كتاب (المنتخب في ذكر نسب قبائل العرب) للشيخ عبدالرحمن بن حمد بن زيد المغيري (نسابة نجدي لم أقف على تاريخ وفاته).
تناول نسب بني ياس عند حديثه عن قبيلة خزاعة، غير أن عباراته تفتقر إلى الترابط وتتسم بالغموض نوعا ما، ففي حديثه عن بني حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن لحي وهم زعماء قبيلة خزاعة يقول “ومنهم عروة بن إياس الشاعر، وبنو إياس بطن من حبشية من خزاعة، ويقال إن بني إياس أهل عمان، وممن ينتسبون في إياس بن قبيصة الطائي”!! المنتخب ص 108.
ومما يلفت النظر في كلام المغيري:
أ- أن الشاعر عروة بن إياس لم يشر إليه النسابون عند سردهم لأنساب مشاهير بطون قبيلة خزاعة.
ب- لم يصل المؤلف نسب إياس بن معاوية الى حبشية، فلذا يعد نسبه منقطعا.
ج- رغم تفصيل النسابين القدامى خاصة ابن الكلبي لبطون وأفخاذ خزاعة إلا أنهم لم يشيروا الى وجود فرع من حبشية يسمى إياس.
د- يوحي قول المؤلف “ويقال إن بني إياس أهل عمان “ بأنه متشكك في صحة هذا القول، وأنه يحتمل أن يكون بنو إياس الذين في عمان (يعني الامارات) من غيرهم.
ه- لست أدري ما وجه ذكره لإياس بن قبيصة الطائي في هذا السياق! حيث أن عبارات المؤلف هنا سقيمة التراكيب.
5- كتاب (كنز الأنساب، ومجمع الآداب) للشيخ حمد بن ابراهيم بن عبدالله الحقيل، وهو نسابة وفقيه سعودي معاصر.
ذكر تحت عنوان (عائلات في الجزيرة العربية) ما يلي:
“وبنو ياس بن عمرو بن عامر بن صعصعة منهم آل نهيان والرواشد في دبي والمناهيل والمناصير وهاجر، ومن الدواسر وبنو رواحة وغيرهم” كنز الأنساب ص 241.
ومن الملاحظات التي يمكن إثباتها هاهنا تعليقا على هذا النص:
أ- أن المؤلف ركب متن الشطط فنسب إلى عامر بن صعصعة ولدا ليس له وسماه (عمرو) فوقع في ذات الوهم الذي وقع فيه معاصره الشيخ سالم بن حمود السيابي.
ب- أنه أدخل في قبيلة بني ياس قبائل ليست منها وإنما هي قبائل مستقلة كالمناهيل والمناصير وبني هاجر وبني رواحة.
ثانيا- ما ورد من إشارات في عدد من القصائد المحلية الفصحى والنبطية حول نسب بني ياس:
كان استاذنا الأديب المؤرخ النسابة حمد بن خليفة بوشهاب رحمه الله قد زودني بتلك الأبيات من محفوظاته، وهي أبيات تستحق الوقوف عليها والتمعن فيها بعين ناقدة، وهي تعبر عما هو متعارف عليه في زمان قائليها.
- فمن ذلك بيت للشاعر محمد بن ثاني بن قطامي بن سيار من قصيدة له قالها في عام 1910 تقريبا يمتدح فيها حاكم دبي الشيخ بطي بن سهيل آل مكتوم (حكم من 1906-1912م) يقول فيه :
بني ياس بن عامر بن لؤي==جنودي لا خلت منهم أيادي
-وقول الشاعر راشد بن مرشد الحميري عن بني ياس:
ثيبة بني ياس بـن عامـر لكنهـم==مناعير قوم ما قضى الله كارها
وقوله في موضع آخر من القصيدة:
هل الجود والماجود والحرب والجسا==نـزاريـة نــذري بـهـا عــن نـزارهـا
- ومن قصيدة فصحى للشاعر الشهير مبارك بن حمد العقيلي يمتدح فيها الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان حاكم أبوظبي (1855-1909م) يقول في أحد أبياتها:
إلى هؤلاء القوم والشيخ زايد==وإخوانهم أبناء ياس وعامر
- وقول الشاعر الأديب الاستاذ أحمد بن سلطان بن سليم الفلاسي:
تسامى بهم ياس بن عامر مفخرا==فأكرم بهم فرعا وأكرم بهم نجرا
وقوله في موضع آخر:
ألا نــهــضــة يــاســيــة يـمــنــيــة==يزاح بها الهم الذي أوغر الصدرا
ومما يلاحظ على ما ورد في مجمل تلك الأبيات:
أ- من خلال البيت الذي ورد في قصيدة ابن قطامي نجد الشاعر ينسب بني ياس إلى (ياس بن عامر بن لؤي)، ومن المعلوم أن عامر بن لؤي أبو بطن كبير من بطون قبيلة قريش، والصحيح أنه ليس لعامر بن لؤي ولد يسمى ياس، وقد سرد النسابة مصعب بن عبدالله الزبيري - وهو حجة في نسب قومه قريش - أسماء أولاد عامر بن لؤي وهم أربعة ذكور: حسل، معيص، عويص، نعيم، وبنتا تسمى كلفة، وذرية عامر هذا تناسلت من ولدين فقط هما حسل ومعيص، لاعقب لعامر الا منهما.
ب- يتفق كل من الشاعرين راشد بن مرشد الحميري وأحمد بن سلطان بن سليم مع زميلهما ابن قطامي في تسمية (ياس بن عامر) الثنائية لكنهما يخالفانه في كونهما ينسبان بني ياس الى قحطان وهو المعبر عنه باليمانية، بينما جعلهم ابن قطامي عدنانيين من قريش.
ج- عطف الشاعر مبارك العقيلي اسم (ياس) على (عامر) ولم يجعله ابنا له رغم انعدام الضرورة الشعرية لذلك في البيت.
خلاصة القول في جميع ما سبق:
إن شح المصادر وانقطاع النسب أوقع المؤرخين والنسابة خلال القرون الثلاثة السابقة في حيرة إزاء الأرومة التي يعود اليها نسب قبيلة بني ياس مع تقديرنا لاجتهادهم وحرصهم على إثبات ما اعتقدوا أنه الصواب، لكن الأدلة التي توصل اليها الاستاذ حماد وساق جزءا منها فقط في كتابه المختصر (أوثق المعايير) تعتبر من وجهة نظري أرجح من كل ما سبق وأدنى إلى الصواب دون جزم مني بذلك بسبب انقطاع النسب مابين الشيخ هلال الجبلي جد عشيرتي آل بوفلاح وآل بوفلاسة الذي عاش في فترة غامضة وبين جبلة بن أحمد بن إياس بن عبدالأعلم الكلبي القضاعي والله تعالى أعلم.
آل بوفلاح وآل بوفلاسة الهلاليون:
هناك معلومة غاية في الأهمية وردت في المخطوطة القطرية التي اطلع عليها حماد لدى الشيخ ناصر بن علي آل ثاني والمنقولة شفهيا عن المرحوم الشيخ محمد بن أحمد آل ثاني، نرجو أن تجد سبيلها الى النشر في كتاب حماد الموسع، مفادها أن آل بوفلاح هم ذرية الشيخ فلاح بن هلال بن فلاح بن هلال الجبلي الياسي وأن شقيقته (فلاسة) تزوجها الشيخ راشد بن عامر بن هلال الجبلي الياسي أحد بني عمومتها الأقربين وأن ذريته منها أطلق عليهم آل بوفلاسة وبالتالي فإن العشيرتين من أرومة واحدة، وهما معا تشكلان نواة حلف بني ياس لكونهما البطنين الصريحين من ولد جبلة بن أحمد بن ياس.
