بسم الله الرحمن الرحيم ...
قال الله تعالى في سورة (( ص )) :
{{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ{71} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي
فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ{72} فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ{73} إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ
الْكَافِرِينَ{74} قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ
الْعَالِينَ{75} قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ{76} قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ
رَجِيمٌ{77} وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ{78} قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{79}
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ{80} إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ{81} قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{
82} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{83} قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ{84} لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ
وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ {85} }}
ذكر الله جل وعلا في هذه الآيات قصة آدم عليه السلام وما كان من إبليس عليه لعائن
الله تترى إلى يوم القيامة .
الله عز و جل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون , وهو تبارك وتعالى غني بحمده عزيز
حكيم لا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض . وقد اقتضت حكمته جل وعلا أن
يخلق آدم عليه السلام بيده وأن يأمر ملائكته بالسجود له سجود تكريم لا سجود عبادة .
والله خلق آدم على ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى :
يمكن الإصطلاح عليها بالمرحلة الترابية و دليلها قوله تعالى في سورة الروم : {{ وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ }} من قبضة قبضها ربنا جل وعلا من
جميع الأرض فكانت مخلطة فلذلك كان في الناس الحزن والسهل والأسود والأبيض وما
تراه من اختلاف الناس .
المرحلة الثانية :
مزج هذا التراب بالماء حتى أصبح طيناً وهذا قول ربنا في سورة الصافات : {{ إِنَّا خَلَقْنَاهُم
مِّن طِينٍ لَّازِبٍ }} .
المرحلة الثالثة :
هذا الطين ترك مدة حتى جف و أصبح كالصلصال بحيث لو قرعته لأحدث صوتاً وهذا قول
ربنا في سورة الرحمن : {{ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ }} , ثم إن الله عز و جل
نفخ في هذا الجسد الذي خلقه وهو جسد آدم عليه السلام نفخ فيه تبارك وتعالى من
روحه ثم أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام سجود تكريم كما بينا .
قال الله تعالى : {{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ{71} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ{72} فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ }} الملائكة
سجدوا وكان من الحاضرين عند الأمر إبليس فامتنع عن السجود قال الله عز و جل : {{
إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ }} فخاطبه ربه : {{ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ
لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ{75} قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }} زعم إبليس أن مادة النار خير من مادة الطين وهذا قياس خاطىْء ,
لأن من النار السفه والطيش ولأن من الطين السكينة والركادة كما هو معلوم .
وهذه الآية لكون الاستثناء جاء بعد ذكر الملائكة ذهب فريق من أهل العلم إلى أن إبليس
هو من الملائكة , وهذا قول مرجوح , و الراجح : أن إبليس من الجن لأربعة أمور أو أربعة
أدلة :
الدليل الأول :
أن الله عز و جل وصف الملائكة كما في سورة التحريم :{{ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }} و إبليس هذا عصى الله عز و جل و لم يأتمر بأمره .
الدليل الثاني :
أن الله جل و علا أخبر أنه خلق آدم عليه السلام من طين و إبليس إعترف بنفسه فقال :
{{ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ }} و الملائكة كماهو معلوم خلقت من نور كما في رواية
مسلم : " خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار السموم وخلق آدم عليه السلام
مما قد وصف لكم " فدل ذلك أنه من الجن .
الدليل الثالث :
جاء مصرحاً به في سورة الكهف في قوله تعالى : {{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ . . الخ الآية }} .
الدليل الرابع :
أن الله عز و جل لم يجعل للملائكة ذرية , والملائكة أيضاً ليس فيهم ذكور ولا إناث بخلاف
إبليس عليه لعنة الله فهو من الجن , والجن منهم ذكور و إناث , فله ذرية و يتناسلون كما
هو معلوم و الدليل قول الله تعالى في سورة الكهف : {{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي
وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً }} .
وتقبلوا تحياتي
م ن ق و ل