هذبي غيرتك في حياتك الزوجية!
بقلم هيام الجاسم
سبق أن كتبت مقالين أحدهما: في جريدة الرؤية، والآخر في مجلتنا الغراء الفرقان: حول الغيرة وتهذيبها في النفوس، وكان المقال الأول عن الغيرة بين المرشحين آنذاك أيام الاستعداد لانتخابات مجلس الأمة، وكتبت مقالا في المجلة عن الغيرة بين الأبناء وكيف نهذبها، وهذا كله ليس أقل قدرا ولا أهمية من أن نتناول قضية الغيرة من زاوية العلاقات الزوجية بين النساء والرجال.. تلك الغيرة التي نهشت القلوب، وأعمت، عميا وأدخلت الشكوك بين الزوجين حتى هدمت البيوت والأسر، هذه الغيرة المذمومة هي التي نسلط الضوء عليها في مقالنا هذا...
عزيزي القارئ سبق أن ذكرنا لك أن الغيرة غريزية فطرية يشترك فيها الرجال والنساء، لكنها في النساء أشد وأكبر، والغيرة هي كراهتك القلبية أن يشاركك غيرك فيما تعتقد أنه من حقك أنت فقط لا غير، نحن لن نتطرق في مقالنا هذاعن غيرة الزوج أو الزوجة كل على الآخر إذا انتهك أحدهما ماحرم الله فتلك غيرة مشروعة محمودة مطلوبة، وبلا شك ستأتي بعدها مناصحة كل طرف للآخر تقبل من تقبل ورفض من رفض، وإنما الذي يعنينا من الغيرة هي ذلك الاعتقاد السائد عند المرأة أن زوجها هو ملك لها هي فقط، ولا يحق لكائن من كان أن يقتحم عليها ملكيتّها له، فتجدها تغار من أمه وأخته وأي امرأة من أهله تشاركها زوجها، ولاسيما عند أي اهتمام يبديه زوجها لهن، دائما تراقب درجة حميميّته لأمه، وأخواته وإذا سمح لنفسه أن يزيد من منسوب الحميمية مع أمه أو واحدة بعينها من أخواته، فإن الغيرة تشتعل اشتعالا عظيما في قلبها. اللبيبة من الزوجات تحاول أن تخفي شعورها ولكنه يخرج مع فلتات لسانها، لكن الزوجة التي لا تقوى على السيطرة على انفعالاتها تجدها تضرب أخماسا بأسداس هنا وهناك لعلها تصرف ذلك الاهتمام الذي يبديه لأمه وأخته وهكذا.. هذا حالها وديدن حياتها وحدث ولا حرج من فلتان التحكم بغيرتها لو أن زوجها تزوج بأخرى، فإنها تشتاط غضبا ممزوجا بالغيرة الحادة، فبعض النساء هداهن الله يلبسن بضم الياء غيرتهن من الزوجة الثانية لباس الخوف على الزوج من الافتتان في دينه، وتبدأ تدندن على مسامعه (زوجي العزيز أخاف عليك من فتنة الدنيا، وإنك تغيرت بعدما تزوجت من زوجتك الثانية، أرجوك أنا خائفة على دينك من أن تفتنك هذه الزوجة الجديدة!!) نحن لا نشق عما في القلوب، فقد تكون صادقة، وقد تكون غير ذلك. المهم أن القارئ ينبغي أن ينتبه لامتزاج مشاعر الغيرة الدينية والغيرة الزوجية، فبينهما خيط رفيع، وصاحب البصيرة هو الأقدر على التمييز بينهما..
