النساء الصَّالحات...والحج
بقلم فضيلة شيخنا علي الصياح
هذه وقفات يسيرات مع النساء الصالحات وأحوالهنّ في الحج ..وقوام هذه الوقفات الكتاب والسنة..وفهم سلف الأمة...فمن الوقفات:
- الصالحة.. أفضل جهادها الحج المبرور:
لحديث عائشة قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ:« لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» أخرجاه في الصحيحين
-
الصالحة.. تبادر للحج عند استطاعتها:
لقوله تعالىوَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، وقوله وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، والحج يجب على الفور لا على التراخي، للنصوص السابقة، ولأنَّ الشرع واللغة والعقل كلها يدل على أنَّ أوامر الله تجب على الفور( ).
- الصالحة.. لا تسافر للحج إلاَّ مع ذي محرم:
لحَدِيث أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ يَقُولُ: ((لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ)) فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ: ((اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ))( ).
- الصالحة.. لا تخلو بالرجل الأجنبي في الحج وغيره:
لحَدِيث أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وتقدم ذكره.
ولحَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((أَلا لا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ إِلا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ))( ).
وحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ: ((أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي... أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ))( ).
قَالَ النَّوَوِيّ: ((وفى هذا الحَدِيث والأحاديث بعده تحريم الخلوة بالأجنبية وإباحة الخلوة بمحارمها وهذان الأمران مجمع عليهما))( )، وحكى الإجماعَ أيضاً ابنُ حَجَر وغيره( ).
- الصالحة.. تشترط في الحج والعمرة إذا خافت الضرر على نفسها:
لحديث عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا: لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ لا أَجِدُنِي إِلا وَجِعَةً فَقَالَ لَهَا: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي( ).
- الصالحة.. لا تخالط الرجال في الحج قدر المستطاع:
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ( ) النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الرِّجَالِ( )؟! قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ( )، قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَطُوفُ حَجْرَةً( ) مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْكِ! وَأَبَتْ، يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ( ) وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ( ).
قلتُ: ومعنى هذا الخبر أنَّ ابن هشام أراد أن يجعل للرجال وقتاً يطوفون فيه، وللنساء وقتاً آخر يطفن منفردات، فبين عطاء بن أبي رباح أنَّ نساء النبي وهنَّ أطهر النساء كنَّ يطفن مع الرجال ولكن منفردات من غير اختلاط.
وهذا الأمر في هذا الزمان أصبح صعباً بسبب أحوال الناس –وإنْ كان ممكناً- فعلى المرأة أن تتقى الله ما استطاعت.
وفي الحديث عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي قَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بْ الطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ( ).
قال النَّوَوِيّ:«إِنَّمَا أَمَرَهَا صلى الله عليه وسلم بِالطَّوَافِ مِنْ وَرَاء النَّاس لِشَيْئَيْنِ: أَحَدهمَا أَنَّ سُنَّة النِّسَاء التَّبَاعُد عَنْ الرِّجَال فِي الطَّوَاف. وَالثَّانِي: أَنَّ قُرْبهَا يُخَاف مِنْهُ تَأَذِّي النَّاس بِدَابَّتِهَا، وَكَذَا إِذَا طَافَ الرَّجُل رَاكِبًا، وَإِنَّمَا طَافَتْ فِي حَال صَلَاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِيَكُونَ أَسْتَر لَهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاة صَلَاة الصُّبْح »( ).
- الصالحة.. تسأل عن دينها في الحج:
ففي الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثعمَ .. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وفي الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَال:َ مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ.
- الصالحة.. لا تنتقب ولا تلبس القفازين:
لحديث ابن عمر وفيه :« ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين»( ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :« البرقع أقوى من النقاب »( )، وقال ابن القيم :« فإن البرقع واللثام وإن لم يسميا نقابا فلا فرق بينهما وبينه، بل إذا نهيت عن النقاب فالبرقع واللثام أولى!، ولذلك منعتها أم المؤمنين من اللثام »( )، وقال ابن حزم :«وأما اللثام فإنه نقاب بلا شك فلا يحل لها »( ).
ولكن إذا كان هناك رجال أجانب فإنَّ المحرمة تغطي وجهها بغير النقاب والبرقع وما في معناهما مما هو مفصل للوجه كما في النقطة التالية:
الصالحة.. تستر وجهها في الحج وغيره عن الرجال الأجانب:
لعموم النصوص الواردة في وجوب الحجاب عن الرجال الأجانب، وللنصوص الخاصة الواردة في تغطية المحرمة وجهها عن الرجال الأجانب، من ذلك( ) :
ما رواه الإمام مالك في الموطأ( ) عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق.
قال ابن القيم :«ونساؤه صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بهذه المسألة وقد كن يسدلن على وجوههن إذا حاذاهن الركبان فإذا جاوزوهن كشفن وجوههن، وروى وكيع عن شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية قالت: سألت عائشة ما تلبس المحرمة؟ فقالت: لا تنتقب ولا تتلثم وتسدل الثوب على وجهها، فجاوزت طائفة ذلك ومنعتها من تغطية وجهها جملة قالوا: وإذا سدلت على وجهها فلا تدع الثوب يمس وجهها فإن مسه افتدت!، ولا دليل على هذا ألبتة، وقياس قول هؤلاء إنها إذا غطت يدها افتدت فإن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهما في النهي وجعلهما كبدن المحرم فنهى عن لبس القميص والنقاب والقفازين هذا للبدن، وهذا للوجه وهذا لليدين، ولا يحرم ستر البدن فكيف يحرم ستر الوجه في حق المرأة مع أمر الله لها أن تدني عليها من جلبابها لئلا تعرف ويفتتن بصورتها!!»( ).
ومما ينبغي التفطن له أنه لا يجب على المرأة إذا سدلت الجلباب على وجهها أنه ترفعه كما تفعل بعض النساء، بل هذا فيه مشقة شديدة، لا تأتي به الشريعة، فلا حرج أن يمس الحجاب بشرتها وتقدم التنبيه على هذا في كلام ابن القيم السابق( ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :«لو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق، و إن كان يمسه فالصحيح أنه يجوز أيضا، و لا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الوجه، لا بعود و لا بيد و لا غير ذلك، فإن النبي صلى الله عليه و سلم سوى بين وجهها و يديها و كلاهما كبدن الرجل لا كرأسه. وأزواجه صلى الله عليه و سلم كن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة. و لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إحرام المرأة في وجهها و إنما هذا قول بعض السلف، لكن النبي صلى الله عليه و سلم نهاها أن تنتقب أو تلبس القفازين، كما نهى المحرم أن يلبس القميص و الخف مع أنه يجوز له أن يستر يديه و رجليه باتفاق الأئمة، والبرقع أقوى من النقاب فلهذا ينهى عنه باتفاقهم و لهذا كانت المحرمة لا تلبس ما يصنع لستر الوجه كالبرقع و نحوه فإنه كالنقاب»( ).
الصالحة.. تنفق وتبذل وتعطي في الحج:
لحديث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنَّها قَالَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ فَقِيلَ لَهَا: انْتَظِرِي فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ( )،وفي لفظٍ:« إِنَّمَا أَجْرك فِي عُمْرَتك عَلَى قَدْر نَفَقَتك»( ).
قال النَّوَوِيّ:«هَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ الثَّوَاب وَالْفَضْل فِي الْعِبَادَة يَكْثُر بِكَثْرَةِ النَّصَب وَالنَّفَقَة، وَالْمُرَاد النَّصَب الَّذِي لَا يَذُمّهُ الشَّرْع وَكَذَا النَّفَقَة»( ).
الصالحة.. تأخذ بالرخصة في الحج:
من تأمل الحج وما فيه من مشقة وجهد خاصة للنساء ولذا كان في حقهن جهاد، رأى أنّ الشريعة خففت عن المرأة في مواضع عدة من أحكام الحج خشية الضرر والزحام ، ومن النصوص الواردة في ذلك:
- حديث سالم بن عبد الله بن عمر وفيه: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام، وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رمووا الجمرة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: أرخص في أولئك رسول الله ( ).
وفي حديث عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلي فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: لا، فصلت ساعة ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم قالت: فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا! قالت: يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن( ).
