بقلم: عائض بن سعد الدوسري
لم يكن البيان المنسوب للمركز الإعلام العراقي في العاصمة الأمريكية واشنطن، الذي زعم تعرض عدد من المعتمرين العراقيين الشيعة للضرب على يد عناصر من الأمن السعودي، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا حلقة ضمن سلسلة طويلة -بدأت في الماضي وسوف تستمر إلى ما شاء الله- لإزكاء روح الكراهية بين المسلمين، ورمي المزيد من الحطب والوقود المشتعل في نار الفتن الطائفية.
فمع كون هذه الإشاعة الطائفية البغيضة محض كذب وافتراء، إلا أنها تتجاوز مسألة كونها كذبة إعلامية بخصوص حدثٍ معين، لتجسد في حقيقتها مخطط بالغ الخطورة لتكرار التجربة العراقية الدامية في مناطق ودول أخرى، وتهيأت المنطقة للاحتراب الداخلي، وتحويلها إلى بؤر صراع طائفية، وما ضرام النار إلا من مستصغر الشرر!
إن معطيات هذا الخبر تتنافى وطبيعة الأوضاع في الحرم المكي الشريف، حيث أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا توجد في الحرم المكي، وإنما الأمر موكول لعناصر الأمن وجهاز خاص وهو الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي للحفاظ على أمن ورعاية الحجاج والمعتمرين، الذين يسهرون على توفير الأمن والاستقرار ليؤدي جميع زوار بيت الله الحرام مناسك العمرة أو الحج بسلام آمنين. ولذا فإن هذه الإشاعة مجرد دعايات سياسية الهدف منها الإساءة للمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، وأهل السنة والجماعة على وجه العموم، وتهديد أمنهم واستقرارهم.
إن الذي أخشاه أن يكون الهدف من بيان المركز الإعلامي العراقي الذي تناقلته عدد من الأوساط الإعلامية الشيعية والقنوات الفضائية الشيعية، هو ضرب الوحدة الوطنية في المملكة العربية السعودية. لقد أصبح واضحاً للعيان أن السعودية تواجه هجوماً إعلامياً وميدانياً من قطبي التطرف في العالم الإسلامي، وهما: القاعدة والمتطرفين الشيعة، وهذا التحالف النكد هدفه هو ضرب الإسلام الوسطي الذي ترعاه السلطات السعودية، وأعتقد أن هنالك حملة منظمة ضد المملكة تستهدف التشكيك في مصداقية إسلامها.
ولا استبعد أن يقوم المتطرفون بافتعال الحوادث واستثمارها بهدف ضرب الإسلام الوسطي المعتدل الذي تسير على نهجه المملكة العربية السعودية، التي ظلت منذ قيامها دولة مستقرة وثابتة على الاعتدال ورعاية شؤون المسلمين في المملكة وفي كل أنحاء العالم.
إن ما يعزز من هذه المخاوف هو نصوص صريحة صادرة عن عدد من قيادات وأئمة الشيعة في العالم، وصلت ببعضهم إلى القول بأن مهمة تحرير المسجد الأقصى يجب أن تسبق أولا بتحرير مكة المكرمة والمدينة المنورة من سيطرة من يسمونهم بـ (النواصب).
فهذا الشيخ الشيعي المتطرف المقيم في لندن (ياسر الحبيب) يقول ويصرح : (أن مساجد أهل السنة يجب أن تهدم ويجب أن لا يتراجع عن هذه المسألة، قوانين الله يجب أن تطبق، بدون محاباة، وبدون مراعاة لأحد). ويقول (ياسر الحبيب) بالحرف الواحد: ( مكة والمدينة اليوم تحت الاحتلال ويجب تحريرهما)(1).
وقد قال عضو كتلة الوفاق الإسلامية النائب الشيعي (حمزة الديري) : (شيوخ أهل السنة وعلماءهم وأئمة الحرم نواصب، وإن صلاتكم في المسجد الحرام تعتبر صلاة وراء ناصبي)(2).
وإذا كانوا يعتبرون أن أهل السنة والجماعة نواصباً وأنهم يحتلون مكة المكرمة والمدينة المنورة، فإن علماء المذهب الشيعي قد اعتبروا أن (النواصب) حلال الدم والمال والعرض، بل حببوا قتلهم وسفك دمائهم، وهذا ما نص عليه أكبر مرجع علمي شيعي في وقته وهو (يوسف البحراني)(3) وكذلك نص الشيخ الشيعي الشهير (نعمة الله الجزائري) على جواز قتل النواصب واستباحة أموالهم(4).
إنني أخشى من تلك الإشاعات الكاذبة على الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية بين المسلمين جميعاً، واعتقد جازماً أن الذي يفترون تلك الأكاذيب ويختلقونها، إنما يخدمون مصالح أعداء الأمة الإسلامية وأعداء الوطن العربي.
