الدرس الرابع من شرح كتاب منهج السالكين
قال المؤلف رحمه الله :
فصل في المياه
الشرح :
الفصل يعقده العلماء في التصانيف للفصل بين شيئين أو بين أمرين بينهما علاقة ولكن يحتاج للفصل بينهما.
قال الشيخ رحمه الله :
وأما الصلاة : فلها شروط تتقدم عليها :
الشرح :
لأن الشروط هي ما تكون قبل الصلاة ، فشروط الصلاة قبلها ، وأما الواجبات والأركان ففيها .
والطهارة مفتاح للصلاة ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه .
ذم ذَكَرَ أن من شروط الصلاة الطهارة فـ
قال الشيخ رحمه الله :
فمنها :" الطهارة "
الشرح :
أي من شروط الصلاة
فالطهارة ليست مقصودة لذاتها هنا ، إنما لأنها مفتاح الصلاة ، ولأن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة .
والطهارة شرط صحة للصلاة
لأن الشروط شروط صحة وشروط كمال .
وقد دلّ الدليل على أن الطهارة شرط صحة للصلاة ، أي لا تصحّ الصلاة إلا بالطهارة .
قال الشيخ رحمه الله :
كما قال صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله صلاة بغير طهور " متفق عليه
الشرح :
الحديث رواه مسلم من حديث ابن عمر بلفظ : لا تُقبل صلاة بغير طهور .
وأما الحديث المتفق عليه فهو من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ : لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ . وسبق شرحه ، وهو الحديث الثاني من أحاديث عمدة الأحكام .
قال الشيخ رحمه الله :
فمن لم يتطهر من :
قال الشيخ رحمه الله :
الحدث الأكبر
الشرح :
وهو كل ما يُوجب الغُسُل ، وسيأتي شرحه مُفصلاً – إن شاء الله - .
وسبقت الإشارة إلى أنواع الحدث في شرح الحديث الثاني من أحاديث العمدة .
والحدث الأكبر يرفعه الغُسل .
قال الشيخ رحمه الله :
والأصغر
الشرح :
وهو ما لم يُوجب غُسلاً ، وسبق بيانه أيضا في شرح الحديث الثاني من أحاديث العمدة .
والحدث الأصغر يرفعه الوضوء .
قال الشيخ رحمه الله :
والنجاسة
الشرح :
ما يكون على البدن أو الثوب أو البقعة التي يُصلي فيها
والنجاسة المقصود بها هنا الحسية ، أي ما كان محسوساً من النجاسات
والنجاسة المعنوية ما لم تكن محسوسة ، كنجاسة الكفار في قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ )
إذا يُشترط للصلاة إزالة الخبث – أي النجاسة – ورفع الحدَث .
ولكن من صلّى وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة ثم علِم بها أثناء الصلاة ، فإنه يتخلّص من الثوب أو الجزء الذي به النجاسة ، كما فعل عليه الصلاة والسلام .
فبَيْنَمَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلّي بأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوضَعَهُمَا عن يَسَارِهِ ، فَلمّا رَأَى ذَلِكَ الْقُوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ ، فَلمّا قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ قال : مَا حَمَلَكُم عَلَى إِلْقَائِكُم نِعَالَكُم ؟ قالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فأَلْقَيْنَا نِعَـالَـنَا . فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلاَمُ أَتَا فأَخْبَرَنِي أَنّ فِيهِمَا قَذَراً ، أَو قال أَذًى ، وقال : إِذَا جاءَ أَحَدُكُم إِلَى المَسْجِد فَلْيَنْظُرْ فإِنْ رَأَى في نَعْلَيهِ قَذَراً أَوْ أَذًى فَلْيمْسَحَهُ وَلْيُصَلّ فيهِمَا . رواه الإمام أحمد وأبو داود والدارمي ، وهو حديث صحيح .