الصالحة.. لا تستلم الحجر الأسود خشية مزاحمة الرجال:
لحديث عائشة المتقدم-وهو في صحيح البخاريّ- وفيه:«فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْكِ! وَأَبَتْ ».
وعن عطاء بن أبي رباح قال: طافتْ امرأةٌ مع عائشة < سماها فلما جاءتْ الركن قالت المرأةُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ألا تستلمين!، قالت عائشة: وما للنساء وما استلام الركن امض عنك( ).
قال ابنُ عبد البر:«الاستلام للرجال دون النساء عن عائشة وعطاء وغيرهما وعليه جماعةُ الفقهاء، فإذا وجدت المرأة الحجر خالياً واليماني استلمت إن شاءت، وكانت عائشة<تقول للنساء: إذا وجدتن فرجة فاستلمن وإلا فكبرن وامضين( ) »( ).
قال ابنُ قدامة:«ولا يستحب لها مزاحمة الرجال لاستلام الحجر لكن تشير بيدها إليه كالذي لا يمكنه الوصول إليه »( ).
قلتُ: وقد غفلت كثيرٌ من الصالحات عن هذا الهدي فزاحمن الرجالَ طلباً للأجر وفي الأثر عن عائشة-رضي الله عنها- أنَّ مولاةً لها قالت: يا أم المؤمنين طفتُ بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا فقالت لها عائشة-رضي الله عنها-:لا أجرك الله لا أجرك الله تدافعين الرجال ألا كبرت ومررت( ).
الصالحة.. تتعلم أحكام الحج وتعلم غيرها:
وفي الحديث عن أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ( ).
فتأمل كيف قطعت هذه الصحابية الجليلة الخلاف في هذه المسألة بأسلوب لطيف حكيم!، فتعلمت وعلمت غيرها.
الصالحة.. تحج بأولادها ما لم تخش الضرر:
لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ المتقدم وفيه أنَّ النَّبِيّ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَال:َ مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ.
قال أبو محمد ابن حزم:«ونستحب الحج بالصبي وإن كان صغيرا جدا أو كبيرا وله حج، وهو تطوع، وللذي يحج به أجر، ويجتنب ما يجتنب المحرم، ولا شيء عليه إن واقع من ذلك ما لا يحل له، ويطاف به، ويرمي عنه الجمار إن لم يطق ذلك، ويجزى ء الطائف به طوافه ذلك عن نفسه، وكذلك ينبغي أن يدربوا ويعلموا الشرائع من الصلاة والصوم إذا أطاقوا ذلك، ويجنبوا الحرام كله والله تعالى يتفضل بأن يأجرهم ولا يكتب عليهم إثما حتى يبلغوا»( ).
تنبيهات:
1- المرأة كالرجل في سائر الأحكام، إلا ما ورد الدليل على استثنائه.
2- يعجب المرأ من حال بعض النسوة في هذه العبادة العظيمة حيث يظهرن الزينة والتجمل أمام الرجال خاصة يوم العيد، ويلبسن الضيق من الثياب والبنطال الذي يصف العورة بدون حياء ولا خجل ولا خوف، فلتحذر المسلمة من هذا العمل القبيح ولتنصح غيرها!.
3- بعض النسوة لا تتورع عن الغيبة والنميمة والقيل والقال في الحج، خاصة مع فراغهن في المخيمات وعدم وجود ما يشغل، وهذا خطأ كبير ينبغي أن تتفطن له المسلمة، وأن تنشغل بقراءة القرآن والأدعية والأذكار، وقراءة كتب العلم النافعة، والاستماع للمحاضرات الطيبة.
وفق الله الحجاج وسهل أمورهم وردهم سالمين غانمين...كما ولدتهم أمهاتهم....ما أعظم هذا الفضل!!!!
--------------------------------------------------------------------------------
حواشي المقال:
( )أضواء البيان (4/342 ).
( )أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة وكان له عذر هل يؤذن له (3/1094رقم2844)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج (2/978رقم1341) وغيرهما.
( )أخرجه: مسلم في صحيحه، كتاب السلام (4/1710رقم2171) وغيرهُ.
