لا شك بأن هدفنا الرئيسي في ذكر القصص القديمة للفرسان الأوائل هو توثيق تاريخ الجزيرة العربية وأخذ العظة والعبرة من حياة الأجداد وأن نحمد الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة التي نعيش فيها اليوم من أمن وأمان ورغد في العيش سائلين الله أن لا يغير علينا هذه النعمة وأن يعفو عنا وعنهم ويجمعنا بهم في جنات النعيم برحمته إنه على ذلك قدير..
لقد كان الغزو من عادات القبائل في الجزيرة العربية ويعتبر مصدر رزقهم وعليه يعيشون وكانت ظروفهم القاسية هي التي أجبرتهم على الغزو والسطو, وكانوا على ما هم فيه من جهل إلا أنهم يتحلون بالشهامة والشيمة والنخوة العربية فلا يأخذون الضعيف ولا يقتلون الأعزل والأطفال ولا يسبون النساء..
ومن غزوات قبيلة بني الحارث المشهورة غزوة الجنوب حيث يقال ركب امير بني الحارث الفارس شرار بن مهرس " أخو فاحه " وقومه الشدادين من بني الحارث يرافقهم الشيخ الفارس حبيليص بن عديس وأخيه الشيخ مشعان بن عديس وقومهما العمور من الشيابين من عتيبة حيث كانوا في جوار الشيخ شرار بن مهرس ورافقهم كذلك الشيخ الفارس حسين بن حريش وفرسان ذوي حطاب ومن معهم من فرسان بني الحارث وتوجهوا جهة الجنوب, فكان كل ما أرسل الأمير شرار بن مهرس سبوره لا يجدون عرب يغزون عليهم فأخذوا على هذا الحال خمسة أيام, فواصلوا مسيرهم جنوباً حتى أصبحت الطرق أمامهم صعبة ومخيفة فأخذ ينشد الأمير حسين بن حريش أبياتاً يعبر فيها عن حالهم وما وصلوا إليه من تعب وهم لم يجدوا الإبل ويقول فيها:
يا راكب ٍ هباع من عقـب مربـاع == يرعى الحياء لين أشمخن الجنوبـي
أركب عليه اشريق والنور شعشـاع == والـدرب بيّـن لا تـزل الدروبـي
تلفي عشيري خاضبن روس الأصباع == متريّـح ٍ مـا ذاق لفـح الهبـوبـي
لا واهني العذب مـا ذاق الأوجـاع == ولا شافنا فـوق الركايـب تعوبـي
فعندما قيّلوا القوم بعد الظهر وجدها الشيخ حبيليص بن عديس فرصة ليداعب الشاعر فريج الصانع وهو صانع الشيخ شرار بن مهرس وكان المسؤول عن أحذية الخيل وكان يحد الرماح والشلف وهو شجاعاً بارع وكان يرافقهم في مغازيهم وكان شاعراً مجيداً وله قصائد كثيرة, فقال الشيخ حبيليص بن عديس هذه الأبيات مداعباً فريج الصانع:
يا فريج باه الشوف من كثر الأرواع == وبكره تشيّب بـك ديـار الجنوبـي
والله لتنسى اللي جديله يجـي بـاع == اللي مع أطراف الجماعة نصوبـي
فكان فريج الصانع مقيّل في الغار وبجانبه الشيخ مشعان بن عديس أخو حبيليص ولما سمعوا أبيات حبيليص قال مشعان بن عديس يا فريح رد على حبيليص وقل:
الله يقود إلنا الرجاء يم الأسناع == حتى ليا جينا الحبيّب نتوبـي
وكانوا يريدون إثارة فريج الصانع وتذكريه زوجته وكان فريج الصانع معروفاً بشعر الغزل وله الكثير من القصائد مثل قوله في الغزل:
يا بكرتين ٍ واردني علـى عـن == جرد الرقاب ووسمهن من يميني
حتيش لو أن الصوينع ذكرهـن == ما هن للصانع مـن الذاكرينـي
فقال الشاعر فريج الصانع رداً على مشعان بن عديس:
يا مرحبـا يـا واحـد ٍ جيـت فـزاع == بـغـا يعـاونـي وعــوّد نكـوبـي
وأنا أحمد الله عارف ٍ كـل الأسنـاع == مع درب ( أخو فاحه ) مجرّي الهيوبي
شيخ ٍ يخلي قاسـي الـراس مطـواع == جريرتـه يشبـع عليـهـا القنـوبـي
فكان رد الشاعر فريج الصانع دافعاً للقوم ومنشطاً لهم لإكمال الغزو بعد ما طالت بهم الأيام وهم لم يجدوا الإبل, وفي إحدى الليالي جاء الفارس حزام بن سعود الشدادي إلى الشيخ شرار بن مهرس وقال: يا أخو فاحه أنا شفت في منامي إني في وادي الثفن والنجوم تطيح من السماء وتدخل في مخباي, فقال الشيخ شرار بن مهرس: هذا والله الحلم الزين أبشروا بالبل يا قوم البل ترى طماعتنا في وادي الثفن, ووادي الثفن وادي معروف في الجنوب وفعلاً عندما قدم الأمير شرار سبوره وجدوا الإبل المغاتير تجي ثمانية أذواد ومعها ذودين مجاهيم وما عندها غير الرعيان فعدوا عليها وأخذوها وظفروا بالإبل دون أن يحدث بينهم وبين أهل الإبل مواجهه, ورجعوا بالغنائم إلى أهلهم وكان قسم الفارس حزام بن سعود الشدادي من الإبل ناقة عفراء أسمها الريشاء وهي من أفضل الإبل أعطاه إيها الشيخ شرار بن مهرس أثناء توزيع الغنائم والذي كان يسمى عند البادية قديماً بـ( العزل), ولا يقوم بالعزل سوى أمير القبيلة ..