بقلم : مطر الغنامي
خرجت من أحد الأسواق أسير بين مواقف السيارات ,
لفتت انتباهي طفلة يتراوح عمرها بين العاشرة أو الحادي عشرة ؛
تؤشر بإصبعها السبابة( أي لا )؛ وهي خائفة, وجلة, ترتعد فرائصها, اتجهت إليها مسرعا , وأنا أبحث بعيني إلى ما تنظر إليه, فرأيت سيارة أجرة, و الباب الخلفي مفتوح على مصراعيه, وإذا بسواد امرأة في المرتبة الخلفية ترفع صوتها بعصبية وغضب ؛تقول: اركبي يا كلبه أو تركناك ,
وهي تكرر لفظتها السلبية بوعيد,
ثم نظرت إلى أعين الطفلة المرتعبة , قاصدا أن تنظر إلي وكأني أقول لها هل هي حقا أمك أم مجرمة ؟
عرفت أنها أم مجرمة !.
انصرفت الى سيارتي , والطفلة بين أمرين أحلاهما مر , خائفة من أن تضربها ,أو تتركها وحيدة ,
فركبت سيارتي, وأنا في الطريق, وذهني يستعرض لاشعوريا الصور المشابهة للموقف , تذكرت الخبر الذي قرأته في الصحف, عن طفلة تراجع المستشفى ,و وجد على جسدها الصغير آثار كي ووخز, تبين أنها تتلقى تعذيب من أمها
بينما أنا كذلك والشارع مزدحم بالسيارات والناس العابرين والجميع يخرجون للتسوق ,
وكأنك واقف عند الإشارة هكذا طبيعة شوارع الرياض ,وأمامي سيارة جديدة من نوع مرسيدس ينظر طفلهم من الزجاج الخلفي ,للسيارات وأنا انظر إليه كأني أقرأ في عينيه أنه وحيدهم , وأنه يتمتع بإشباع من الحنان والدلال ,فإذا بصوت قرع على الزجاج الجانبي يوقظني من السرحان؛طفل آخر ملابسة رثة ليس على ملامحه سمات الطفولة بدأ مجابهة الحياة باكرا
أشرت بيدي ألا أريد الماء
ونظرت لسيارة بجانبي قد ألصق في مابين (شمعاتها الخلفية) عبارة_ افهموني_ لمراهق صغير مع أصحابه يناديه و السيجارة بشماله ليتضاها بها أمام الآخرين انه رجل ومهم , ثم يأخذ منه الماء ويرفض ألا يعطيه (الريال).
صور كثيرة من نتائج الأخطاء التربوية نلاحظها في حياتنا اليومية من أبنائنا وأبناء أهل الحي الذي نقطنه وغيرها,
ومن الآباء وأساليب تربيتهم الخاطئة
فنسمع قصصا, و نرى أمورا, تؤكد ذلك أب غليظ يقسو بشدة حتى ينفر ابنه, وأب رقيق يدلل بكثرة حتى يتكل ولده على غيره , وأب مشغول مهمل وبعيد عن ابناءه فيتربون على ما يتلقونه من ما هب ودب,
و أم عصبية تضجر من أمور زوجها فتفرغ شحناتها في فلذة كبدها ,وأم قلقة تخاف عليهم بشدة فتربيهم بأسلوب الحماية الزائدة,وأم فاشلة تخوفهم بخرافات من أجل أن يناموا أو لايخرجوا من البيت وأم ...وأم...وغيرها من الاساليب الغبية .
فلا نستغرب اذا اصبح ابننا ثقته في نفسه مهزوزة , اتكالي لايعتمد على نفسه , يعاني من مشاكل نفسية يخاف من الحشرات ومن الظلام ,
ونعذرهم اذا انقطعوا عن اكمال الدراسة , و وقعوا في الرذيلة, وارتكبوا الجريمة , ودخلوا في عالم الادمان , لاننا نحن من صنعناهم ورسمنا شخصياتهم,
والعجيب في الامر ان الآباء يهتمون في توفير الاحتياجات المادية لأبنائهم ويغفلون عن حاجاتهم النفسية والمعنوية وهي ضرورية لانها تحدد مصيره , الطفل محتاج الى حوار وحب وتعامل تربوي وتوجيهي ؛ فاسلوب الحوارمع الطفل بحب وعقلانية لايعرفه الكثير ,واذا اتخذه المربي في تربية أطفاله لوجد نتائج مبهرة , من سعة لمداركهم, وطلاقة في ألسنتهم, وثقة في أنفسهم ,وتوازن في شخصياتهم, وعلى ذلك يكون الطفل أكثر طاعة وتهذيب
كما يقول التربويون.
والمربي الاول_صلى الله عليه وسلم_ كان يحاور ابن عباس في قضايا أكبر من سنة وكأنه رجل ناضج .رغم انه غلام صغير .
وعمر ابن الخطاب كان يجلسه(أي عبدلله ابن العباس) مع الصحابة الكبار وهو ابن الثالثة عشر, فأحس بتساؤل في أعينهم كأنهم يقولون لما لاينصرف ويلعب مع الغلمان؟!
فسألهم عمر عن تفسير سورة النصر قالوا يأمر الله النبي ان يسبح ويستغفر ربه ,
ثم أحال السؤال لذلك الغلام فقال :هذا اخبار بقرب أجله _صلى الله عليه وسلم_
بهذا الاسلوب التربوي الفريد أصبح أمام المفسرين وحبر الامة .
بل لاتستغرب إذا قلت لك ان علماء التربية ينصحون الامهات بالتحدث العقلاني مع اطفالهم الرضع,
و ذلك من خلال توصيات دراسة ميدانية تربوية.
وطريقة الحوار مع الابن؛ بتبسيط الامر, وتوضيحه بصدق بما يتناسب مع مداركه, وشرح قيمنا, وما نريده عن طريق القصة, وباستخدام بعض تقنيات البرمجة اللغوية ,فإذا اخطأ الابن, نفصل بين السلوك والشخصية فلا نقول أنت شقي ,انت دائما (ما تفهم الكلام)لان الطفل كالصلصال يتأثر بسرعة , والصحيح أن نقول هذا الفعل غلط لأنه يسبب كذا وكذا
ونسمعه في حوارنا الألفاظ الايجابية كقولنا: أنت ولد تفهم , أنت ولد صالح, أنت ولد مؤدب.. إلخ,
ولاننسى أن نظهر عاطفة الحب في حورنا معهم , ونبين أننا نحبهم ونعدل في ذلك , الشاعر يقول :
وإنما أولاد بيننا أكبادنا تمشي على الأرضي
لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمضي
فالتربية بالحب بحد ذاتها تحتاج لمقال مطول .
في الختام أقول :
إن صرف الآباء بعض من وقتهم لتعلم مثل هذه الأساليب , وتثقيف أنفسهم فيها؛ حتى يفهموا فلذات أكبادهم ويفهمونهم, لما احتجنا لدار رعاية الأحداث, ولا لجنة حقوق الطفل .