![]() |
#1 | ||
|
![]() الذنوب تطفئ الغيرة ومن عقوبات الذنوب : أنها تطفئ من القلب نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن ، فالغيرة حرارته وناره التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة ، كما يخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد ، وأشرف الناس وأعلاهم همة أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس ، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أغير الخلق على الأمة ، والله سبحانه أشد غيرة منه ، كما ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أتعجبون من غيرة سعد ؟ لأنا أغير منه ، والله أغير مني . وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال في خطبة الكسوف : يا أمة محمد ما أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته . وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال : لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ، ولا أحد أحب إليه المدح من الله ، من أجل ذلك أثنى على نفسه . [ ص: 67 ] فجمع في هذا الحديث بين الغيرة التي أصلها كراهة القبائح وبغضها ، وبين محبة العذر الذي يوجب كمال العدل والرحمة والإحسان ، والله سبحانه - مع شدة غيرته - يحب أن يعتذر إليه عبده ، ويقبل عذر من اعتذر إليه ، وأنه لا يؤاخذ عبيده بارتكاب ما يغار من ارتكابه حتى يعذر إليهم ، ولأجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه إعذارا وإنذارا ، وهذا غاية المجد والإحسان ، ونهاية الكمال . فإن كثيرا ممن تشتد غيرته من المخلوقين تحمله شدة الغيرة على سرعة الإيقاع والعقوبة من غير إعذار منه ، ومن غير قبول لعذر من اعتذر إليه ، بل يكون له في نفس الأمر عذر ولا تدعه شدة الغيرة أن يقبل عذره ، وكثير ممن يقبل المعاذير يحمله على قبولها قلة الغيرة حتى يتوسع في طرق المعاذير ، ويرى عذرا ما ليس بعذر ، حتى يعتذر كثير منهم بالقدر ، وكل منهما غير ممدوح على الإطلاق . وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن من الغيرة ما يحبها الله ، ومنها ما يبغضها الله ، فالتي يبغضها الله الغيرة من غير ريبة وذكر الحديث . وإنما الممدوح اقتران الغيرة بالعذر ، فيغار في محل الغيرة ، ويعذر في موضع العذر ، ومن كان هكذا فهو الممدوح حقا . ولما جمع سبحانه صفات الكمال كلها كان أحق بالمدح من كل أحد ، ولا يبلغ أحد أن يمدحه كما ينبغي له ، بل هو كما مدح نفسه وأثنى على نفسه ، فالغيور قد وافق ربه سبحانه في صفة من صفاته ، ومن وافق الله في صفة من صفاته قادته تلك الصفة إليه بزمامه ، وأدخلته على ربه ، وأدنته منه ، وقربته من رحمته ، وصيرته محبوبا ، فإنه سبحانه رحيم يحب الرحماء ، كريم يحب الكرماء ، عليم يحب العلماء ، قوي يحب المؤمن القوي ، وهو أحب إليه من المؤمن الضعيف ، حتى يحب أهل الحياء ، جميل يحب أهل الجمال ، وتر يحب أهل الوتر . ولو لم يكن في الذنوب والمعاصي إلا أنها توجب لصاحبها ضد هذه الصفات وتمنعه من الاتصاف بها لكفى بها عقوبة ، فإن الخطرة تنقلب وسوسة ، والوسوسة تصير إرادة ، والإرادة تقوى فتصير عزيمة ، ثم تصير فعلا ، ثم تصير صفة لازمة وهيئة ثابتة راسخة ، وحينئذ يتعذر الخروج منهما كما يتعذر الخروج من صفاته القائمة به . والمقصود أنه كلما اشتدت ملابسته للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس ، وقد تضعف في القلب جدا حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره ، وإذا وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك . [ ص: 68 ] وكثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح ، بل يحسن الفواحش والظلم لغيره ، ويزينه له ، ويدعوه إليه ، ويحثه عليه ، ويسعى له في تحصيله ، ولهذا كان الديوث أخبث خلق الله ، والجنة حرام عليه ، وكذلك محلل الظلم والبغي لغيره ومزينه له ، فانظر ما الذي حملت عليه قلة الغيرة . وهذا يدلك على أن أصل الدين الغيرة ، ومن لا غيرة له لا دين له ، فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح ، فتدفع السوء والفواحش ، وعدم الغيرة تميت القلب ، فتموت له الجوارح ؛ فلا يبقى عندها دفع البتة . ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه ، فإذا ذهبت القوة وجد الداء المحل قابلا ، ولم يجد دافعا ، فتمكن ، فكان الهلاك ، ومثلها مثل صياصي الجاموس التي تدفع بها عن نفسه وولده ، فإذا تكسرت طمع فيها عدوه . المصدر الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي
|
||
|
![]() |
![]() |
#2 | ||
|
![]() اللهم اغفر لنا ما اسررنا وما اعلنا انك انت الغفور الرحيم
|
||
|
![]() |
![]() |
#3 | ||
|
![]() اللهم آمين
|
||
|
![]() |
![]() |
#4 | ||
|
![]() جزاك الله خير الجزاء أخي الحبيب محمد بن فهد
|
||
|
![]() |
![]() |
#5 | ||
|
![]() اللهم آمين
|
||
|
![]() |
![]() |
#6 | |||
|
![]()
|
|||
|
![]() |
![]() |
#8 | ||
|
![]() رحم الله والدينا ووالديك والمسلمين اجمعين
|
||
|
![]() |
![]() |
#9 | ||
|
![]() رحم الله والدينا ووالديك والمسلمين اجمعين
|
||
|
![]() |
![]() |
#11 | ||
|
![]() رحم الله والدينا ووالديك والمسلمين اجمعين
|
||
|
![]() |
![]() |
#14 | ||
|
![]() رحم الله والدينا ووالديك والمسلمين اجمعين
|
||
|
![]() |
![]() |
#15 | ||
|
![]() رحم الله والدينا ووالديك والمسلمين اجمعين
|
||
|
![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
إعلانات نصية |
منتديات صحيفة وادي الدواسر الالكترونية | |||
![]() |
![]() |
||