|
|
|
|
أولا من هو السفيه؟
السفيه هو من لا سفيه له، بمعنى لا سفيه مثله يرده عن سفهه، فالسفه في السفيه أصل، بينما في المتصدي للسفيه حالة طارئة يلجأ إليها إذا استلزم الأمر
ومن الخطأ الشائع عند أصحاب المروءات أنهم لا يحسنون التقدير، فتراهم يلتزمون مع السفيه أدب الخلاف وطيب الألفاظ ، وهذا فيه من الخطأ الشيء الكبير، لأنه لا يحمل السفيه إلا على التمادي في سفهه، وهم يفعلون ذلك بحجة الحفاظ على المروءة و عدم النزول إلى مستوى الخصم، فتراهم سرعان ما يتحولون إلى أضحوكة المجلس، فتراق تلك المروءة و يجرح الكبرياء و يُؤذى الشرف أمام سفيه من السفهاء لايزن في ميزان الرجال جناح بعوضة
إذن السؤال الذي يطرح نفسه كيف نتعامل مع السفيه؟ يقول أحد الحكماء لا يخرجن أحد من داره إلا و قد أخذ في حجره قيراطين من جهل، حتى يرد السفيه عن سفهه والجاهل عن جهله، معنى الكلام أن السفيه يفهم لغة واحدة فقط ، هي لغة السفه، يقول عمرو بن كلثوم: ألا لا يجهلن أحد علينا....فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ولقد ضرب القرآن الكريم أروع الأمثلة في مخاطبة السفهاء، نرى أهل الكتاب عابوا على السلمين تحويل قبلتهم من بيت المقدس إلى البيت الحرام، فجاء الرد من السماء سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ابتدأ الله مخطابتهم بالسفهاء هذا قبل أي شيئ، ثم نرى أنه سبحانه لم يشرع لهم في تبيين أسباب هذا التحويل، بل اكتفى بقوله قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أي لم يزد على أنه بين واسع ملكه و عظيم ملكوته و أن الهداية بيده وحده يعطيها لمن يشاء، وهذا هو القدر الذي يجب أن يخاطب به السفيه، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: من منح الجهال علما أضاعه.... وهؤلاء هم اليهود يصفون الله في البخل، فيرد الله عليهم افتراءهم "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ" رد قاسي ولعن صريح .... المشركون يرودون أن يناقشوا في قضية تحريم الربا " قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا" فرد الله عليهم بقوله " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" هذا اعتراض منهم على الشرع مع علمهم بتفريق الله بين الربا والبيع و ما كان الله ليحرم الربا لو أنه مثل البيع على حد زعمهم، ولذلك اكتفى الله بأن قال لهم أنني أحللت البيع و حرمت الربا، ولو شاء الله لبين الحكمة من هذا التحريم و ليس ذلك عليه بعزيز فهو العليم الحكيم صاحب الحجة التي لا تدحض و الحقيقة التي لا ترد ....قال نصراني لأحد الصحابة بعد هزيمة أحد: أنبي و يهزم؟ فرد عليه الصحابي: أنبي و يصلب؟ يعني سيدنا عيسى عليه السلام، مع أن هذا الصحابي أعلم الناس بعيسى و أدرى بحقيقة رفعه إلى السماء و أنه لم يصلب و لم يقتل بل شبه لهم، و لكن جاء رده من باب الإسكات و الإلقام، حيث أنه عرف أن هذا النصراني جاء متشمتا ولم يأت طالبا للحق.... سأل رجل أحد العلماء في مسألة الاستواء على العرش قائلا: الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فرد عليه العالم: الاستواء معلوم و الكيف مجهول و من عاد فسأل قطعنا رأسه، هذا العالم عرف أن الرجل الذي أمامه من عامة الناس، فحتى يقطع عليه الشكوك و الظنون و مداخل الشيطان زجره بأن قال له و من عاد فسأل قطعنا رأسه، ولو أنه رآه من الخاصة أو من طلا ب العلم لخاض معه في قضية الأسماء والصفات و التي تعد من القضايا الحساسة في باب التوحيد، و لكن اللتزم معه الحكمة ، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم" كما أنه يقول عليه الصلاة والسلام في حديث آخر حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: "المؤمن كيس فطن" فكان واجبا على المؤمن قبل أن يدخل في أي نقاش أن يحدد الأبعاد الفكرية للشخص الذي أمامه، و يمتحن عقله و منطقه فإن رآه ممن يستحق حواره بذل معه كل الأسباب التي تؤدي إلى إقناعه و إعادته إلى حظيرة الحق، أما إن كان من الجهال أو السفهاء فالحمق كل الحمق بعرض العلم عليه، لأن العلم أغلى ما يملك الإنسان و آخر ما يجب أن يُهان، أنا يهون علي أن أنزل بمستواى شخصي و أسلوبي و لكن ليس بعلمي لأنه جُنتي و ردائي وسبب خلاصي في داري معاشي و معادي، يقول الإمام الشافعي
أأنثر درا بين سارحة البهم....أو أنظم منثورا لراعية الغنم؟
لعمري لئن ضُيعت في شر بلدة....فلست مُضيعا فيها غرر الكلم
حتى النحويون كانوا يتجنبون النحو عند العامة، يقول أحد كبار مشائخهم لأصحابه: إياكم والنحو بين العامة فإنه كاللحن بين الخاصة
|
|
|
|
|