قال القرطبيُّ في المفهم (5/500) ( هذا الحديثُ لا دليلَ خطاب له بوجهٍ، لأنَّ الخلوةَ بالأجنبية-بكراً كانت أو ثيباً، ليلاً أو نهاراً- محرمةٌ بدليل قوله ... )). ثم ذكر عدداً من الأحاديث التي المذكورة في المتن.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم (14/153) (إنما خصَّ الثيبَ لكونها التي يدخل إليها غالباً، وأمَّا البكر فمصونةٌ متصونةٌ فى العادة، مجانبةٌ للرجالِ أشدّ مجانبة، فلم يحتج إلى ذكرها، ولأنه من باب التنبية لأنه إذا نهى عن الثيب التي يتساهل الناس في الدخول عليها في العادة فالبكر أولى )).
( )أخرجه: الترمذيُّ في جامعه، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة (4/465رقم2165)، وأحمدُ في مسندهِ (1/18)، والنسائيُّ في السنن الكبرى، كتاب عشرة النساء (5/388رقم9225)، و ابنُ حبان في صحيحه (12/399رقم5586)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب العلم (1/160) وغيرهم، وَقَالَ الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وقال الذهبيُّ ( هذا حديثٌ صحيحٌ )). سير أعلام النبلاء (7/103).
وانظر:الضعفاء للعقيلي (3/302)، العلل للدراقطني (2/122) الأحاديث المختارة(1/193)، نصب الراية (4/249)، الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/229).
( )شرح النَّوَوِيّ على صحيح مسلم (14/153).
( ) فتح الباري (4/77).
( )أخرجه: البخاري (رقم4801)، ومسلم (رقم1207).
( )قال ابن حجر :«قَوْله : ( إِذْ مَنَعَ اِبْن هِشَام ) هُوَ إِبْرَاهِيم - أَوْ أَخُوهُ مُحَمَّد - اِبْن إِسْمَاعِيل بْن هِشَام بْن الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مَخْزُوم الْمَخْزُومِيّ، وَكَانَ خَالِي هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك فَوَلَّى مُحَمَّدًا إِمْرَة مَكَّة، وَوَلَّى أَخَاهُ إِبْرَاهِيم بْن هِشَام إِمْرَة الْمَدِينَة، وَفَوَّضَ هِشَام لِإِبْرَاهِيم إِمْرَة الْحَجّ بِالنَّاسِ فِي خِلَافَته فَلِهَذَا قُلْت : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد، ثُمَّ عَذَّبَهُمَا يُوسُف بْن عُمَر الثَّقَفِيّ حَتَّى مَاتَا فِي مِحْنَته فِي أَوَّل وِلَايَة الْوَلِيد بْن يَزِيد بْن عَبْد الْمَلِك بِأَمْرِهِ سَنَة خَمْس وَعِشْرِينَ وَمِائَة قَالَهُ خَلِيفَة بْن خَيَّاط فِي تَارِيخه، وَظَاهِر هَذَا أَنَّ اِبْن هِشَام أَوَّل مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ لَكِنْ رَوَى الْفَاكِهِيّ مِنْ طَرِيق زَائِدَة عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ قَالَ : نَهَى عُمَر أَنْ يَطُوف الرِّجَال مَعَ النِّسَاء، قَالَ فَرَأَى رَجُلًا مَعَهُنَّ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، وَهَذَا إِنْ صَحَّ لَمْ يُعَارِض الْأَوَّل لِأَنَّ اِبْن هِشَام مَنَعَهُنَّ أَنْ يَطُفْنَ حِينَ يَطُوف الرِّجَال مُطْلَقًا فَلِهَذَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ عَطَاء وَاحْتَجَّ بِصَنِيعِ عَائِشَة وَصَنِيعهَا شَبِيه بِهَذَا الْمَنْقُول عَنْ عُمَر قَالَ الْفَاكِهِيّ : وَيَذْكُر عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ أَنَّ أَوَّل مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الطَّوَاف خَالِد بْن عَبْد اللَّه الْقَسْرِيّ اِنْتَهَى، وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ فَلَعَلَّهُ مَنَعَ ذَلِكَ وَقْتًا ثُمَّ تَرَكَهُ فَإِنَّهُ كَانَ أَمِير مَكَّة فِي زَمَن عَبْدالْمَلِك بْن مَرْوَان وَذَلِكَ قَبْلَ اِبْن هِشَام بِمُدَّةٍ طَوِيلَة ».
