بسم الله الرحمن الرحيم
هذه خطبة منبرية قيمة للشيخ العلامة صالح الفوزان –حفظه الله تعالى وعاه وسدد خطاه- من كتاب *الخطب المنبرية في المناسبات العصرية* بعنوان البشارة بقدوم شهر رمضان المبارك ج1/57-60
قال **
الحمد لله الذي جعل لعباده مواسم يتقربون إليه فيها بأنواع الطاعات . فيغفرلهم الذنوب ويرفع لهم الدرجات . وأشهد أن لآ
إله إلآ الله. حكم فقدر.فشرع فيسر . ولآ يزال يفيض على عباده من أنواع البر والبركات . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أول سابق إلى الخيرات .صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه الذين كانوا يحافظون على طاعة ربهم في جميع الأوقات
ويخصون أوقاته الفضائل بمزيد من القربات . وسلم تسليما كثيراِِِ
أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أنه يجب على المسلم أن يعبد ربه ويطيعه في جميع مدة حياته . قال تعالى # واعبد ربك
حتى يأتيك اليقين # الحجر-99
قال بعض السلف- ليس لعمل المسلم غاية دون الموت. وينبغي له أن يخص مواسم الخير بمزيد اهتمام واجتهاد .وقدجعل الله مواسم للعبادة تضاعف فيها الحسنات أكثر من غيرها . ومن هذه المواسم شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرأن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان .فيا له من موسم عظيم الشأن . وقد قارب حلوله عليكم ضيفا مباركا و وافدا كريما .فاستقبلوه بالغبطة والسرور . و اشكروا الله إذا بلغكم إياه . واسألوه أن يعينكم على العمل الصالح فيه .واسألوه القبول .فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا الله بلوغ رمضان . فقد روى الطبراني وغيره عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بلوغ رمضان . فكان إذا دخل شهر رجب قال – اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان .
وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم فإذا بلغهم إياه دعوا الله أن يتقبله منهم – وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر المبارك . شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر – فقد روى ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما عن سلمان رضي الله عنه . قال – خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخر يوم من شعبان فقال – يا ايها الناس قد اظلكم شهر عظيم مبارك . شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر . جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا . من تقرب فيه
بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه . ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه
وهو شهر الصبر . والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة .وشهر يزاد فيه الرزق ومن فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه
وعتق رقبته من النار .وكان له مثل أجره من غيرأن ينقص من أجره شيء .قالوا يارسول الله – ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم –يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائما على مذقة لبن أو تمر أو شربة ماء
ومن سقى صائما سقاه الله عزوجل من حوضي شربة لآ يضمأ بعدها حتى يدخل الجنة ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار حتى يدخل الجنة . وهو شهر أوله رحمة . وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار . فاستكثروا فيه من أربع خصال خصلتين ترضون بهما ربكم. وخصلتين لآ غنى بكم عنهما .أما خصلتان اللتان ترضون بهما ربكم . فشهادة أن
لا إله إلا الله وتستغفرونه . وأما الخصلتان اللتان لآ غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار
عباد الله –لقد بين لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف فضل هذا الشهر وما فيه من الخيرات وحثكم على الإجتهادفيه بالأعمال الصالحة من فرائض ونوافل .من صلوات وصدقات . وبذل معروف وإحسان. وصبر على طاعة الله. وعمارة نهاره بالصيام وليله بالقيام . واجتهاد في الدعاء والذكر .وطلب لليلة القدرالتي خير من ألف شهر.
فلا تضيعوه بالغفلة والإعراض كحال الأشقياء الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم .فلا يستقيدون من مرور مواسم الخير عليهم .
ولا يعرفون لها حرمة . ولآ يقدرون لها قيمة .
فيا أيها العاصي تب إلى ربك .وانتبه لنفسك .واستقبل هذا الشهر بالإقبال على الله – فإن الله يغفر الذنوب جميعا .وداوم على التوبة والإستقامة في بقية عمرك . لعل الله أن يختم لك بالسعادة .ولعلك تكتب في هذا الشهر من جملة العتقاء من النار ..
