السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، قالت : (فسابقته فسبقته على رجلي ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال : هذه بتلك السبقة) رواه أبو داود ، وصححه الألباني . فلم يتحجج النبي صلى الله عليه وسلم بفقد الوقار أو فقد الاحترام . كما كان عليه الصلاة والسلام أكثر الناس انشغالاً ، ولم يتعلل بكثرة الانشغال ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدرك أثر هذا السباق على نفس زوجته ، وأي رسالة ستصلها من هذا التصرف ، نعم إنه يوصل لها رسالة : أنا أحبك وأهتم بك حتى في السفر ولولا ما أنا فيه من انشغال لقضيت العمر كله معك . لذا تحتاج الزوجة أن تشعر دائمًا أنها تمثل شيئًا هامًا ومميزًا بالنسبة إلى زوجها ، وهي تشعر بذلك من خلال تلبية حاجاتها العاطفية والاعتناء بها والاهتمام بمشاعرها ورعاية أمورها ، ويكون بالنسبة لها العلامة الأهم من علامات حب زوجها لها . فهي تتوق لأن يبدي زوجها اهتمامه بحياتها ، وبأفكارها ، ومشاعرها ، وأن تجد لديه طمأنينة نفسها ، وتحقيق الرغبات المادية والنفسية . فأما الرعاية المادية فنجدها في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرًا الدينار الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم . وللرعاية النفسية صورها لنتأمل في هذا المشهد الذي يصوره لنا رسولنا الكريم وهو يتحدث عن الصدقة ، يقول عليه الصلاة والسلام : (حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك لك بها صدقة) متفق عليه . إن هذه اللقمة ، ليست بالتي سوف تشبع جوع الزوجة وحاجتها إلى الطعام ، وإنما ستشبع نوعًا آخر من الجوع ، إنه الجوع العاطفي ، الحاجة إلى التقدير والاهتمام ، فهذه اللقمة رغم بساطتها ، إلا أنها تعبر عن اهتمام الزوج بزوجته ، وأنه ليس هناك ما يشغله عنها . وأضف إلى ذلك ما يحمله هذا المشهد من معاني الإيثار ، والرقة ، والرحمة . وهذا الجانب النفسي تفهم عنه الزوجة أن زوجها يبذل أقصى ما في وسعه من أجلها ، ونحن نرى مسابقة الرسول صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة ، وجعلها تنظر من خلف كتفيه إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في يوم عيد حتى اكتفت . كل هذه الأفعال هي اهتمام نفسي من الرسول صلى الله عليه وسلم بزوجته عائشة رضي الله تعالى عنها ، وتلبية لرغبتها المشروعة في اللعب والترويح عنها . تحتاج المرأة أن تشعر بأن زوجها يقوم برعايتها من خلال إظهار الاهتمام بمشاعرها وأحاسيسها ، ولأن تشعر حقيقة أن لها مكانة خاصة عند زوجها ، والرجل عندما يظهر ذلك فإنها تشعر فعلاً بأنه يهتم بها وبذلك فهو يحبها . فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وهو نبي الله ، ورئيس دولة كل المسلمين ، وقائد الجيوش الإسلامية ، ومع ذلك يجد الوقت الثمين في خدمة ومهنة أهل بيته . كما إن الزوجة تريد مع رقة طبعك حزمًا ، ومع دماثة لسانك حسمًا ، ومع لطف مشاعرك عدم تردد ، ومع رفقك بها قوة ، أي رفق في قوة ، ولين في حزم ، ورقة في حسم . الزوجة تريدك الأب الشفيق والأخ الرقيق والزوج الصديق ومصدر الدفء والأمان . تريد أن تكون لها بعد الله سبحانه الملاذ عند الأحزان ، والشريك في الأفراح ، والمواسي في المصائب ، أن العلاقة بينكما قائمة على أساس المودة والرحمة ، وهو ما يحقق لكما الاطمئنان والسكينة والاستقرار، ليقوم كل منكما بدوره في تحقيق المقاصد الاجتماعية والحضارية المترتبة على الزواج . لقد بين الله تعالى أن هذا الزواج وهذا اللقاء آية من آياته سبحانه في الكون ، بل وعجيبة من عجائب القدرة الإلهية التي لا تحد بحدود ، ففي ظلال هذا الحشد اللامتناهي من آيات الله في الكون بسمواته وأرضه وأفلاكه يقول تعالى : (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم . إنها آية أن خلق الله الزوجة من نفس الزوج ، وآية أن جعل الزوجة سكناً للزوج ، وآية أن جعل بينهما مودة ورحمة ، كل هذه آيات لقوم يتفكرون . لابد للزوج من أن يحافظ على تلك المودة التي هي دعامة أساسية للزواج الناجح ، وإن ذلك ليتأتى بأن يبذل قصارى جهده في الاهتمام بزوجته ، شريك حياته ، سواء كان بالكلمة أو بالنظرة أو بالفعل والموقف ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، مثالاً للذوق الرفيع مع زوجاته ، ولم يفته صلى الله عليه وسلم رغم انشغالاته وكثرة اهتماماته أن يدخل عليهن البشر ، فها هو ينادي عائشة بقوله صلى الله عليه وسلم : (يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام) متفق عليه . فكما نرى النبي صلى الله عليه وسلم يدخل عليها البشر بأن يقرئها السلام من جبريل عليه السلام أمين السماء إلى الأرض ، ومن جانب آخر يزف إليها البشرى ومعها أرق الكلمات ، إذ يناديها باسمها مرخمًا (عائش) وهو للتدليل ، حرصًا منه صلى الله عليه وسلم على إظهار اهتمامه بزوجه.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما .