الطفل الخاص.. والصيام
لا شك أن من واجبنا تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة أن نساعدهم على اجتياز إعاقتهم، وأن نشعرهم بقرب لغة التفاهم والحوار، وأن نجعلهم يشاركوننا فرصة وبهجة المناسبات الدينية وتفعيل هذه الواجبات في صورة مادية ملموسة؛ فلا يشعر الطفل الخاص أنه مختلف أو غريب بين الناس؛ فعلى أفراد الأسرة بث الثقة فيه، وتأكيد مشاركته للآخرين، وتنشئته في بيئة سليمة طبيعية حتى يكون قادرًا على تحدي إعاقته.
التدريب على الصيام
تقول "أم هاجر": إن ابنتها سمية -إعاقة ذهنية- التي عمرها يبلغ 13 سنة بدأت تدريبها على الصيام منذ 3 أعوام، وتعيد تدريبها من جديد مع بداية كل رمضان؛ حيث تكون قد نسيت التعود على الامتناع عن الطعام والشراب لفترة من الوقت؛ فتمتنع عن الطعام، ثم تجدها تشرب الماء، فتذكرها بأنها صائمة وتشرح لها معنى الصيام، وهكذا حتى تبدأ التعود على صيام اليوم كله منذ منتصف رمضان.
أما إبراهيم -12 سنة- فإعاقته شديدة؛ فهو لا يدرك ولا يفهم معنى الصيام ولا يميز الأيام عن بعضها؛ حيث لم يبدأ الكلام إلا في السابعة من عمره، ويحتاج إلى من يرعاه ويرافقه عند قضاء حوائجه، فلم تستطع أمه أن تدربه على الصيام؛ لأنه يرفضه ويصر على طلب الطعام والشراب، ولا يعرف عن رمضان إلا الفوانيس.
بينما ترفض "أم محمد" أن يصوم ابنها الذي يبلغ من العمر 11 سنة، بالصف الثالث بمدرسة التربية الفكرية.. تدريبه على الصيام، رغم أن إعاقته خفيفة، كما أن زملاءه في المدرسة والمركز خفيفي الإعاقة مثله يصومون ولو بعض الأيام من رمضان.. إلا أن أمه ترى أنه يكفيه معاناته من الإعاقة، ولا داعي لتعذيبه بحرمانه من الطعام والشراب، وتكتفي بأن يعرف معنى رمضان والعيد ويشاركهم فرحتهم بهما ويمارس حياته معهم في البيت.
وتقول "منى سعيد" مديرة دار القدس لذوي الاحتياجات الخاصة بالقاهرة: استقبل الأطفال بالدار شهر رمضان الكريم مع أهل الخير؛ إذ يأتون إليهم بالفوانيس، ويحتفلون معهم بالشهر الكريم؛ فيدعونهم لتناول طعام الإفطار معهم خارج الدار، أو يقدمون إليهم الوجبات الجاهزة من أحد الفنادق، والمدركون منهم يصومون، أما الآخرين فيفهمون فقط معنى الصيام ورمضان، كما يحتفل أهل الخير معهم باستقبال عيد الفطر، ويقدمون إليهم الهدايا والملابس، وينظم الدار مسرحًا للعرائس أول أيام العيد ورحلة إلى مكان عام -ملاهٍ أو حدائق – ثاني أيام العيد.
بث الروح الدينية
واستطاعت والدة "مروة سيد" -14 سنة، تلميذة بالسنة التاسعة بمدرسة التربية الفكرية- أن تتدرج معها في الصيام حتى أصبحت تصوم رمضان كاملا منذ 3 سنوات؛ فهي تفهم أن الصيام امتناع عن الطعام والشراب، وتربط بين رمضان والفوانيس، وترى أمها أن فهم ابنتها للتعاليم الدينية وسيلة فعَّالة لتهذيب سلوكياتها؛ لذلك تستعمل معها الترغيب في الجنة، والترهيب من النار؛ فتفهم أن من يصوم يدخل الجنة التي فيها تفاح وعنب... إلخ.
