نائب رئيس الحرس الوطني الراحل الشيخ / عبدالعزيز التويجري
خبرة إدارية وفكرية وأدبية خدمت الدولة ثمانين عاما منذ عهد المؤسس رحيل نائب رئيس الحرس الوطني عبدالعزيز التويجري بعد معاناة مع المرض
انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم أمس نائب رئيس الحرس الوطني المساعد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري عن عمر ناهز الخامسة والتسعين عاماً إثر مرض عانى منه، وسيصلى عليه بعد صلاة عصر اليوم بجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض، وسيوارى الثرى في مقبرة العود. وأعرب نائب رئيس الحرس الوطني المساعد للشؤون العسكرية الفريق أول ركن الأمير متعب بن عبدالله عن بالغ تأثره وعميق حزنه لوفاة الشيخ عبدالعزيز، "لا يسعني إلا أن أتقدم باسمي ونيابة عن كافة منسوبي الحرس الوطني بخالص التعازي إلى سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وإلى نائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وإلى نائب رئيس الحرس الوطني صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالعزيز وإلى أبناء وأسرة الفقيد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عبدالعزيز التويجري". إضاءات من حياته ولد عبدالعزيز التويجري في حوطة سدير سنة 1336. ومن ثم انتقل إلى المجمعة وعمره ست سنوات، بدأ عمله مع الدولة _والذي استمر قرابة الثمانين عاما_ متطوعاً في صفوف جيش الملك عبدالعزيز، رحمه الله. وفي عام 1350 عين مشرفاً على بيت مال المجمعة وسدير والزلفي بأمر من الملك عبدالعزيز. وفي عام 1357 عين رئيساً لمالية المجمعة وسدير والزلفي بأمر من الملك عبدالعزيز رحمه الله. وفي عام (1381) عين وكيلاً للحرس الوطني بموجب المرسوم الملكي رقم 6/21/2322 بتاريخ 28/5/1381. وبتاريخ 4/7/1395 صدر المرسوم الملكي رقم أ/108 وتاريخ4/7/1395 بتعيينه نائباً لرئيس الحرس الوطني المساعد بالمرتبة الممتازة. وبتاريخ 5/7/1397 صدر الأمر الملكي رقم 1/177 بتعيينه نائباً لرئيس الحرس الوطني المساعد بمرتبة وزير. كما عاصر الراحل بدايات انطلاق المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية" والذي ينظمه الحرس الوطني سنوياً وحرص على الإشراف على برامجه ومنتدياته الثقافية. والتويجري عضو مجلس الأمن الوطني اللجنة التحضيرية بالمجلس الصادر بالأمر رقم 1659/8 وتاريخ 14/10/1399. إضافة إلى عضوية مجلس القوى العاملة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/31 وتاريخ 1/8/1400 وعضوية المجلس الأعلى للدفاع المدني الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/10 وتاريخ 10/5/1406. وتسلم أيضا نيابة رئيس مجلس إدارة مكتبة الملك عبدالعزيز بالأمر الصادر رقم 2429 وتاريخ 28/5/1407 ونيابة رئيس اللجنة العليا بالحرس الوطني الصادر بالأمر رقم 87/م وتاريخ 22/7/1411 وكان عضو اللجنة العليا لإعداد النظام الأساسي للحكم الصادر بالمرسوم الملكي رقم أ/90 بتاريخ 27/8/1412. وعضو اللجنة العليا لإعداد نظام مجلس الشورى الصادر بالمرسوم الملكي رقم أ/91 وتاريخ 27/8/1412.إضافة إلى عضوية اللجنة العليا لإعداد نظام المناطق الصادر بالمرسوم الملكي رقم 100/92 وتاريخ 27/8/1412 كما شغل منصب نائب رئيس هيئة الإشراف على مجلة الحرس الوطني. أنشطة وشهادات - أسس باسمه كرسي الزمالة بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية ويعني ذلك توفير منح دراسية للطلاب المتفوقين من مختلف أنحاء العالم للدراسة في جامعة هارفارد وبالأخص طلاب العالم الإسلامي والعربي. - حصل على شهادة تقدير من جامعة جورجيا الحكومية بالولايات المتحدة الأمريكية كأحد الشخصيات المشاركة بالدراسة المتعلقة بصانعي القرار الإستراتيجي. - حصل على عدد من الأوسمة والميداليات. - قام بمشاريع خيرية داخل المملكة وخارجها. - تم إنشاء قاعة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري بمركز الأبحاث والكبد بجامعة لندن. - هوايته القراءة ورياضة المشي. - شارك في معظم رحلات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ عين رئيساً للحرس الوطني سنة 1384 إلى مختلف دول العالم. - شارك في كثير من مؤتمرات القمة الخليجية والعربية والإسلامية والدولية. - شارك في الكثير من الندوات الفكرية في المملكة وخارجها - له مراسلات وعلاقات صداقة مع معظم الشخصيات العالمية والعربية والسياسية والثقافية.
