وفقكم الله
من فوائد الإيجاز أنك تأخذ زبدة المسالة و من بعدها تنطلق في الاستفصال
و الزبدة أخي الحبيب
أن الناس أحد اثنين:
أهل الذكر ( وهم العلماء و طلبة العلم ) و الذين لا يعلمون ( وهم البقية من عوام المسلمين )
و الله تعالى أرشدنا إلى سؤال أهل الذكر عند بغية المعرفة
فمثل هذه الأحاديث الأسلم -في نظري- أن تسأل فيها إذا استشكلت معناها و لاتحاول أن تجتهد
في تفسير النصوص من خاصة نفسك !
هذا من الجانب التربوي ، و أما الجانب العلمي :
فيقول العلماء أن الأصل في الأوامر المجردة عن القرينة أنها تفيد الوجوب
ما لم يصرفها صارف
و الصوارف هي القرائن التي تبيّن أن الوجوب غير مراد بالأمر :
أمثلة :
الأمر يكون للإرشاد : (َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ )(البقرة: من الآية282) فكتابة الدين ليس واجباً لأن الأمر فيه إرشاد لمصلحتك الدنيوية حتى لا تضيع عليك،و أنت بكيفك، لكن الله أرشدك و نبّهك لئلا يضيع حقك !
و الأمر يكون للتسوية بين الأمرين : (اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الطور:16)
فهذا ليس فيه معنى الوجوب لأهل النار.
و الأمر قد يكون معناه للتعجيز : (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً) (الاسراء:50)
أهو يأمرهم للامتثال ؟! بالطبع ..لا .فهذا الأمر ليس للوجوب .
و يكون معناه التسخير أو التكوين : (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (لأعراف:166)
و يكون معناه الإباحة : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (لأعراف:31)
و يكون معناه التحدي : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23)
و الأمثلة كثيرة لأوامر ليست للوجوب، و العلماء يا أخي هم من يعرفون كيفية التفريق بينها.
و الحديث الذي سألت عنه، قال فيه العلماء بأن الأمر بحف الشارب للاستحباب،
لأن ما جاء في باب الآداب يعتبر صارفاً للأمر من الوجوب إلى الندب ( وهذا فيه نقاش )
و المسألة طويلة كما قال الشيخ أبو عبدالرحمن
لكن هذا لتأخذ تصوراً مبدئياً
و الخلاصة أن جميع الأوامر الأصل فيها أنها للوجوب و أن جميع النواهي الأصل فيها أنها للتحريم ما لم تقترن بها القرينة الصارفة لهما.
و باب القرائن كُتبت فيه كتبٌ و مؤلفات تدرس في علم ( أصول الفقه )
وهو من علوم المجتهدين
جزاكم الله خيرا