الخطبة الأولى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أما بعد، فيا أيها الناس، إن للشهادة شأنا عظيما في جميع المعاملات، فالشهادة في النكاح شرطاً من شروط صحته عند كثير من العلماء، فلا يصح النكاح إلا بشهادة عدلين، والرجعة من الطلاق الإشهاد عليها شرطا لها عند بعض العلماء، والطلاق يشهد عليه أيضا، فأقيموا الشهادة لله ولا تفرطوا فيها، لا تتهاونوا بالأمر، فإنه ربما ينكر من عليه حق إما نسيانا وإما ظلما، والشهادة تحفظ الحقوق لكم، لا تهملوها ولا تفرطوا فيها، لا سيما في الأمور التي تثبت في الذمة، فإن الله - تعالى - يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: 282] وقال تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: 282-283].
عباد الله، أقيموا الشهادة لله وحده، لا تحابوا فيها قريباً من أجل قرابته، ولا صديقاً من أجل صداقته، ولا غنياً من أجل غناه، ولا فقيراً من أجل فقره، ولا تقيموها على بعيد من أجل بعده، ولا على عدو من أجل عداوته، أي: لا تشهدوا عليه بما ليس واجب عليه لأنه عدو لكم، بل أقيموا الشهادة لله وحده، أقيموها كما أمركم الله به، فإنه سبحانه هو الحاكم بينكم، العالم بصدقكم وعلانيتكم، أقيموها كما قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: 135]، يجب على الإنسان أن يشهد حتى على والده، حتى على ابنه، حتى على أمه، حتى على جميع أقاربه، شاهداً لله عز وجل، ولا يحل له أن يكتمها إذا كانت على هؤلاء، ولا يجوز له أن يشهد على عدوه بما ليس بحق، فإن الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا﴾ [المائدة: 8]، أي: لا يحملكم بغضهم على أن لا تعدلوا فتشهدوا بالحق.
أيها المسلمون، إن الشهادة أمرها عظيم، وإن خطرها لجسيم في تحملها وأدائها، فلا يحل كتمانها، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، ولا يحل له ولا يحل لأحد أن يشهد إلا أن يكون عالماً بما يشهد علماً يقينياً، وأنه مطابق للواقع، فلا يحل له أن يشهد بما لا يعلم، ولا يحل له أن يشهد بما يعلم أن الأمر بخلافه، ولا يحل له أن يشهد بما يغلب على ظنه حتى يتيقن ذلك يقيناً؛ كما يعلم الشمس، فعلى مثلها فليشهد أو ليترك.
أيها المسلمون، إن من المؤسف حقا أن نسمع عن أناس يتقدمون إلى المساجد ويحرصون على فعل الخير ولكنهم يتهاونون بالشهادة، فيشهدون بالظن المجرد، أو يشهدون بما لا يعلمون، أو يشهدون بما يعلمون أن الواقع بخلافه، يتجرؤون على هذا الأمر المنكر العظيم، أما مراعاة لقريب، أو تودداً لصديق، أو محاباةً لغني، أو عطف على فقير يدعي بذلك أنه يريد الإصلاح، زين له سوء عمله فرآه حسنا كما زين لغيره من أهل الشك والفساد سوء عمله فرآه حسناً، فالمنافقون زين في قلوبهم النفاق، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة: 11] فقال الله - عز وجل - فيهم: ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 12]، وعباد الأصنام زين في قلوبهم عبادتها ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، وهى في الواقع لا تزيدهم من الله إلا بعدا، الذين يشهدون للفقير مراعاة لحاله وهم يعلمون أن الأمر بخلاف ما شهدوا به يقولون إننا نشهد له لنرحمه ولا يضر، لا يضر ولكنهم في الحقيقة ظلموه؛ لأنهم أعطوه ما لا يستحق.
أيها الناس، إن كل مفسد ربما يدعى أنه مصلح، وربما يظن أنه مصلح بسبب شبهة عللت له، فالتبس عليه الإفساد بالإصلاح، أو بسبب إرادة سيئة زينت له فاتبع هواه، ولكن الصلاح كل الصلاح باتباع شريعة الله وتنفيذ أحكامه والعمل بما يرضيه.
أيها المسلمون، إن من الناس من يشهد لشخص بما لا يعلم أنه يستحق، بل ربما بما يعلم أنه لا يستحقه، يدعى أنه عاطف له راحم له بذلك، ولكنه كما قلنا إنما هو ظالم له وليس راحم له، ومن الناس من يشهد للموظف المهمل لوظيفته بمبررات لإهماله لا حقيقة لها فيشهد له بالمرض وهو غير مريض، أو يشهد له بالشغل القاهر وهو غير مشغول، أو يشهد له باستئجار سيارات أو غيرها من أجل العمل وهو لم يفعل ذلك، وإن من الناس من يشهد لشخص بأنه قام بالوظيفة منذ وقت كذا وكذا وهو لم يقم بها ولم يباشرها، يزعم الشاهد بذلك أنه يريد الإصلاح بنفع المجهود له، ولم يدرِ أنه بهذه الشهادة ضر نفسه وضر المشهود له، وأفسد على نفسه وأفسد على المشهود له ما أفسد من دينه، لقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" قالوا: يا رسول الله، هذا المظلوم فكيف ينصر الظالم؟ قال: "تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه"(1).