وإذا لم يستطع فإنه يقطع صلاته وينـزع الثياب التي فيها نجاسة أو يغسل النجاسة إذا كانت بالبدن ثم يُعيد الصلاة .
ومن نسي النجاسة ثم صلى أو لم يعلم بها إلا بعد أن انتهى من الصلاة فلا إعادة عليه ، بخلاف مَن يذكر أنه صلى بغير وضوء فإنه يُعيد .
وإزالة النجاسة من الثوب والبدن والبقعة التي يُصلّي بها شرط لصحة الصلاة .
وسيأتي – إن شاء الله – فصل في إزالة النجاسة .
قال الشيخ رحمه الله :
فلا صلاة له .
الشرح :
وهذا على التفصيل المتقدّم فيما يتعلق بإزالة الخَبَث ورفع الحدث .
فمن صلى وعليه حدث أصغر أو أكبر فلا صلاة له ويجب عليه أن يرفع الحدث ثم يُصلي ، وهذا في حق من لا عُذر له .
وأما النجاسة فعلى التفصيل السابق .
وإذا ورد في الأحاديث أو في كلام الفقهاء فلا صلاة له فيُحمل على أمرين :
الأول : لا صلاة له صحيحة .
والثاني : لا صلاة له تامة .
والمقصود هنا النوع الأول .
قال الشيخ رحمه الله :
والطهارة نوعان :
الشرح :
ذكر النوع الأول ، والنوع الثاني هو البدل ، وهو التراب ، وسيأتي شرح ما يتعلق بالتيمم مستوفى – إن شاء الله – في شرح العمدة .
قال الشيخ رحمه الله :
أحدهما : الطهارة بالماء , وهي الأصل .
الشرح :
الماء هو الأصل ، ولذا فإن الله عز وجل امتنّ به على عباده فقال : ( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا )
قال الشيخ رحمه الله :
فكل ماء نزل من السماء , أو نبع من الأرض : فهو طهور يُطهر من الأحداث والأخباث .
الشرح :
هذا هو الماء الباقي على طهوريته ، وهو الباقي على أصل خلقته .
والماء - على الصحيح – ينقسم إلى قسمين :
الأول : طهور بنفسه مُطهّر لغيره .
والثاني : نجس بنفسه لا يُطهر غيره ، ولا يجوز استعماله ، إلا إذا استحال إلى عين أخرى ، كمياه المجاري إذا عُولجت وذهبت منها روائح النجاسة ولونها وطعمها .
وبعض الفقهاء يذكر قسما ثالثاً ، وهو الطاهر ، وهو ما اختلط بغيره
والصحيح أنه إما أن يأخذ وصف الماء واسمه فيبقى ماء طهورا
وإما أن يأخذ وصف ما اختلط به فلا يكون حينئذ ماء ، بل يُطلق عليه ما غلب عليه ، كماء الورد أو الشاهي والقهوة ونحوها .
فالماء النازل من السماء طهور
والنابع من الأرض طهور
قال الشيخ رحمه الله :
ولو تغير طعمه : أو لونه أو ريحه , بشيء طاهر
الشرح :
كأن يتغيّر – مثلاً – بالطين أو بأوراق الأشجار ، فهذا تغيّر طعمه أو لونه أو ريحه بشيء طاهر فهو باق على طهوريته ، ويجوز استعماله في الوضوء والشرب .
قال الشيخ رحمه الله :
كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " رواه أهل السنن ( وهو صحيح )
الشرح :
والمقصود بـ " أهل السنن " الأربعة : أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
فالماء الطهور الذي لا يُنجّسه شيء هو ما بلغ القلّتين فأكثر لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخَبَث . رواه الإمام أحمد وأهل السنن .
قال الترمذي بعد أن روى الحديث : قال عبدة : قال محمد بن إسحاق : القُلّة هي الجرار ، والقُلة التي يستقى فيها .
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يُطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الماء طهور لا ينجسه شيء . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي .
قال أبو داود : وسمعت قتيبة بن سعيد قال : سألت قـيّم بئر بضاعة عن عمقها . قال : أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة . قلت : فإذا نقص . قال : دون العورة .
قال أبو داود : وقدّرت أنا بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته ، فإذا عرضها ستة أذرع ، وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه : هل غير بناؤها عما كانت عليه ؟ قال : لا ، ورأيت فيها ماء متغير اللون .
ومثله الماء الذي يكون في الصحراء ولا يضرّه أن تَرِدَه السباع .
فلا يُحكم بنجاسته إلا أن يتغير أحد أوصافه بنجاسة
لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان
ولأن اليقين لا يزول بالشك .
والأصل أن هذا الماء الذي نزل من السماء باقٍ على أصل طهوريته
وماء الآبار كذلك ، فلا يزول هذا اليقين بمجرّد الشك ، بل لا يزول إلا بيقين مماثل .
وماء البحار والأنهار كذلك لا يُنجّسه شيء إلا أن تتغيّر أحد أوصافه بنجس .
قال الشيخ رحمه الله :
فإن تغير أحد أوصافه بنجاسة : فهو نجس يجب اجتنابه .
الشرح :
وهذا بالإجماع
والأوصاف : اللون والرائحة والطعم
فإذا تغير لون الماء بنجاسة فلا يجوز استعماله
وكذلك إذا تغيّرت رائحته بالنجاسة
والطعم قيد أغلبي ، وإلا فإن الإنسان أصلاً لا يعرف طعم النجاسة .
قال الشيخ رحمه الله :
والأصل في الأشياء : الطهارة والإباحة .
الشرح :
هذا أصل لا يُنتقل عنه إلا بيقين
فالأصل في الأشياء - كالملابس والفُرُش والبقاع – الطهارة .
فلا يُنتقل عن هذا الأصل إلا بيقين ، فلو شك الإنسان في البقعة أو في الفراش أو في السجاد فالأصل أنه طاهر بيقين ، ولا يُحكم بنجاسته إلا بيقين .
والأصل أيضا في الأشياء الإباحة فلا يُحكم بحرمة شيء إلا بدليل ثابت .
قال الشيخ رحمه الله :
فإذا شك المسلم في نجاسةِ ماءِ أو ثوبِ أو بقعةِ أو غيرها : فهو طاهر
الشرح :
كأن ينـزل في مكان يُريد الصلاة ، أو يسكن في شُقّة أو فندق وما شابه ذلك ، فالأصل الطهارة في الأشياء .
قال الشيخ رحمه الله :
أو تيقن الطهارة وشك في الحدث : فهو طاهر
الشرح :
إذا تيقن المسلم الطهارة ، كأن يذكر آخر شيء من أمره أنه طاهر - أي أنه توضأ - ثم شكّ هل أحدث أو لا . فبماذا يُحكم له ؟
يُحكم له بالطهارة لأن الطهارة بالنسبة له يقين ، فلا يُنتقل عن هذا اليقين إلا بيقين .
مثاله : شخص توضأ لصلاة المغرب ثم جاءت صلاة العشاء ولا يذكر أنه أحدث ، فهذا يُحكم له ببقاء الوضوء ؛ لأنه يقين .
والعكس لو شكّ هل هو على طهارة أو لا ، فيُنظر آخر شيء من أمره .
فإن كان – مثلا - قام من النوم وشك هل توضأ أو لا ، فالحدث عنده يقين ، والوضوء شك ، واليقين لا يزول بالشكّ .
قال الشيخ رحمه الله :
لقوله صلى الله عليه وسلم - في الرجل يُخيلُ إليه أنه يجد الشيء في الصلاة - : " لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحـا " متفق عليه .
الشرح :
الحديث ضمن أحاديث عمدة الأحكام ، وسيأتي شرحه - إن شاء الله – مُفصّلاً .
والله تعالى أعلى وأعلم .