وتتابعها فتوقظها للسحور، وعندما يؤذن الفجر تنبهها إلى الامتناع عن الطعام والشراب من الصباح حتى المغرب، وتعلمها الدعاء؛ فتراها تدعو لإخوتها عند الامتحان أو المرض، وترافقها إلى المسجد لسماع الدروس الدينية والصلاة مع الجماعة، وتفهم أن من يأخذ أشياء الآخرين أو يؤذيهم يدخل النار، وتحب الاستماع إلى البرامج الدينية في التليفزيون، وهكذا استطاعت الأم بتوجيه الاختصاصية وحضور الندوات أن تبث الروح الدينية لدى ابنتها منذ الصغر حتى إنها ارتدت الحجاب دون طلب من أمها.
متى يصوم الطفل الخاص؟
وعن وجوب الصوم على ذوي الاحتياجات الخاصة ومدى مطالبتهم بالأحكام الشرعية يقول الدكتور سعيد أبو الفتوح أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة عين شمس: إن المسلم الذي يجب عليه الصيام هو البالغ العاقل الخالي من الأعذار الشرعية؛ فإذا كان الطفل إعاقته جسدية كأن تكون بصرية أو سمعية أو حركية؛ فهذه الإعاقة لا تحول دون تكليفه بأداء فريضة الصيام، أما إذا كانت الإعاقة ذهنية؛ بحيث يترتب عليها أنه لا يفهم ولا يدرك أحكام الشرع فإن هذا قد رفع عنه التكليف".
ويرى "علي الشيمي" اختصاصي تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة بدار القدس لذوي الاحتياجات الخاصة أن الغرض الأساسي أن يفهم الطفل معنى الصيام ومعنى رمضان كما نعلمه أركان الإسلام خاصة الصلاة، وقد لا يدرك كل شيء، لكن يكفي أن يعلم أنه مسلم؛ ففي المركز نعلمه الشهادتين والصلاة والزكاة والحج، ولكن نوصل له المعلومات بالمفهوم الذي يستطيع إدراكه؛ فالزكاة مثلا يفهم معناها عن طريق كلمة مساعدة، فيتعلم أننا نساعد زملاءنا وأصدقاءنا الذين ليس عندهم طعام أو ملابس، وندربه عمليًّا بأن يأتي ببعض الملابس أو الطعام، ونذهب معه إلى الجمعيات الخيرية ودور الأيتام ليعطيها للمحتاجين، والأم أيضًا في البيت تعطيه الطعام أو الملابس ليقدمها لحارس المنزل أو الفقراء والأيتام في شارعه وهذا له رد فعل طيب؛ إذ يحقق له الشعور بالسعادة، ويرفع روحه المعنوية ويشعر بأنه أسعد الآخرين، وفي الصلاة يحفظ الفاتحة وقصار السور ويتوضأ قبل الصلاة ويسمع الأذان ويردده ويصلي معنا ليعرف الفرائض.
مظاهر رمضان
ويضيف "علي الشيمي" أن الطفل يستقبل رمضان؛ فيصنع الفانوس ويقوم بقصه وتلوينه، ويذهب به إلى البيت، ويردد أناشيد بسيطة مرتبطة برمضان مثل "وحوي يا وحوي"، وتزيد مظاهر الاحتفال برمضان بإقامة حفل، ويلبس الأطفال الطاقية والجلابية البيضاء، ونحمل جميعًا الفوانيس ونغني معًا، ونحتفل أيضًا بالعيد بإقامة حفلة، ويصنع الأطفال الكحك والبسكويت بالعجينة؛ حيث تصنع الأم حلويات العيد، وتكمل الأم دور المركز حتى لا تكون النتيجة ضعيفة، ويتقدم الطفل في الإدراك، وفي العيد أيضًا يخرج الطفل في رحلة "Open day" إلى الملاهي والحدائق ليشاركوا الناس فرحة العيد، ويشارك ذوو الاحتياجات الخاصة الأطفال العاديين تلك المناسبة.
