َقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرَّوْحِ الْكُبْرَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَهَابَةِ وَالْكِبْرِ:
إنَّ الْمَهَابَةَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ امْتِلَاءِ الْقَلْبِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِجْلَالِهِ , فَإِذَا امْتَلَأَ الْقَلْبُ بِذَلِكَ حَلَّ فِيهِ النُّورُ , وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ , وَأُلْبِسَ رِدَاءَ الْهَيْبَةِ , فَاكْتَسَى وَجْهُهُ الْحَلَاوَةَ وَالْمَهَابَةَ , فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ الْقُلُوبِ مَحَبَّةً وَمَهَابَةً , فَحَنَّتْ إلَيْهِ الْأَفْئِدَةُ , وَقَرَّتْ بِهِ الْعُيُونُ , وَأَنِسَتْ بِهِ الْقُلُوبُ , فَكَلَامُهُ نُورٌ , وَمَدْخَلُهُ نُورٌ , وَمَخْرَجُهُ نُورٌ , وَعِلْمُهُ نُورٌ , إنْ سَكَتَ عَلَاهُ الْوَقَارُ , وَإِنْ تَكَلَّمَ أَخَذَ بِالْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ .
وَأَمَّا الْكِبْرُ فَأَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْعُجْبِ وَالْبَغْيِ مِنْ قَلْبٍ قَدْ امْتَلَأَ بِالْجَهْلِ وَالظُّلْمِ , تَرَحَّلَتْ مِنْهُ الْعُبُودِيَّةُ وَنَزَلَ عَلَيْهِ الْمَقْتُ , فَنَظَرُهُ إلَى النَّاسِ شَزْرٌ , وَمَشْيُهُ بَيْنَهُمْ تَبَخْتُرٌ , وَمُعَامَلَتُهُ لَهُمْ مُعَامَلَةُ الِاسْتِيثَارِ لَا الْإِيثَارِ , وَلَا الْإِنْصَافِ , ذَاهِبٌ بِنَفْسِهِ تِيهًا , لَا يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ , وَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ رَأَى أَنَّهُ قَدْ بَالَغَ فِي الْإِنْعَامِ عَلَيْهِ , لَا يَنْطَلِقُ لَهُمْ وَجْهُهُ , وَلَا يَسَعُهُمْ خُلُقُهُ , وَلَا يَرَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقًّا , وَيَرَى حُقُوقَهُ عَلَى النَّاسِ , وَلَا يَرَى فَضْلَهُمْ عَلَيْهِ , وَيَرَى فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ , وَلَا يَزْدَادُ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا , وَلَا مِنْ النَّاسِ إلَّا صَغَارًا وَبُغْضًا .
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب محمد بن أحمد بن سالم السفاريني
دار النشر مؤسسة قرطبة ط2