بسم الله الرحمن الرحيم 
المعاصي تضعف في القلب تعظيم الرب
ومن عقوبات الذنوب :
أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله ، وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد،
شاء أم أبى ، ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه ،
وربما اغتر المغتر ، وقال : إنما يحملني على المعاصي حسن الرجاء ، وطمعي
في عفوه ، لا ضعف عظمته في قلبي ، وهذا من مغالطة النفس ؛ فإن عظمة
الله تعالى وجلاله في قلب العبد تقتضي تعظيم حرماته ، وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب،
والمتجرئون على معاصيه ما قدروا الله حق قدره ، وكيف يقدره حق قدره ،أو يعظمه ويكبره،
ويرجو وقاره ويجله ، من يهون عليه أمره ونهيه ؟ هذا من أمحل المحال ،
وأبين الباطل ، وكفى بالعاصي عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله ،وتعظيم حرماته ، ويهون عليه حقه .
ومن بعض عقوبة هذا :
أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق ، ويهون عليهم،ويستخفون به ،كما هان عليه أمره واستخف به ،
فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس ، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الخلق ، وعلى قدر تعظيمه لله وحرماته يعظمه الناس ،
وكيف ينتهك عبد حرمات الله ، ويطمع أن لا ينتهك الناس حرماته أم كيف يهون
عليه حق الله ولا يهونه الله على الناس ؟ أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق ؟
[ ص: 70 ] وقد أشار سبحانه إلى هذا في كتابه عند ذكر عقوبات الذنوب ،
وأنه أركس أربابها بما كسبوا ، وغطى على قلوبهم ، وطبع عليها بذنوبهم ،
وأنه نسيهم كما نسوه ، وأهانهم كما أهانوا دينه ، وضيعهم كما ضيعوا أمره ،
ولهذا قال تعالى في آية سجود المخلوقات له: ومن يهن الله فما له من مكرم [سورة الحج : 18]
فإنهم لما هان عليهم السجود له واستخفوا به ولم يفعلوه أهانهم الله فلم يكن
لهم من مكرم بعد أن أهانهم الله ، ومن ذا يكرم من أهانه الله ؟ أو يهن من أكرمه الله ؟
اقتطفته لكم من كتاب:الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي
لـ ابن قيم الجوزية