وينبه "علي الشيمي" الأم إلى مراعاة حالة الطفل؛ فليس كل ذوي الاحتياجات الخاصة يمكن تدريبهم على الصيام؛ فبطيء التعلم ومتوسط الذكاء و"متلازمو الداون" والتوحد البسيط والإعاقة الذهنية البسيطة.. هؤلاء يدركون ويستطيعون الصيام؛ فيمتنع عن الطعام والشراب لمدة نحددها له.. ساعتين.. ساعتين، ثم ثلاثة.. ثلاثة.. حسب قدراته ويأخذ جائزة، وقد وصل أطفال كثيرون منهم إلى صيام يوم كامل. أما شديدو الإعاقة فيمكن أن يشاركونا في صيام فترة قصيرة من اليوم أو بالاحتفال فقط.
ويتمنى "علي الشيمي" أن تقوم كل المراكز والمدارس بدمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة داخل المجتمع وإشعارهم بالمظاهر الدينية؛ لأن ذلك يشعره بالقرب من الله تعالى، ويمكننا أن نعلمه العقيدة عن طريق الأناشيد والدروس الدينية؛ فيفهم أن الله عز وجل خلقنا ويجب علينا شكره، ونلفت نظره إلى أعضاء جسمه ومظاهر الطبيعة ونجعله يستشعر قيمتها لشكر الله بالعبادات، وأنه خلق الجنة والنار، ونتخذ الخوف من الله والرغبة في ثوابه وسيلة للعقاب والترغيب في طاعة الوالدين والمحافظة على نظافته ونظافة الأماكن التي يتواجد فيها، ويمكن تعليمه أيضًا عن طريق الصور، وسؤاله: "خطأ أم صواب؟" كصورة طفل يلعب في الشارع أو يقطع الورد أو يكسر شيئًا.
المشاركة الاجتماعية
وتؤكد الدكتورة سلوى أبو السعود -أستاذة مساعدة بجامعة عين شمس- على أهمية مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في أداء العبادات من الناحية النفسية والاجتماعية والصحية؛ فالصيام يجعل الطفل يشعر بأسرته؛ إذ يغير نظام أكله؛ فيؤجل الأكل حتى المغرب ليفطر معهم، ويستيقظ للسحور ويحفظ بعض آيات من القرآن يؤدي ولو جزءا من الصلاة؛ فيفهم أنه يشارك اجتماعيًّا، ويشعر بالقرب من الله؛ مما يعطيه الثقة نفسه، ويشعره بأنه فرد مشارك للآخرين، وهذا إحساس نفسي قوي يبهجه ويشعره بأنه كبير، كما يساعده الصيام على تحسن صحته؛ لأن الطفل الخاص غالبًا ما تكون عاداته الغذائية غير منضبطة؛ إذ يأكل للتسلية والصيام ينظم وجباته.
ويجب أن تنتبه الأم إلى قاعدة عامة عند تدريب طفلها، وهي أنها كلما عاملناه أقرب إلى الطبيعي كانت النتيجة أفضل؛ فنبدأ بفترة من اليوم، وإذا شعر بالتعب نفطره، وتزيد الفترة التي يصومها كلما كبر حتى يصل إلى صيام اليوم كله، أما إذا كان مدركًا فنشجعه على تقليدنا؛ فيصوم جزءا من اليوم ليشعر بالمشاركة.
وتنصح الدكتورة سلوى الأم ألا ينقطع الطفل عن ممارسة أنشطته التي يمارسها في غير رمضان؛ حتى لا يترتب على ذلك التراخي والكسل، ويمكن تغيير المواعيد فقط فيمارس نشاطه الرياضي والاجتماعي بعد الإفطار، ويشارك في مباريات أو دورات رياضية كجزء من الطاقة بجانب العبادات؛ ففي رمضان يتغير نظام أكله