفائدة المرجوة : يفرج الله كربه ، ويوسع رزقه ..
الدليل : قوله صلى الله عليه وسلم : " من لزم الاستغفار جعل الله له
من كل ضيق مخرجا ، ومن كل هم فرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب "
- رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم بسند صحيح -
أختم بالإشارة إلى موضوع في مقام زيادة الإيمان ، ودعني أسميه
9-" المهمة التاسعة "
وهو أن الإيمان في ديننا ليس صلاة وقراءة قرآن فقط
بل هو ممارسة وفعل ومعاملة كذلك ، فعندما يقول صلى الله عليه وسلم
مثلا في الحديث الرائع حقا :
" تبسمك في وجه أخيك صدقة لك ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر
صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة
وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة ، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم
عن الطريق لك صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة "
- رواه الترمذي ، وقال : حسن غريب ، ورواه ابن حبان في صحيحه -
هل هذه الأوامر والفضائل لمجرد العلم ، أم هي للممارسة أيضا ؟
وهل لها - إذا ما طبقناها - علاقة بزيادة الإيمان في قلوبنا ؟
ولو كانت ليست لها علاقة بالإيمان ، فمعذرة ، فما فائدتها ؟
ولماذا وردت ؟ ولماذا حث ديننا عليها وأمر بها ؟
لقد أخبرنا رسولنا صلى لله عليه وسلم بعظم أجر هذه المعاملات حين قال :
" بينما رجل يمشي بطريق ، وجد غصن شوك ، فأخذه
فشكر الله له فغفر له "
- رواه أحمد والبخاريّ ومسلم وأبو داود والترمذي -
علينا إذن أن نتقرب إلى الله بالمعاملة كما تقربنا إليه بالطاعة ..
بالإتقان والالتزام في كل شيء في حياتنا صغر أم كبر ، يبدأ من التزام
الكلمة وصولا إلى التزام العمل والطاعة والحياة ، لنجعل حياتنا قربة
إلى الله تعالى في الطاعة وفي المعاملة ، وعندئذ لن نحس بقسوة القلب
أو بالتراجع الإيماني ، وصدق ربنا سبحانه حين قال :
( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي
لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )