أخطر آفات السلوك التسرع والاندفاع في الحكم على الآخرين ، وأن ننصب من أنفسنا قضاة نحكم باستحقاق هذا أو ذاك رحمة الله أو لعنته ، والمتأمل يجد أن مجافاة الإسلام لهذه الآفة تنبع من منافاتها لطبيعة الإيمان الصادق الذي من أخص خصائصه الرفق بالخلق .
فالمؤمن قلبه معلق بالله يرتشف من رحيق رحمته ما يرحم به الآخرين ، ومن عذب رأفته وعطفه ما يبر به من حوله وبهذا ينسجم الإيمان مع كل معاني الرفق والعطف وينفر من كل غلظة وفظاظة وجحود .
واللعنة بمعناها الشامل المتضمن الطرد من رحمة الله تعالى تمثل أحد مظاهر هذا الاندفاع المذموم الذي تصدى له النبي في منهجه التربوي بالعديد من المناهي والتوجيهات فيقول
( إني لم أبعث لعانا و إنما بعثت رحمة ) رواه مسلم عن أبي هريرة ...
( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود
( لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ) رواه مسلم عن أبي هريرة
( لا يكون المؤمن لعانا ) رواه الترمذي عن ابن عمر
وعن أبي الدرداء قال رسول الله ( إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها ) رواه أبو داود ــ
وعن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد [ جمع نجد وهو متاع البيت الذي يزينه من فرش ونمارق وستور ] من عنده فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه فلما أصبح قالت له أم الدرداء سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته ، سمعت أبا الدرداء يقول قال رسول الله ( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ) رواه مسلم ــ
( شفعاء ) أي لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار ( ولا شهداء ) أي لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات ، وقيل لا يرزقون الشهادة في سبيل الله
وعن ثابت بن الضحاك عن النبي قال ( لعن المؤمن كقتله .. ) رواه البخاري ــ
ولعل في هذه الكثرة من الأحاديث النبوية ما يؤكد على خطورة أمر اللعنة ، وضرر المجازفة الحمقاء في طرد الآخرين من رحمة الله في غرس معاني الكره والنفرة في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه المجتمع الإيماني متماسكا برباط المودة والحب ، أفراده كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا
بل تتجلى جدية الرسول في نزع جذور هذه الآفة من النفوس في أكثر من موقف مع أصحابه الكرام فتارة مرشدا وتارة مستنكرا وتارة معاقبا
وعن أبي الدرداء قال رسول الله ( إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها ) رواه أبو داود
وعن ابن عباس أن رجلا لعن الريح عند النبي فقال ( لا تلعن الريح فإنها مأمورة وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه ) رواه الترمذي وأبو داود ــ
وعن عمران بن حصين قال بينما رسول الله في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله فقال ( خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة قال عمران فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد ) رواه مسلم ــ
د/ خالد سعد النجار