الراحل عند من عرفوه كتب الدكتور صالح التويجري عن عمه الراحل فقال "يرقد على السرير الأبيض منذ مدة الوالد الشيخ عبدالعزيز التويجري وهو كما هو معروف عنه رجل من رجالات الدولة المخلصين الذين نذروا حياتهم خدمة لتراب أرض الوطن الطاهر، وعلم من أعلام الفكر والثقافة والأدب، وبالنسبة لي فمنذ طفولتي وهو يمثل الأب - العم - والمثل والقدوة. الشيخ عبدالعزيز ليس رجلاً عادياً بمقاييس عدة منها إخلاصه المتناهي لدينه ومليكه ووطنه وفكره الثاقب وثقافته الثرية ومكارم أخلاقه النادرة وهو رجل عصامي منذ نشأته لم يدخل مدرسة ولم يتتلمذ على يد أستاذ علمته الحياة واستفاد من تجاربها الثرية بحس واع لما يدور من حوله وبذكاء فطري نادر، ذهبت إلى ما يتوفر في مكتبتي له من مؤلفات لعلي أسترجع بعض ما كتبه فيها عن نفسه وعن تجربته مع الحياة لأنقلها إلى من لا يعرف الكثير عن هذه الشخصية الفذة من خلال معرفة العوامل والمؤثرات التي ساهمت في تشكيل شخصية عبد العزيز التويجري - الإنسان - الإداري الناجح - والمفكر والأديب المتمكن. فقد والده وهو في سن مبكرة وعاش مع إخوانه وأبناء عمه ناصر في منزل أسرته بالمجمعة وكان بيت أهله بيت علم ويعقد به حلقة علم مساء كل يوم بين صلاتي المغرب والعشاء (استمرت لأكثر من مئة سنة) يؤمها العديد من أهل المجمعة ويذكر فيها اسم الله ويتشرب فيها الناس العلوم الشرعية والدينية كما كان بيت ضيافة لمن يفد إلى المجمعة خاصة من أبناء البادية، حيث كان والده رئيساً لبيت المال في المجمعة وعموم منطقة سدير وتولى هذه المسؤولية أخوه حمد من بعده ويذكر الشيخ عبد العزيز في أحد مؤلفاته (لسراة الليل هتف الصباح) "ما علق بذاكرتي أني من مواليد المجمعة منطقة سدير في قلب نجد، مات أبي وعمري ست سنوات، وفي أيامنا البسيطة تلك في كل شيء كان لمجتمع القرية فضائل لا يشعر معها اليتيم والصغير بإحساس مرارة اليتم.. كل القرية أهلنا أسرتي تتساوى وتتآخى مع جميع أسر القرية في حب ووئام استلمت عملاً رسمياً وعمري يقارب الثامنة عشرة، ومن ذلك اليوم إلى يومي هذا وعملي متواصل في خدمة الدولة، ثقافتي اكتسبتها من تجربتي في الحياة، وبما تيسرت لي قراءته من كتب.. جيبي خال من الشهادات، فالحياة معلم، والناس معلم، والتاريخ وأحداثه معلم، على العموم لم يكن لي معلم واحد، لم أدخل مدرسة سوى الكتاب". ويقول من كتاب آخر (منازل الأحلام الجميلة) "فأول ما تعلمته في مجتمعنا البدائي الصغير أن نبقى دائماً مع جذورنا وقريبين من هذه الجذور لا نجنح بعيداً عنها في وجداننا بحيث لا يصيبنا الغرور أو التعالي عليها فتخرج منا مكارم الأخلاق وجودة المعدن" ويتابع الدكتور صالح التويجري في حديثه عن عمه الراحل "استفاد العم الشيخ عبدالعزيز من معظم من قابلهم في حياته، فقد كان في مقتبل عمره يحتضن الأساتذة الوافدين من خارج المملكة ويحاورهم ويناقشهم وكانوا يجلبون له بعض الكتب التي لم تكن متوفرة في بلدته المجمعة في ذلك الوقت وكان يتراسل مع العديد من الأدباء