وقبل هذا التفرع الى فلاحي وفلاسي كان الانتساب الى جد أبعد هو (هلال الجبلي) ويساند هذا عدد من الأبيات الشعرية التي وردت في قصيدة قديمة للشاعر محين الشامسي قالها في أواخر القرن الثامن عشر ممتدحا أحد شيوخ آل نهيان القدامى وناسبا له إلى هلال:
ما وجدت المشيخة لك مستعار==من نهيـان وورثـة بـن هـلال
وقوله عن عشيرة هذا الشيخ النهياني:
عاضنـا الله عـن رفاقتـنـا بـقـوم==من مشاهيب الحروب بني هلال
- ومن ذلك بيت ورد في قصيدة للشاعر مبارك العقيلي يمتدح فيها الشيخ زايد بن خليفة وقومه آل بوفلاح:
فلاحيـة قـد أفلحـوا بفعالـهـم==هلالية أهل الوجوه السوافر
إن غموض تاريخ هذا الجد القديم (هلال) الذي تتزعم ذريته حلف بني ياس منذ القدم واحتمال أن يكون بعيدا تاريخيا قد أوقع النسابة والمؤرخين المتأخرين والشعراء في الخطأ فقد اشتبهوا بأنه ربما يكون هلال بن عامر بن صعصعة الذي هاجر قسم كبير من ذريته الى مصر ومنها الى تونس وبقية شمال افريقيا في القرن الخامس الهجري وترتبط بهجرتهم اسطورة تغريبة بني هلال وبطلها أبو زيد الهلالي والذي كانت سيرته تقرأ في المجالس قديما، ومن الجدير بالذكر أن الشاعر محين الشامسي كان يكني عن آل بوفلاح باسم (الزغابا) وهي عزوة بني هلال العامريين المهاجرين الى تونس نسبة الى بطن منهم يسمى زغبة وهم ذرية أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر، ومن ذلك قول محين في قصيدة له:
ياه الذي ياخـذ قضـاه وزايـد==قوم الزغابا من سلالة زايد
وقوله:
الزغابا لي يحثـون الركـاب==في الخرايم كنهن ربد يفالي
وقوله من قصيدة يرثي فيها رحمة بن جابر الجلاهمة عام 1826م:
فـي ثــار مــن لا للمـدانـق يـوالـي==روس الزغابا من نسب من يوالي
أصل آل بوفلاح
انساق مؤرخونا المحليون المتأخرون زمنيا وراء الاعتقاد بتفرع آل بوفلاح من هلال بن عامر بن صعصة، وأبرز هؤلاء المؤرخين هو الشيخ عبدالله بن صالح المطوع في كتابه (الجواهر واللآلئ في تاريخ عمان الشمالي) ويقول بعد أن نسبهم في هلال بن عامر “وقد امتدحهم الشعراء ونسبوهم الى الزغابا من هذه القبيلة” ص 16. وتابعه على ذلك المؤرخ حميد بن سلطان الشامسي في كتابه (نقل الأخبار في وفيات المشايخ وحوادث هذه الديار) ص221 حيث يقول بأن آل بوفلاح هم رهط وبقية من بني هلال.
وهم قرابة
هناك مسألة جديرة بالانتباه ألا وهي عدم وجود رابطة قبلية بين هلال الجبلي جد عشيرتي آل بوفلاح وآل بوفلاسة من ناحية وهلال بن زامل الجبري العقيلي الذي ينحدر منه قاطع الطريق ناصر بن قطن الهلالي الذي التجأ الى بني ياس في الظفرة في ثلاثينات القرن 17م كما مر آنفا، ولعل انقطاع النسب وتشابه النسبة (الهلالي) قد أوهم الجميع آنذاك بوجود صلة قرابة تحتم التعصب لهذا اللاجئ وحمايته بل والاستماتة في الدفاع عنه أمام الجيش اليعربي
خاتمة
لست أزعم أن كل ما توصل اليه حماد الخاطري في بحثه حقائق يقينية لكن اطروحاته في مجملها قوية جديرة بالاعتبار،كما أن انتقادات الكاتب أحمد محمد عبيد لا تخلو في بعض جوانبها من حق لولا اسلوبها اللاذع مما يسمها بالنقد الهدام. وإن الأيام كفيلة بإظهار المزيد من الدلائل المتناثرة في المصادر المخطوطة والوثائق وأذهان الرواة والتي ستضاف الى ما جمعه حماد فإما أن تؤيد ما توصل إليه من استنتاجات وإما أن تعارضها، والله نسأل أن يوفق باحثينا للكشف عن المزيد من المعلومات حول أنساب وتاريخ شعب الامارات وجدير بنا أن نشجعهم ونقدر مجهوداتهم ونأخذ بأيديهم فلكل مجتهد نصيب.
المصدر :
http://www.alkhaleej.ae/articles/sho...cfm?val=385993