شهر رمضان تفتح فيه أبواب الجنان . وتغلق فيه أبواب النيران. ويصفد فيها كل شيطان .وتتنزل فيه الخيرات من الرحمن .
شهر عظمه الله فاعظموه .وضيف كريم سينزل بكم فأكرموه . واحمدوا الله على بلوغه واشكروه.
عباد الله- كثير من الناس لآ يعرفون هذا الشهر إلا أنه شهر لتنويع المأكل والمشارب فيبالغون في إعطاء نفوسهم ما تشتهي
ويكثرون من شراء الكماليات التي لا داعي لها –ومعلوم أن الإكثار من الأكل يكسل عن الطاعة- والمطلوب من المسلم في هذا الشهر أن يقلل من الطعام حتى ينشط للعبادة. والبعض الأخر من لا يعرف شهررمضان إلا أنه شهر النوم والبطالة
فتجده معظم نهاره نائما فينام حتى عن أداء الصلاة المفروضة .والبعض الأخر من الناس لا يعرف شهر رمضان إلا أنه وقتللسهر في الليل على اللهو واللعب والغفلة فإذا فرغ من سهره تسحر ونام عن صلاة الفجر- والبعض الأخر يجلس على مائدة إفطاره ويترك صلاة المغرب مع الجماعة . هذا ماعليه كثير من الناس اليوم في شهر رمضان –إنهم يضيعون فيه
الواجبات ويرتكبون فيه المحرمات . ولا يخشون الله ولا يخافونه – فما قيمة رمضان عند هؤلاء وماذا يستفيدون منه.
والبعض الأخر من الناس – لا يعرفون شهر رمضان إلا أنه موسم للتجارة وعرض السلع فينشطون على البيع والشراء فيه
ويلازمون الأسواق ولا يحضرون المساجد إلا قليلا من الوقت وعلى عجل .فصار رمضان عندهم موسما للدنيا لآ للأخرة .
يطلب فيه العرض الفاني . ويترك النافع الباقي . وصنف أخر من الناس لا يعرف شهر رمضان إلا أنه وقت للتوسل في
المساجد و الشوارع فيمضي أوقاته بين ذهاب وإياب . ويظهر نفسه بمظهر الفقر والفاقة وهو كذاب مخادع .أو يظهر نفسه بمظهرالمصاب بالافات وهو سليم معافى –فيجحد نعمة الله. ويأخذ المال بغير حق ويضيع وقته الغالي فيما هو مضرة عليه.
فهذا قدر شهر رمضان في عرف هذه الأصناف من الناس . وهذا من أعظم الحرمان لهم وأشد المصائب عليهم .حيث ضيعوا الفرصة على أنفسهم . وأعرضوا عن فوائد هذا الشهر وصرفوا أوقاته في غبر ماهيئت له.
عباد الله –كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في هذا الشهرأكثر مما يجتهد في غيره بل كان يتفرغ فيه من كثير من المشاغل ويقبل على عبادة ربه. وكان السلف الصالح يهتمون بهذا الشهر غاية الإهتمام ويتفرغون فيه للتقرب إلى الله
بالأعمال الصالحة.كانوا يجتهدون في قيام ليله وعمارة اوقاته بالطاعة – قال الزهري رحمه الله –إذا دخل رمضان إنماهو
تلاوة القرأن وإطعام الطعام . وكانوا يحرصون على الجلوس في المساجد ويقولون – نحفظ صومنا ولا نغتاب أحد – وكانوا
يحرصون على صلاة التراويح ولآ ينصرفون منها حتى ينصرف الإمام . وقد قال صلى الله عليه وسلم – من قام رمضان
إيمانا و احتسابا غفر له ماتقدم من ذبه – متفق عليه . و قد قال صلى الله عليه وسلم –من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة- رواه أهل السنن.
فاتقوا الله أيها المسلمون وحافظوا على شهركم . وأكثروا فيه من طاعة ربكم . لعلكم تكتبون مع الفائزين .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرأن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم
الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخريريد الله بكم اليسر ولآ يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشركرون , وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوالي
وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون] .
وفق الله الجميع لفعل الخير , وحفظ السنة ,واجتناب البدعة