والمفكرين في العالم العربي المؤلفين لهذه الكتب. التقى الشيخ عبدالعزيز صدفة بشيخ مسن كريم أثر في حياته وفتح له عالما آخر أوسع من عالم القرية - آنذاك - فغاص في أغوار أبي الطيب المتنبي وأبي العلاء المعري وغيرهما من الأدباء والمفكرين ظل لهم تلميذاً مشاكساً يتفق معهم ويختلف ويأخذ منهم ويترك وفق نظرته الخاصة، كما أنه من أشد المعجبين بالملك المؤسس عبدالعزيز طيب الله ثراه فلا يخلو مجلسه من سرده للعديد من القصص التي تروي سعة أفق الملك عبدالعزيز وبعد نظره وحسن إدارته وتدبيره. مر في مقتبل عمره بتجربة تجاوزت حدود قريته ومدرسته إلى أن يكون جندياً متطوعاً كغيره من أبناء شعب المملكة العربية السعودية الذين تمت دعوتهم من قبل الملك عبد العزيز إلى التطوع أيام الخلافات بينه وبين الإمام يحيى على حدود اليمن، وبدا له أن يتطوع مع بعض أفراد أسرته وكان هذا التطوع كما يذكر في أحد كتبه محسوباً على ولاء أسرته، وبعد أن عاد من رحلته التي كان له فيها تجربة مع الرفقاء ومع المشاق والمتاعب في صحراء الجزيرة العربية على ظهور المطايا ذهاباً وإياباً، صار يتطلع إلى عمل، فقرر أن يذهب إلى الملك عبدالعزيز في الرياض وكان ذلك في عام 1938 كتب رسالة إلى الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - وطلب فيها عطفه عليه وإيجاد وظيفة له حيث كانت الكتابة واللقاء بالملك ميسرة لكل صغير وكبير من أبناء الشعب عندها أمر الملك عبدالعزيز رحمه الله بنقل أخيه (حمد) رئيساً لبيت المال بالقصيم وتعيينه مكانه رئيساً لبيت المال بالمجمعة وسدير. كانت المحطة الأهم في حياة العم عبدالعزيز بعد أن عين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله (الأمير عبدالله آنذاك) رئيساً للحرس الوطني أعجب به كثيراً وأحبه بكل مشاعره وتفانى في خدمته، حيث وجد فيه ذلك الإنسان النقي المخلص لدينه ووطنه صاحبه لمدة خمس وأربعين سنة عمل خلالها وكيلاً للحرس الوطني ثم نائباً مساعداً - وقد أحله الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله محلاً تجاوز به حدود ما كان يحلم به أو يتخيله ولكنه دون أدنى شك جدير بهذه المكانة وهذه الثقة الغالية. لم يبدأ الشيخ عبدالعزيز بنشر مؤلفاته إلا بعد أن بلغ الستين من عمره، وفي اعتقادي الشخصي أن العم عبدالعزيز كان يفضل عدم الاستعجال حتى تتحدد معالم الفكر الذي تحمله مؤلفاته بعد أن بدأ المجتمع العربي بعض النضوج والتعقل وانحسرت الأمواج الهائجة للغوغائية السياسية والفكرية التي عمت العديد من المجتمعات العربية خاصة أن العمق الفلسفي في مؤلفاته قد طال معظم جوانب الحياة في المجتمع المحلي والعربي. الشيخ عبدالعزيز منظم في كافة شؤون حياته، في أكله ومشربه ونومه واستيقاظه وفي عمله، كما أنه دؤوب لا يعرف الكلل أو التقصير غداؤه غداء عمل وعشاؤه عشاء عمل وما بينهما عمل بالإضافة إلى دوامه اليومي بالحرس الوطني الذي يبدأ في الصباح الباكر، ورغم هذا البرنامج المزدحم فإنه يجد الوقت الكافي للقراءة والكتابة وممارسة رياضة المشي، والقيام بالواجبات الاجتماعية التي يحرص عليها مثل زيارة المرضى والمشاركة في الأفراح والأتراح، كما أنه قريب جداً من عامة الناس وخاصتهم يخصص النصف الأول من بعد صلاة العصر للنساء من أفراد الأسرة، أما الرجال فيقابلهم في النصف الثاني من بعد صلاة العصر ويسأل عن أحوال الكبير والصغير ويتلمس حوائجهم ويغمرهم بعطفه وكرمه - وأكثر ما كان يشد انتباهي إحساسه المرهف بآلام الناس ومعاناتهم وحرصه الشديد على قضاء حوائجهم". الراحل في كتاباته يقول عن نفسه وعن أدبه في ختام رسالته الأولى إلى ولده، فيما يشبه التعريف بهما: "هذه الرسائل خليط في ألوانها وفي أحجامها، هي كمئة من الإبل قد لا تجد فيها راحلة واحدة - كما عبر عن ذلك نبي الرحمة - ولكن ما كل بدوي ضاق بإبله تركها هائمة في الصحراء لأنه لا يوجد فيها راحلة واحدة قد لا تحمله وتحمل أطفاله وربة بيته؛ بل يظل نزيلاً في قلب الصحراء يدرب جماله لعله يكون له منها أكثر من راحلة. ولدي:لعلي - هنا - ذلك البدوي الذي ظل يدرب إبله أكثر من خمسين عاماً، لعله يكون له منها ما يحمل رحله الذي أثقل كاهله في طريقه التي يسير عليها إلى أن يقول له قدره أنخ مطيتك هنا فلا مسير لك فيه الخيار". ولد قائل هذا المقطع سنة 1336، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة في كتاب قريته، ثم غادره لينخرط في مدرسة الحياة المفتوحة منذ الأزل، حيث مضى يتحرك فيها بوعي حاضر، وحس حاد، وتلق عميق، من حقل إلى حقل، ومن مستوى إلى مستوى، ومن منهج إلى منهج، ومن مقعد إلى مقعد، ابتداءً بمقعد "اليتيم الباكي على صدر أمه" في أعماق القرية الرابطة على ضفاف الوادي، وانتهاءً بمقعد المسؤول الوجيه الساكن في أعماق المدينة الرابضة على كتف الجبل، على امتداد أكثر من ستين سنة، كان خلالها غارقاً في ذلك التلقي العميق عن الإنسان والحياة والكون والموت وما قبل ذلك وما بعده، وعن حركتها في سياقاتها الخاصة والعامة، ابتداءً بها من أعماق ذاته هو، وانتهاءً بها في أعماق الغيب، يقرأ ويرصد، يحلل ويفسر، يربط ويستنتج، في حركة تأملية نافذة، لا يزال فيها مسافراً - في هدوء تارة وفي جدل داخلي مكتوم أخرى، في لذة تارة وفي ألم أخرى - بين سطوح الأشياء هنا، وبين حقائقها الساكنة هناك في الأعماق البعيدة، لكنها كانت حركة صامتة لا صخب فيها ولا جعجعة ولا إثارة ولا استجلاب للأنظار، ولقد ظلت كذلك في بؤرة وعيها أكثر من خمسين سنة تجري في نشاط وفتوة في أعماق هذا الرجل دون أن يأذن لما يعلن عن وجودها أو يعكس صوتها بمغادرة تلك الأعماق، وكأنه آلى على نفسه ألا يبارحها شيء قبل أن يبلغ من الاستواء مداه، إن كان حاملاً أو محمولاً. أكثر من نصف قرن - إذن - من الكدح الواعي المضني في سبيل إنضاج الأداة والرؤية، نصف قرن وزيادة من التدريبات الشاقة جداً لحمله في فجاج الصحراء قبل أن ينضج ويستكمل المقومات القاسية التي حددها الشيخ فيه ليكون بها قادراً على حمل شيخوخته وأطفاله وربة بيته. في سن السادسة والستين أرخى البدوي خطام بازله، وقال له: الآن.. إن هذه في حد ذاتها فلسفة بالغة العمق، لا أعتقد أن الكثير قد اهتدى لها، بالغة المشقة لا أعتقد أن الكثير قد استطاع ترويض نفسه لاحتمالها. نتاج إبداعي غزير متدفق بدأ عند هذا الأديب بعد سن الخامسة والستين، سكبه - إلا ما ندر - في قالب "الرسالة الأدبية" التي أؤكد هنا أنه قد أعطاها شخصية ناضجة جديدة، بالغة الجمال والفتوة والتألق. لم يكن هذا الانفجار الإبداعي الذي ظهر عند هذا الشيخ فجأة بعد سن الخامسة والستين مصدر الإدهاش الوحيد للمتلقي، لكن ذلك المتلقي - أيا كان - ما إن يبدأ في تلقي أولى عبارات هذا الأديب في أي من مؤلفاته، بل في أي نص يصدر عنه حتى يفاجأ بنمط خاص من الأداء الإبداعي الراقي الذي لا عهد له بمثله في الخطاب الأدبي العربي، سواء على مستوى الخامة أو الرؤية أو أسلوب المعالجة. فعلى مستوى الخامة تأتي الصحراء الساكنة في أعماق هذا الشيخ بفضاءاتها وبعناصرها الحية وغير الحية لتشكل المنجم المحوري الذي قدمته لبنات هذا الخطاب، يرفدها - إلى حد بعيد - النص الإسلامي. وعلى مستوى الرؤية يتكئ خطاب الشيخ على رؤية نافذة، تبدأ بأعماق الشيخ ذاته، ويتسع مداها حتى يلامس في حياء أبواب الحقيقة الكبرى، مروراً بالإنسان والكون والموت، والغيب، وتتوغل في أعماق الأشياء إلى المناطق التي ما عرفت الضوء أبداً، وترقى فيها إلى المرتفعات الوعرة التي تحف الأخطار بالعيون التي ترمقها من بعيد، من خلال حركة فكرية وخيالية، وفلسفية تستند إلى صميم المرجعية الروحية والأخلاقية والإنسانية التي تميز هذه الأمة، وتحدد معالم شخصيتها، وتملأ حقول هويتها الأصيلة في أرقى أمثلتها وأكثرها إشراقاً. أما على مستوى أسلوب المعالجة فإن خطاب الشيخ يتكئ على شبكة مدهشة من التقنيات التي ذهب بها ذلك الخطاب إلى أقصى درجات التنوع والحيوية، وتوغل بها إلى أقصى درجات العمق في العرض والمعالجة، وارتقى بها في مساحات واسعة منه إلى درجة غدا فيها متحرراً من الدلالة الموضوعية القاطعة، فكثيرة جداً المواضع التي يقف فيها المتلقي المدقق المتمرس على أسلوب هذا الشيخ ليقول لمقطع ما من خطابه: أين مكانك؟ فيأتيه جواب ذلك المقطع قائلاً: أين تريده؟ إن هذا يتيح لكل متلق أن يقرأ خطاب هذا الشيخ قراءة مختلفة تماماً، وأن يذهب معه إلى مناطق قد لا تخطر على بال متلق آخر أنه - بالاتكاء على تلك التقنيات بالغة التنوع - يذهب مع كل متلق إلى حيث يشاء. إن من يتأمل في هذا الخطاب - بعمق ومرونة - يدرك تماماً أنه أمام نسيج فريد، التحم فيه الأدب في أعلى درجات تحليقاته بالفكر في أعلى درجات انضباطه بنوع جديد من الفلسفة يستمد من الأدب القدرة على التحليق إلى البعيد، والتحرر من القيود اللغوية والموضوعية التي تحد من قدرة اللغة على اقتناص ومضات الخواطر وسوانح الأفكار، كما يستمد من الفكر القدرة على التحليل والتعليل والتفسير والربط، ومن مقومات أصالة هذه الصحراء الروحية والأخلاقية