وإنني أدعو مراجع الشيعة وقيادتها إلى الحرص على بث روح التسامح والصدق بين أفراد الشيعة وأقول لهم: إن شحن الشارع الشيعي بالكراهية والتطرف وإقصاء المخالفين لن يصب إلا في مصلحة أعداء الأمة وأعداء الوطن، فليتقوا الله في الأمة الإسلامية.
ولي وقفات سريعة مع هذا الخبر:
أولاً: لا يشك عاقل أن هذا الخبر وأمثاله محض افتراء وكذب، وأنه إنما يأتي في سياق الحملة الطائفية التي تُشجع على اختلاق الأكاذيب على الخصوم، فليس هناك شيء جديد.
فقد قال الخميني عن المسلم غير الشيعي: (غيرنا ليسوا بإخواننا وإن كانوا مسلمين.. فلا شبهة في عدم احترامهم بل هو من ضروري المذهب كما قال المحققون، بل الناظر في الأخبار الكثيرة في الأبواب المتفرقة لا يرتاب في جواز هتكهم والوقيعة فيهم، بل الأئمة المعصومون، أكثروا في الطعن واللعن عليهم وذكر مساوئهم)(5).
وقد أكد الخميني جواز الافتراء والقذف على المخالفين في المذهب الشيعي(6)!
وكذلك أكد شيخهم الأنصاري: أنه لا غيبة ولا كرامة ولا حرمة لغير الشيعي، فيجوز اغتياب المخالف، كما يجوز لعنه(7).
ونسبوا كذباً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه حث وشجع على الكذب والبهتان على المخالفين، والطعن عليهم وإهدار كرامتهم، واختلاق الإشاعات عليهم، والإكثار من سبّهم (8).
وهذه الرواية صححها الشهيد الثاني(9)، ومحققهم الأردبيلي(10)، وعبدالله الجزائري(11)، وقال بتصحيحها أيضاً محققهم البحراني حيث قال: (ورد في جملة من الأخبار جواز الوقيعة في أصحاب البدع ومنهم الصوفية، كما رواه في الكافي في الصحيح)(12)، ومحققهم النراقي حيث قال بعد تصحيح الرواية السابقة: (فتجوز غيبة المخالف، والوقيعة:الغيبة..وتؤكده النصوص المتواترة الواردة عنهم في طعنهم ولعنهم وتكفيرهم، وأنهم شر من اليهود والنصارى، وأنجس من الكلاب)(13)، وكذلك شيخهم الأنصاري(14)، ومرجعهم الأكبر الخوئي حيث قال: (قد دلت الروايات المتضافرة على جواز سب المبتدع في الدين ووجوب البراءة منه واتهامه)(15).
كما صححها –أيضاً- مرجعهم الكلبايكاني حيث قال: (وأما المبتدع فيجوز ذكره بسوء لأنه مستحق للاستخفاف)(16)، ومرجعهم محمد سعيد الحكيم(17)، و الروحاني(18)، والطريحي حيث قال معلقاً: (فاعلم أنه لا ريب في اختصاص تحريم الغيبة بمن يعتقد الحق، فإن أدلة الحكم غير متناولة لأهل الضلال كتاباً ولا سنة)(19)، وعلامتهم المجلسي(20).
قال مرجعهم المعاصر الخوئي: (ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين ووجوب البراءة منهم، وإكثار السب عليهم، واتهامهم، والوقيعة فيهم: أي غيبتهم، لأنهم من أهل البدع والريب. بل لا شبهة في كفرهم)(21).
ثم قال بعدها: ( الوجه الثالث : أن المستفاد من الآية والروايات هو تحريم غيبة الأخ المؤمن، ومن البديهي أنه لا أخوة ولا عصمة بيننا وبين المخالفين)(22).
وقال سيدهم الروحاني: (جواز غيبة المخالف من المسلّمات عند الأصحاب)(23).
ويقول شيخهم الصادق الموسوي معلقاً على رواية منسوبة للسجاد تشبه ما نسبوه لنبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الإمام السجاد يجيز كل تصرف بحق أهل البدع.. من قبيل البراءة منهم وسبهم وترويج شائعات السوء بحقهم والوقيعة والمباهتة، كل ذلك حتى لا يطمعوا في الفساد في الإسلام وفي بلاد المسلمين وحتى يحذرهم الناس لكثرة ما يرون وما يسمعون من كلام السوء عنهم هكذا يتصرف أئمة الإسلام لإزالة أهل الكفر والظلم والبدع فليتعلم المسلمون من قادتهم وليسيروا على منهجهم ).(24)!!
ثانياً: أن الأمة الإسلامية اليوم تعيش حالة احتقان شديدة، وتماس طائفي، وكان المفترض بعقلاء الشيعة أن يُحسنوا التصرف مع الأحداث التي تقع بين السنة والشيعة، وأن يُفسروها بأحسن احتمال، درءاً للفتنة، ورأباً للصدع. للكن للأسف الشديد أن يقوموا باختلاق الأحداث، وتركيب الأكاذيب، وخلق الإشاعات، لشق الصف الإسلامي والعربي، مستغلين مكانة الحرمين الشريفين أبشع استغلال!
ثالثاً: كل من زار مكة للحج أو العمرة، أو زار المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي الشريف، علم علماً قاطعاً أن تلك أكاذيب، فما يراه المعتمر أو الحاج من تفاني أجهزة الأمن السعودية في خدمة وراحة ضيوف بيت الله يعلمون أن تلك العيون التي تسهر على راحتهم وتبذل أرواحها ومالها لخدمتهم يستحيل عليها أن تؤذي أي ضيف من ضيوف الله، كيف لا وهناك أوامر صارمة وجازمة من قبل الحكومة السعودية لجميع الأجهزة الأمنية والخدمية ببذل غاية ما يمكن لخدمة ضيوف بيت الله، أضف إلى ذلك ما عُرف به الشعب السعودي من كرم الضيافة ونخوة العروبة، التي تأبى أن يصدر من أحدهم مثل تلك التصرفات!
فوا أسفاه، أن تصدر الأكاذيب ضد مكة المكرمة وأهلها من مسلمين! و أسفاه، أن يروج عاقل أو شبه عاقل لإشاعات تخدم أعداء الإسلام!
رابعاً: هذه الإشاعة ليست يتيمة، بل سبقها أكاذيب كثيرة تحاول تشويه سمعة المملكة العربية السعودية، فمن كذبة وجود فتوى من قبل علماء السعودية لهدم مساجد الشيعة إلى هذه الكذبة إلى كذبات كثيرة نتوقع صدورها منهم في القريب العاجل.
لكنني أحذر العالم الإسلامي والعربي أن هؤلاء يحاولون أن يصنعوا أحداث عنفٍ وإرهاب بتصريحاتهم تلك، وأنهم بتلك الإشاعات يهيئون الأجواء للحرب الطائفية، فأي حدث –لا قدر الله- قد يقع في المستقبل فهؤلاء هم أول من يتحمل مسؤوليته، فما حصل على يد القرامطة، وما حصل بعده بقرون أي عام 1407هـ "حوادث التفجيرات" وما حدث في عام 1409هـ وما جاء بعده يذكرنا بالتصريحات التي سبقته بسنوات ومهدت للعصابات الإرهابية التي أرادت الإلحاد في الحرم فرد الله كيدهم في نحورهم.
خامساً: هذا نداء لعلماء والأئمة وعامة الأمة، بأن لا ينخدعوا بمثل تلك الإشاعات الطائفية المغرضة، والتي تهدف إلى التهيئة إلى الحروب الطائفية، وأن ينتبهوا لما يريده منهم دعاة الفتنة والتطرف، وأن يتحدوا وليقفوا صفاً واحداً في وجه هؤلاء الذين يبغونها فتنة، ويبغون أن تعود الكراهية والطائفية الدموية جذعة في سائر بلدان أهل السنة والجماعة.
------------------------
(1) المصدر: أشرطة فيديو يوزعها ويبثها هذا الشيخ المتطرف من لندن.
(2) المصدر: جريدة أخبار الخليج البحرينية، العدد: 10726 الأحد 22 رجب 428 هـ، 5 أغسطس 2007 م . وجريدة الوقت البحرينية.
(3) كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة (12/ 323 - 324).
(4) الأنوار النعمانية (2/307)
(5) المكاسب المحرمة - الخميني (1 / 251) الطبعة الثالثة 1410هـ، مطبعة إسماعيليان، قم.
(6) المكاسب المحرمة (1 / 251).
(7) كتاب المكاسب- الأنصاري (1/ 319) الطبعة الأولى 1415هـ، مطبعة باقري، قم.
(8) الكافي- الكليني: (2/360 ).
(9) مسالك الأفهام (14/434).
(10) مجمع الفائدة (13/163).
(11) التحفة السنية (ص31).
(12) الحدائق الناضرة (18/164).
(13) مستند الشيعة (14/162).
(14) المكاسب (1/353).
(15) مصباح الفقاهة (1/281).
(16) الدر المنظور (2/148).
(17) مصباح المنهاج (ص359).
(18) فقه الصادق (14/296).
(19) مجمع البحرين (3/343)
(20) بحار الأنوار (72/235).
(21) مصباح الفقاهة (1/504).
(22) مصباح الفقاهة (1/505).
(23) فقه الصادق (14/345).
(24) نهج الانتصار (ص 152). وانظر: تنبيه الخواطر (2 / 162)، وسائل الشيعة (11 /508).
منقول من الساحات