الاستجابة لله ولرسوله ودعوة أهل الإيمان إلى إجابة ما يكون في صلاحهم

**معلومات** **العضو** · 25-06-2010, 12:24 AM

يقول تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال: 24 )
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
تضمنت هذه الآية أموراً منها: أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله ، ومن لم تحصل له هذه الاستجابة لله ورسوله، ومن لم تحصل له هذه الاستجابة، فلا حياة له، وإن كان له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات ، فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهراً وباطناً ، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان ، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كل ما دع إليه ففيه الحياة ، فمن فاته جزء منه ، فاته من الحياة وفيه الحياة بحسب ما استجاب للرسول .
قال البخاري: استجيبوا : أجيبوا ، يجيبكم : يصلحكم .
ففي هذه الآية : دعوة أهل الإيمان إلى إجابة رسول الله وهو يدعوهم لما فيه صلاحهم ، وفيها التنبيه لعباد الله أن يعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، لذا ينبغي الخوف من الله والخوف من مخالفة أمره فإن في ذلك الخير والهداية ، وفيها أنه إلى الله تحشرون وهذا يدل على وجوب مراقبة الله عز وجل ، وعلمه محيط بكل شئ صغير وكبير، دقيق وجليل. وفي الحديث «يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه». أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه الطويل .
وكان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.
وذلك لعظم هذا الحديث وما يحمله من معان جليلة وأمانة عظيمة .
لقد كانت حياتها الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح تمثل حقيقة الاستجابة الكاملة لله وللرسول، قولاً وعملاً، على الفور وليس على التراخي.
وذلك لإدراكهم أن الاستجابة من أهم الأمور وفيها حياة القلوب والأبدان وفي المخالفة العقاب الشديدة.
فالصحابة رضي الله عنهم تعلموا القرآن والعلم والعمل معاً، فإذا جاء أمر الله استجابوا دون شك أو تردد، أو تلكؤ أو تباطؤ، ويظهر ذلك من حوادث كثيرة، منها عندما نزل قوله الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة المائدة 90).
فعن أنس رضي الله عنه قال: «كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة وكان خمرهم يومئذ الفضيخ فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم مناديا ينادي ألا إن الخمر قد حرمت قال فقال لي أبو طلحة» اخرج فأهرقها فخرجت فهرقتها فجرت في سكك المدينة».أخرجة البخاري ومسلم.
وعندما نزل قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (سورة الأحزاب 59).
وعن أم سلمة رضي الله عنها: «لما نزلت هذه الآية ،خرج نساء الأنصار كأن عليهن الغربان من الأكسية» أخرجه أبو داود في سننه وصححه الشيخ الألباني رحمه الله . فانظر يا رعاك الله سرعة استجابة الصحابة رضي الله عنهم لأمر الله تعالى من غير تنطع أو تأخير ، وهذه صفات المؤمنين الذين استجابوا لله وللرسول ، أما من إذا أتاه أمر الله ، أصبح يعارضه بالحجج الباطلة، والعقول الفاسدة ، والدعوات المناهضة لشريعة الإسلام ، وحال الصحابة ومن سار على منهجهم من السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان، الاستجابة الفورية لأمر الله حتى لو كان ذلك يعارض أهواءهم أو عادتهم أو ما يحبونه في نفوسهم، خلافاً لكثير من الناس هداهم الله ، إذا جاءوا إلى أوامر الله قالوا هذه لا تناسب حالنا اليوم ، أو الحجاب الشرعي رجعية ، ويحبس المرأة ، أو أن هذا الحكم الشرعي يضحك الغرب علينا ، أو هذا لا يوافق الاختراعات العصرية ، أو السياسات الغربية وهذا والله من الخذلان والضياع والله المستعان .
قال سبحانه وتعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (سورة النور 63)
فقد رتب الله الوعيد الشديد ، والانتقام الأكيد على المخالفين لأمره، قال ابن كثير رحمه الله : فليحذر وليخش من مخالفة شريعة الرسول باطناً وظاهراً ( أن تصيبهم فتنة) أي في قلوبهم من كفر ، أو نفاق أو بدعة ( أو يصيبهم عذاب أليم) في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك .
قال الإمام أحمد رحمه الله: أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك ، لعله أن رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك .
فانظر إلى خطورة مخالفة أمر الله ، أو وعدم الاستجابة لله وللرسول، والتحذير من الوقوع في ذلك، ولا نغتر بمن لا يستجيب لأمر الله ورسوله، بأي سبب من الأسباب حتى لو كان ممن يتلبس بلباس الدين من أهل البدع والضلال ومن شابههم.
وهذا لو كان صادقاً لظهرت آثار الاستجابة لله والرسول على نفسه وهيئته وكامل أموره .
وحذر الله عز وجل من مخالفة أمره وأن ذلك سبب للزيغ والفساد وهذا ظاهر في جميع أمور الحياة من الاعتقادات والأعمال ، وظهر ذلك في زمننا كثير منه عندما خالف أمر الله ورسوله الفئة الضالة من الخوارج ومن شابههم ، فكانت من نتيجة مخالفتهم القتل والحبس والتشريد ، وما أحدثوه من فساد عظيم لأنفسهم ولأمتهم والله المستعان .
واعلم يا رعاك الله أن الاستجابة لها آثار عظيمة في حياة الفرد والمجتمع منها:
1 - أن الاستجابة لله وللرسول فيها الحياة ، وعلى قدر الاستجابة تكون الحياة ، فهي مراتب كلما زاد العبد في الاستجابة لله وطاعة أوامره ، زاده الله هداية وتوفيقاً وآية الأنفال كفيلة ببيان ذلك .
2- أن مثل المستجيب لأمر الله الذي لا يستجيب مثل الحي والميت ، فقد شبه الله عز وجل المستجيب لنداء الله ورسوله بالحي ، والذي لا يستجيب بالميت ، قال تعالى (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) ( سورة الأنعام 36).
3 - الاستجابة من أسباب إجابة الدعاء ، فهي طريق لتحقيق الإيمان وتحقيق مرضاه الله وامتثال أمره قال تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة 186)، فالاستجابة من أسباب إجابة الدعوة.
4 - المستجب لأمر الله ورسوله جزاؤه الجنة ، والناس فريقان: فريق مستجيب لله ورسوله فجزاؤه الجنة والفريق الثاني والعياذ بالله غير المستجيب لله ولرسوله فجزاءه جهنم .
قال تعالى (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (سورة الرعد 18) .
5 - كمال العقل في الاستجابة لله ولرسوله كما قال تعالى (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (سورة القصص 50) فالمتبع للحق والذي كمل عقله هو من استجاب لله وللرسول ومن اتبع هواه ضل عقله وكان من القوم الظالمين.
فالمستجيبون لله وللرسول هم الأحياء حقيقة وإن كانت أبدانهم مفقودة ، فحياتهم في القلوب موجودة ، غيرهم أموات وإن كانوا أحياء في أبدانهم وحركاتهم . فالطاعة والاستجابة لله ولرسوله سبب للحياة الحقيقة، حياة الإيمان والهدي والرشاد والعزة والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
فنسأل الله عز وجل أن يجعلن من المستجيبين لأمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ومن كانوا أحياء بقلوبهم واستجابتهم وطاعتهم لأمره سبحانه وإنه هو الغفور الرحيم.

بقلم

جابر بن عالي المري

جريدة الرؤية

http://www.arrouiah.com/node/293239