قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى:
( كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ) المائدة (79)
أي كـانـوا يـفـعـلـون الـمـنـكـر ولا يـنـهـي بـعـضـهم بعضا، فيشترك بذلك الـمـباشـر وغيـره لذي سـكـت عـن الـنهـي عـن المنكـر مع قدرته على ذلـك . وذلـك يـدل عـلى تـهاونـهـم بأمـر الله، وأن مـعـصــيـتـه خـفـيفة عليهم. فلو كان لديهم تـعظيم لربهـم، لغـاروا لمحـارم، ولغـضبوا لغـضبه. وإنما كـان السكوت عن المـنكر ـ مع القدرة ـ مـوجـبا لـلـعـقـوبة، لمـا فـيـه مـن المفاسد العظيمة.
مـنهــا: أنـه يـدل عــلـى الــتهــاون بالـمــعـاصـي وقـلـة الاكــتـراث بـهــا.
ومـنهـا: أن ذلـك يـجـرئ الـعصـاة والـفـسـقـة علـى الإكثار من المعاصي، إذا لم يـردعـوا عـنها. فيزداد الشر وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية،ويكون لـهـم الـشـوكـة والـظـهـور، ثـم بـعـد ذلـك يـضـعـف أهـل الـخـيـر عـن مـقاومة أهــل الــشــر، حــتـى لا يــقـدرون عــلـى مـا كـانـوا يــقــدرون عــلـيـه أولاً.
ومـنـهـا: أنـه ـ بـترك الإنكار عن المنكر يندرس العلم ويكثر الجهل ـ فإن الــمـعــصــيـة ـ مـع تـكــرارهـا وصــدورهــا مــن كــثـيـر مــن الأشـخـاص ، وعـدم إنكـار أهـل الـديـن والـعـلـم لـهـا ـ يُـظـن أنهـا لـيـسـت بـمـعـصـيـة، وربـما ظـن الـجـاهـل أنـها عـبـادة مـسـتـحسـنـة.
ومـنـهـا: أن بـالـسـكـوت عـلـى مـعـصـيـة العاصين، ربما تزينت المعصية في صـدور الـنـاس، واقـتـدى بـعـضـهـم بـبـعـض فـلـمـا كان السكوت عن الإنكار بهـذه الـمـثابـة، نـص الله تعـالى ،أن بـنـي إسـرائـيـل الكافر منهم، لعنهم بـمـعـا صـيـهـم واعــتـدائــهــم، وخــص مــن ذلــك هـذا الـمـنـكـر الـعـظـيـم:
( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) المائدة (79) تفسير السعدى(241)