عزيزي القارئ الذي يعنيني في الأمر كله هو تهذيب غيرة الزوجة تجاه زوجها وكيف لها أن تتحكم بانفعالاتها وتضبطها، وتخفف من لوعة الغيرة في نفسها؛ لأني أعرف نساء فاضلات اهتزت نفوسهن من الداخل حينما بدأ الزوج يوزع اهتمامه بينها وبين أهله من الإناث بالذات، فالمرأة عادة تغار من المرأة، وكل جنس يغار من جنسه نفسه أكثر من غيرته من الجنس المختلف معه، فالرجل غيرته من الرجل أكثر حدة من غيرته من المرأة، ولاسيما إذا كان هذا الرجل من أترابه وقرنائه، كذلك المرأة تغار من المرأة أكثر بكثير من غيرتها من الرجل ولاسيما إذا كانت من قريناتها وأترابها، لكن مشكلة في المرأة أن غيرتها حادة وحادة جدا يطيش معها عقلها وتفقد توازنها وتتفلت مشاعرها؛ لذا المرأة الحصيفة حقا هي التي تلتفت لأمر نفسها وتهذّب ما ضعف منها وفيها، كيف السبيل والحل لتهذيب تلك الغيرة النارية ؟؟
أولا: قبل كل شيء لتعلم الزوجة أن زوجها ليس ملكاً لها هي فقط وإنما تشترك معها فيه عناصر أخرى من أهله وزوجته الأخرى فيما لو تزوج، وحتى بناته اللاتي هن بناتك.. هل تصدق عزيزي القارئ أن من الأمهات من تغار من بناتها لو أبدى زوجها أبوهن اهتماما بهن؟!
الأمر الثاني: لابد لها من التمييز بين الغيرة الدينية والغيرة العاطفية الناشئة من حب الزوجة لزوجها حبا قد يؤدي بها إلى فتح مكتب تحقيقات عندها في بيتها لا يكاد ينتهي!! لو استطاعت أن تفرق بين نوعي الغيرة ستكون قادرة أن تتحكم في جانب عظيم من غيرتها، ولحققت احترام نفسها أمام زوجها بدلا من أن تلبس لباس المحققين ليل نهار، حياته معها نكد في نكد!!
الأمر الثالث: أن تتوجه لطلب العلم الشرعي الذي بلا شك سيعلي قدر هموم واهتمامات دينية عندها، وتلقائيا ستجد نفسها تضبط قلبها ضبطا قويا..
عزيزي القارئ نحن لا نريد للغيرة أن تتلاشى من القلوب، وإنما القصد هو تهذيبها كما نهذب أي صفة قلبية تمادت في داخلنا، وإلا فالغيرة يحبها الرجل من زوجته والغيرة هي صمام المحبة بين الزوجين، لكننا نريد تهذيبها كي لا تنقلب الحياة الزوجية إلى مراقبة أشبه بالبوليسية، أكثر تخوفات الزوجات هي من أن يكون في قلب زوجها امرأة أخرى.. الزوجة دائما قلقة هذا الجانب ، دائما تريد أن تتأكد أنها لا زالت هي رقم واحد في قلب زوجها، لذا فغيرتها متوقدة ومتهيجة باستمرار وهي أشد التصاقا بإحساسها بفقد الأمان مع زوجها؛ لذا نحن نهيب بعقول الأزواج الذين نعتقد فيهم أنهم يحكّمون عقولهم قبل عواطفهم أن يشملوا زوجاتهم بكثير حنان واحتواء وعاطفة يعبرون عنها ليل نهار، حاول وحاول ولن تخسر ، إذا أمنت الزوجة أن لا أحد من النساء يضاهيها في مكانتها في قلب زوجها بلا شك ستخف الغيرة وتتهذب وما تعود ذاك المحقق، وستخجل من نفسها إن أرادت أن تحوّل حياتها مع زوجها إلى كدر في كدر، والقضية الأخيرة التي تنتبه لها الزوجة لتهذب غيرتها هي أن تكثرـ بضم التاء على نفسها من الاهتمامات والانشغالات العلمية والدعوية والعلاقات الرحمية (صلة الأرحام)، وتنشغل بما يصرفها عن سيطرة انفعالاتها المزعجة على قلبها من مثل تأدية واجباتها، وتوطيد علاقاتها الاجتماعية النافعة، كل ذلك الانشغال القلبي سيوزع اهتماماتها وستنحسر في نفسها لوعة الغيرة على زوجها الذي ظنته ملكا لها، فكانت المفاجأة الكبرى أن عددا من النساء شركاء حلال فيه معها سواء أقبلت ذلك أم لم تقبل