عند التمعن أكثر في قدرة الله سبحانه , نزداد إيمان أن الابتلاء نعمة يمن بها سبحانه على من يحب من عباده , ولا يدرك هذه المعاني إلا من أيقن انه يعيش في دار عمل ويعتبرها وسيلة توصله لما بعدها وليست غاية يفرح كثيرا لسرائها يغضب أكثر لضرائها .
شاءت قدرة المولى سبحانه أن أتشرف بتدريس الصف الرابع ابتدائي الذي يحوي بين جنباته طفل صغير السن لكن بأخلاق العمالقة , وهي القدرة نفسها التي أسمعتني كلمات بريئة بمعاني عجز عن تطبيقها الكثير .
لا أطيل كثيرا فالموقف يحتمل أكثر واليكم القصة بطريقة مبعثرة كما هي بعثرة المشاعر التي تحويها , قامت إدارة المدرسة التي اعمل بها مشكورة بتهيئة احد الفصول القريبة من البوابة الرئيسية في الدور الأرضي لاستقبال طلاب الصف الرابع ( أ ) وذلك لوجود احد الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة والذي وجب التعامل مع الفصل كاملا كحالة خاصة تستثنى عنها شروط كثيرة لتحقيق اكبر قدر ممكن من المساعدة والراحة لهذا الطالب العزيز علينا جميعا , ومع خطواتي الأولى لدخول الفصل في كل حصة دراسية لاحظت أن طالب يجلس في الكرسي الخلفي لهذا الطالب المحتاج للمساعدة ويقوم بإخراج الكتب لزميله وتهيئة الكرسي المتحرك في الوضعية المريحة , وكأن هناك لغة خاصة بينهما حيث أن كل إلتفاتة يسيرة من قبل الطالب لزميله يليها قيامه بمساعدته باحترافية وخبرة , مرة بإخراج الأقلام أو الألوان وأخرى بإعطائه ما يحتاجه من المناديل وغيره الكثير , آثار ذلك العديد من التساؤلات لدي خاصة بعد أن لاحظت أن التنقلات داخل المدرسة تتم عن طريق هذا الطالب نفسه وتوصلت إلى أن كل ما يحتاجه الطالب يتم تنفيذه من قبل زميله مع عدم وجود أي استياء أو ملل من القيام بذلك بل ويحاول منع أي شخص آخر من مساعدة زميله , وقمت بسؤال الطالب الذي يخدم زميله عن اسمه كونه حديث الدراسة في الرابع ابتدائي والذي أقوم بتدريسه فأجاب بأن اسمه ( إياد البلوي )تبع ذلك العديد من الاستفسارات و الأسئلة منها ما هو لقياس مستواه الذي أثبتت الإجابات تميزه في ذلك وعن وجود أي صلة قرابة أو جوار بينهما فأجاب بالنفي وهل ما يقوم به بطلب من ذوي الطالب الذي يساعده وتكررت نفس الإجابة , بالقدر الذي تحمله إجابات ( إياد ) البريئة بالقدر نفسه الذي يزداد فيها الفضول لدي لمعرفة السبب وراء هذه الجهود الجبارة من قبل هذا الجسد الضعيف لطفل عملاق بأخلاقه , فسألته بشكل مباشر , لماذا تقوم بكل هذه الجهود لزميلك ؟ فكانت الإجابة التي اهتزت لها أركاني فقال لأنه صاحبي , لا هدوء لهذه الأركان بعد سماع الإجابة الثاني للسؤال الثاني والذي كان عن الفترة التي قضاها في خدمة زميله وإجابتها أنها امتدت من أول أيام اللقاء بينهما في الصف الثاني الابتدائي* وعمره حينها 7 سنوات فقط , فترة قاربت الثلاث سنوات في خدمة زميل لا يعرفه إلا بالمدرسة بدون وجود أي مقابل لذلك , ما زاد من درجة حرارة النقاش هو السؤال الذي وجهته للطالب من ذوي الاحتياجات الخاصة فكانت إجابته بقوله ( صاحبي ) كلمة تحول نطق حرف الصاد فيها بشكل مقارب لحرف الشين بنغمة أراد المولى سبحانه أن تخلد في ذهني مادام لي وجود على ظهر البسيطة .
سنوات من مواجهة صعوبة في محاولة تحريك الكرسي و الاستدارة به واختيار أفضل المواقع حسب رغبة زميله وحرمان نفسه من حرية التحرك والفسحة واللعب مع الآخرين كل هذا مقابل انه صاحبه فقط , نموذج وجب الوقوف عنده كثيرا لتذكير من وجب عليه خدمة الآخرين ولكن ليس لكونه صاحب أو زميل عمل أنما من هو مقصر مع من هو والد أو والدة له .
بعد ذلك لم أفق بنفسي إلا و أنا اعرض هذا الطالب العظيم بأخلاقه لإدارة المدرسة والتي تفاعلت معه بالتكريم له و لوالده للمساهمة في تعزيز هذه الخصلة النادرة لمن هم في أجساد قوية وأعمار متقدمة فما بالك بطفل صغير .
إياد هو اسم وفعل ورمز يحتذى . وعضة لمن أراد إنقاذ نفسه في بره بوالديه قبل فوات الأوان , وهو كذلك ذكرى لإعادة النظر فيمن ابتعدنا عنهم ضانين بذلك البعد الراحة من مساعدتهم متناسين السؤال الذي سوف نتلقاه عن ذلك يوم لا ينفع مال ولا بنون .
دمتم برعاية الله
المصدر صحيفة تبوك بقلم الاستاذ فيصل العنزي