السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الجهاد في سبيل الله له أربع مراتب جهاد النفس ، وجهاد الشيطان ، وجهاد الكفار ، وجهاد المنافقين . وجهاد النفس ينقسم إلى أربع مراتب إحداها أن يجاهدها على تعلم الهدى ، ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ، ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين . الثانية أن يجاهدها على العمل به بعد علمه ، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها . الثالثة أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه ، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ، ولا ينفعه علمه ، ولا ينجيه من عذاب الله . الرابعة أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله ، وأذى الخلق ، ويتحمل ذلك كله لله ، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين . فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانياً حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه . وأما جهاد الشيطان فمرتبتان إحداهما جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان . والثانية جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات ، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر ، قال تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) السجدة . وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب بالقلب ، واللسان ، والمال ، والنفس ، وجهاد الكفار أخص باليد ، وجهاد المنافقين أخص باللسان . وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب الأولى باليد إذا قدر ، فإن عجز انتقل إلى اللسان ، فإن عجز جاهد بقلبه . ودليل ذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان) أخرجه مسلم . ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق . فهذه أربعة عشر مرتبة من الجهاد . وأكمل الخلق عند الله من كمل مراتب الجهاد كلها ، والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله تفاوتهم في مراتب الجهاد ، ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله خاتم أنبيائه ورسله ، فإنه كمل مراتب الجهاد ، وجاهد في الله حق جهاده ، وشرع في الجهاد من حين بعث إلى أن توفاه الله صلى الله عليه وسلم .
نسال الباري سبحانه أن يجعلنا من المجاهدين في سبيله .