والإنسانية في أعلى درجاتها فتوة المرجعية التي يحاكم إليها قضاياه، فيما يمكن أن أسميه "فلسفة الصحراء". قراءة في كتاب في الجزء الثاني من كتاب التويجري "لسراة الليل هتف الصباح" وهذا الكتاب هو تتمة لسيرة حياة مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز التي بدأ كتابتها عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري في كتابه الأول "لسراة الليل هتف الصباح" والذي صدر منذ أيام عن دار الساقي ببيروت وهو بعنوان "عند الصباح حمد القوم السرى" وفيه توثيق مهم لرسائل بين الملك عبدالعزيز والشريف حسين وغيره تؤرخ لمرحلة حساسة وخطيرة من حياة المملكة العربية السعودية والعالم العربي. وكما كان في الجزء الأول من كتاب "لسراة الليل هتف الصباح" من قيام الكاتب العربي محمد حسنين هيكل بكتابة مقدمته التي وصف فيها المؤلف التويجري بأنه "عاشق للملك عبدالعزيز". وفي هذا الجزء يقوم الكاتب فهمي هويدي بكتابة مقدمة سريعة يقول فيها: نحن في هذا الكتاب لا نقرأ تاريخا متسلسل الأحداث، وإنما نشاهد صورا حية لذلك التاريخ. لذلك، فقد بدا الكتاب بالنسبة لي بمثابة سجل للصور - ألبوم - التي رسمت بالكلمات وبذلك الكم الوفير من الحوادث. وقد اغتنت تلك الصور بتعليقات الشيخ عبدالعزيز التويجري، الذي سجل فيها شهاداته وانطباعاته، مؤديا في ذلك دور "الدليل" الذي أبى إلاّ أن يوصل شحنة الإدراك والانفعال كاملة إلى الذين يصطحبهم في رحلته هذه. ولئن أراد المؤلف أن يوصل إلينا الصور كاملة، فإنه من دون أن يرى - وربما من دون أن يريد - رسم لنفسه صورة بدت شاخصة في ثنايا إضافاته وتعليقاته التي توزعت على الكتاب ومن أوله إلى آخره".
--------------------------------------------------------------------------------
مؤلفاته
• "في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء"، القاهرة - المكتب المصري الحديث- الطبعة الأولى عام 1979.
• "حتى لا يصيبنا الدوار" (رسائل إلى ولدي) لندن - الدار العالمية 1983.
• "منازل الأحلام الجميلة" (رسائل إلى ولدي) لندن - الدار العالمية 1983.
• "حاطب ليل ضجر" جزءان " القاهرة - دار الشروق 1987.
• "أبا العلاء ضجر الركب من عناء الطريق". الرياض - مطبعة الفرزدق 1990.
• "خاطرات أرقني سراها". الرياض - مطبعة الفرزدق1991.
• "لسراة الليل هتف الصباح _الملك عبدالعزيز دراسة وثائقية" بيروت - دار الريس. 1997. 6 طبعات.
• "ذكريات وأحاسيس نامت على عضد الزمن" - بيروت - دارالساقي 2000.
• "رسائل خفت عليها الضياع" - بيروت - دار الساقي 2001.
• "عند الصباح حمد القوم السرى _ الملك عبدالعزيز دراسة وثائقية".الناشر بيروت - دار الساقي 2004.
• "أجهدتني التساؤلات معك أيها التاريخ" - بيروت - دار الساقي.
• "ركب أدلج في ليل طال صباحه" - بيروت - دار الساقي 2006.
• "الإنسان رسالة وقارئ" - بيروت - دار الساقي 2006.
• "رسائل وما حكته في بيتي" - بيروت - دار الساقي 2006.
مــنــيــر الــودعــانــي