حكم المناظرات
\" هذا هو الحق مابه خفاء...........فدعني من بنيات الطريق\"
حدثنا ابن عبدالحميد، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا أبوحذيفة الصنعاني، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهباً يقول:\" دع المراء والجدال عن أمرك، فانك لاتعجز عن أحد رجلين: رجل هو أعلم منك، فكيف تماري وتجادل من هو أعلم منك؟ ورجل أنت أعلم منه، فكيف تماري وتجادل من أنت أعلم منه ولا يطيعك، فاقطع ذلك عنك\".
وحدثنا الفريابي، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا سعيد بن عامر، قال:سمعت جدي أسماء بن خارجة يحدث،قال: دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء، فقالا: \" يا أبابكر نحدثك بحديث ؟ قال:لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله ؟ قال:لا ، لتقومن عني أو لأقومنه\".
وحدثنا الفريابي، قال:حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيي، قال:حدثنا سعيد بن عامر، قال: حدثنا سلام بن أبي مطيع أن رجلا من أصحاب الأهواء قال لأيوب السختياني:\" يا أبابكر أسألك عن كلمة ، قال: فولى أيوب، وجعل يشير بإصبعه، ولا نصف كلمة ، ولانصف كلمة\".
وحدثنا الفريابي، قال:حدثنا محمد بن داود الفريابي، قال:حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا مخلد، عن هشام – يعني ابن حسان – قال:يا أباسعيد، تعال حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن:\" أمّا أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه\".
قال محمد بن الحسين الأجري:
من كان له علم وعقل فميَّز جميع ما تقدم ذ كري له، من أول الكتاب إلى هذا الموضع،علم أنه محتاج إلى العمل به ، فإذا أراد الله به خيرًا لزم سنن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وماكان عليه الصحابة-رضي الله عنهم- ومن تبعهم بإحسان من أئمة المسلمين في كل عصر، وتعلم العلم لنفسه لينتفي عنه الجهل وكان مراده أن يتعلمه لله تعالى ولم يكن مراده أن يتعلمه للمراء والجدل والخصومات ولا لدنيا، ومن كان هذا مراده سلم إن شاء الله تعالى من الأهواء والبدع والضلالة واتَّبع ماكان عليه من تقدم من أئمة المسلمين الذين لايستوحش من ذكرهم وسأل الله- تعالى- أن يوفقه لذلك.
فإن قال قائل: فإن كان رجل قد علمه الله تعالى علما فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين ينازعه فيها ويخاصمه ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة ويرد عليه قوله؟
قيل له:هذا الذي نهينا عنه وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين.
فإن قال: فماذا نصنع؟
قيل له: إن كان الذي يسألك مسألته مسألة مسترشد إلى طريق الحق لامناظرة فأرشده بألطف ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة وقول الصحابة وقول أئمة المسلمين وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك فهذا الذي كره لك العلماء فلا تناظره وإحذره على دينك كما قال من تقدم من أئمة المسلمين إن كنت لهم متبعًا.
فإن قال: فندعهم يتكلمون بالباطل ونسكت عنهم؟
قيل له: سكوتك عنهم وهجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين.
حدثنا أبوبكر ابن عبد الحميد، قال حدثنا زهير بن حميد، قال: أخبرنا منصور بن سفيان، قال: حدثنا حماد ين زيد، عن أيوب أنه قال:\"لست براد عليهم أشد من السكوت\".
وأخبرنا الفريابي، قال: حدثني أبوتقي هشام بن عبد الملك الحمصي، قال: حدثنا محمد بن حرب،عن أبي سلمة سليمان بن سليم، عن أبي حصين،عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال:\"لاتجالس أهل الأهواء، فإن مجالستهم ممرضة للقلب\".
حدثنا الفريابي، قال: حدثني محمد بن داود، قال:حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، قال:سمعت محمدًا- يعني ابن سيرين- وما رأه رجل في شئ ، فقال محمد:\" إني قد أعلم ما تريد، وأنا أعلم بالمراء منك، ولكني لاأماريك\".
قال محمد بن الحسين:
ألم تسمع رحمك الله إلى ماتقدم ذكرنا له من قول أبي قلابة:\"لاتجالسوا أهل الأهواء، ولاتجادلوهم فإني لاآمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم\".
أولم تسمع إلى قول الحسن:\" أما أنا فقد أبصرت ديني،فأن كنت أنت أضللت دينك فالتمسه\".
أولم تسمع إلى قول عمر بن عبدالعزيز:\"من جعل دينه عرضًا للخصومات أكثر التنقل\".
قال محمد بن الحسين- رحمه الله-:
من أقتدى بهؤلاء الأئمة سلم له دينه،إن شاء الله تعالى.
فإن قال قائل: فإن اضطرني الأمر وقتا من الأوقات إلى مناظرتهم وإثبات الحجة عليهم ألا اناظرهم؟
قيل له: الاضطرار إنما يكون مع إمام له مذهب سوء،فيمتحن الناس ويدعوهم إلى مذهبه،كفعل من مضى في وقت الإمام أحمد بن حنبل،ثلاثة خلفاء، امتحنوا الناس، ودعوهم إلى مذهبهم السوء، فلم يجد العلماء بدًا من الذب عن الدين، وأرادوا بذلك معرفة العامة الحق من الباطل، فناظروهم ضرورة لا أختيارا، فأثبت الله- تعالى- الحق مع أحمد بن حنبل، ومن كان على طريقته، وأذل الله- تعالى- المعتزلة وفضحهم، وعرفت العامة أن الحق ما كان عليه أحمد ومن تابعه إلى يوم القيامة.
قال محمد بن الحسين-رحمه الله-:
وبعد هذا فأمربحفظ السنن عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسنن أصحابه رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، وقول أئمة المسلمين،
مثل مالك بن أنس، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وابن المبارك،وأمثالهم،
والشافعي، وأحمد ابن حنبل، والقاسم بن سلام، ومن كان على طريقة هؤلاء من العلماء، وينبذ من سواهم ولايناظر، ولايجادل، ولايخاصم، وإذا لقي صاحب بدعة في طريق أخذ في غيره، وإن حضر مجلسًا هو فيه قام عنه، هكذا أدَّبنا من مضى من سلفنا.