( )أَيْ غَيْر مُخْتَلِطَات بِهِنَّ.
( )ذَكَرَ عَطَاء هَذَا لِرَفْعِ تَوَهُّم مَنْ يَتَوَهَّم أَنَّهُ حَمَلَ ذَلِكَ عَنْ غَيْره، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ مِنْهُنَّ، وَالْمُرَاد بِالْحِجَابِ نُزُول آيَة الْحِجَاب وَهِيَ قَوْله تَعَالَى وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب وَكَانَ ذَلِكَ فِي تَزْوِيج النَّبِيّ @بِزَيْنَب بِنْت جَحْش..وَلَمْ يُدْرِك ذَلِكَ عَطَاء قَطْعًا.
( )حَجْرَة - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْجِيم بَعْدهَا رَاءٍ- أَيْ نَاحِيَة قَالَ الْقَزَّاز : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : نَزَلَ فُلَان حَجْرَة مِنْ النَّاس أَيْ مُعْتَزِلًا.
( )وَالْمَعْنَى إِذَا أَرَدْنَ دُخُول الْبَيْت وَقَفْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ حَال كَوْن الرِّجَال مُخْرَجِينَ مِنْهُ.
( )أخرجه: البخاري (رقم1539).
( )أخرجه: البخاري (رقم1540)، ومسلم (رقم1276).
( )شرح صحيح مسلم (9/20)
( )أخرجه: البخاري (رقم1741)، وقد اختلف في رفع هذه الجملة ووقفها، والذي أميل إليه ثبوت الرفع، وقد أشار البخاريُّ في صحيحه إلى هذا الاختلاف، قال ابن القيم:«فالبخاري رحمه الله ذكر تعليله،ولم يرها علة مؤثرة فأخرجه في صحيحه عن عبد الله بن يزيد حدثنا الليث حدثنا نافع عن ابن عمر فذكره » حاشية ابن القيم (5/200).
والله أعلم.
( )مجموع الفتاوي (26/113).
( ) إعلام الموقعين (1/223).
( )المحلى (7/91).
( )تنبيه: حديث عائشة :«كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه »، أخرجه: أحمد(6/30) وأبو داود(رقم:1833) وغيرهما حديث ضعيف فيه يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، وقد اضطرب في هذا الحديث، ولكن يغني عن هذا الحديث النصوص الأخرى الواردة المذكورة في المتن.
( ) (رقم:718).
( )إعلام الموقعين (1/222).
( ) فائدةٌ: قال ابن القيم:«فإن قيل: فما تصنعون بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها"، فجعل وجه المرأة كرأس الرجل، وهذا يدل على وجوب كشفه؟! قيل: هذا الحديث لا أصل له، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب المعتمد عليها، ولا يعرف له إسناد، ولا تقوم به حجة، ولا يترك له الحديث الصحيح الدال على أن وجهها كبدنها، وأنه يحرم عليها فيه ما أعد للعضو كالنقاب والبرقع ونحوه لا مطلق الستر كاليدين ». حاشية ابن القيم (5/198)
( )مجموع الفتاوي (26/112-113).
( )أخرجه: البخاري (رقم1695)
( )أخرجها: الدارقطني في سننه (2/286)، والحاكم في المستدرك (1/644) وصححه.
( )شرح صحيح مسلم (8/152).
( )أخرجه: البخاري (رقم1592)، ومسلم (رقم1295).
( )أخرجه: البخاري (رقم1595)، ومسلم (رقم1291).
( )أخبار مكة للفاكهي (1/122).
( ) أخرجه الشافعيُّ في الأم (2/172)، ومن طريقه البيهقيّ في السنن الكبرى (5/81).
( )الاستذكار (4/199)، وانظر: التمهيد (22/263).
( )المغني (3/183).
( ) أخرجه الشافعيُّ في الأم (2/172)، ومن طريقه البيهقيّ في السنن الكبرى (5/81).
( ) تقدم تخريجه.
( )المحلى (7/276