أيها المسلمون، إن شهادة الإنسان بما لا يعلمه علماً يقينياً مثل الشمس أو بما يعلم أن الواقع بخلافه إنها من شهادة الزور؛ التي حذر منها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجعلها من أكبر الكبائر، فقال صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر"، وتأمل يا أخي كيف قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - هذا الخبر بهذا الاستفهام، وبهذا التعظيم لهذا الخبر: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" يعنى: فانتبهوا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين" وكان متكئاً فجلس فقال: "ألا وقول الزور وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قالوا: لا يسكت أو قالوا: ليته سكت(2)، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: ذكر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الكبائر فقال: "الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس" وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور أو قال: شهادة الزور"(3). أيها المسلمون، إن هذين الحديثين الصحيحين الثابتين عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ ليتبينوا بهما تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - لشهادة الزور وجرمها والتحذير منها، لقد عظم النبي - صلى الله عليه وسلم - التحذير منها بقوله وفعله، عظم ذلك بفعله حيث كان يتحدث عن الشرك والعقوق متكئاً، فلما ذكر شهادة الزور جلس ليبين فداحتها وعظمها، وعظمها بقوله حين جعل يكرر القول بها حتى قال الصحابة: لا يسكت أو تمنوا أن يسكت، وعظمه أيضا حين صدر القول عنها بأداة التنبيه (ألا)، وحين فصلها في حديث أنس عما قبلها من الكبائر وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر".
أيها المسلمون، أيها المؤمنون بالله ورسوله، أيها الراجون لرحمة الله، أيها الخائفون من عذاب الله، أيها المؤمنون بيوم الحساب، أيها المؤمنون بيوم تقفون به بين يدي الله عز وجل لا مال ولا بنون، تنظرون أيمن منكم فلا ترون إلا ما قدمتم، وتنظرون أشأم منكم فلا ترون إلا ما قدمتم، وتنظرون أمامكم فلا ترون إلا النار تلقاء وجوهكم، إنكم مسؤولون عما شهدتم به وعمن شهدتم عليه أو شهدتم له، فاتقوا الله وحده.
أيها المؤمنون، أيها المؤمنون، عباد الله، تصوروا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وهو المبلغ عن الله، القائم بأمر الله، الناصح لعباد الله، تصوروا وهو يعرض على أمته بنفسه أن ينبئهم بأكبر الكبائر؛ ليحذروها ويبتعدوا عنها، وتصوروا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تصوروه كأنه أمامكم، كان متكئاً ثم يجلس عند ذكر شهادة الزور، وتصوروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرر ويؤكد أن شهادة الزور من أكبر الكبائر، والله لو تصورتم هذا حق التصور لعرفتم فداحة شهادة الزور، إن النبي - صلى الله وعلى آله وسلم - تحدث عن الشرك والعقوق وهو متكئ لم يجلس؛ لأن الداعي إلى الشرك والعقوق ضعيف في النفوس؛ لأن الشرك والعقوق مخالفان للفطرة، لكنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حينما تحدث عن شهادة الزور جلس؛ لأن الداعي إليها قوى وكثير، فالقرابة والصداقة والغنى والفقر كلها قد تحمل ضعيف العقل والدين على أن يشهد بالزور، ولكن المؤمن العاقل حينما يعلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم؛ الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم؛ الذي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، إذا تصور أنه يحذر هذا التحذير من شهادة الزور لا يمكنه أبداً أن يقدم على شهادة الزور مهما كانت الأسباب والدواعي.
أيها المسلمون، إن شهادة الزور مفسدة للدين والدنيا والفرد والمجتمع، إنها معصية لله ورسوله، إنها كذب وبهتان، إنها أكل للمال بالباطل، فالمشهود له يأكل ما لا يستحق، والشاهد يقدم له ما لا يستحق، إن شهادة الزور سبباً لانتهاك الأعراض، وإزهاق النفوس، فإن الشاهد بالزور إذا شهد مرة هانت عليه الشهادة مره أخرى، وإذا شهد بالصغير هانت عليه الشهادة بالكبير؛ لأن النفوس بمقتضى الفطرة تنفر من المعصية وتهابها، فإذا وقعت فيها هانت عليها وتدرجت من الأصغر إلى ما فوقه.
أيها المسلمون، إن شهادة الزور ضياع للحقوق، وإسقاط للعدالة، وزعزعة للثقة والأمانة، وإرباك للأحكام، وتشويش على المسؤولين والحكام، فهي فساد الدين والدنيا والآخرة، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار"(4) أخرجه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
الحذر الحذر أيها المسلمون، الحذر الحذر من شهادة الزور وإن زينها الشيطان في قلوبكم، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، ولا تصحبكم في الحق ظنون كاذبة أو إرادات آثمة، فتشاق الله ورسوله وتتبعوا غير سبيل المؤمنين، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا نسألك اللهم في مقامنا هذا ونحن في انتظار فريضة فرضتها علينا نسألك اللهم أن توفقنا لإقامة الحق والعدل والبيان، وأن تجنبنا الباطل والجور والبهتان، وأن تحمينا عما يضرنا في ديننا ودنيانا إنك جواد كريم، اللهم انك خلقتنا وهديتنا ويسرت لنا أمورنا نسألك اللهم بهذه النعمة أن تمن علينا بنعمة الدين إلى أن نلقاك يا رب العالمين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافه المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة يوم نلاقيه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان، إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه لم يبقَ على دخول شهر شعبان إلا أيام قليلة، وهذا الشهر كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه؛ كما جاء ذلك في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان فقد كان يصوم إلا قليلا منه"(5)؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يكثر من الصوم في شعبان؛ تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتسابا لثواب الله عز وجل، فإن الله يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]، إما أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، أو أياماً ويفطر أياماً، أو أياماً كثيراً متتابعة حتى يبقى يوماً أو يومان على رمضان ثم يفطر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لا يصوم شهرا كاملا إلا شهر رمضان، وهنا أشياء ينبغي التنبيه عليها مما يعتقده الناس في شعبان أو يقومون به من عمل، فمن ذلك: صيام النصف فيه حديث علي - رضي الله عنه - عند ابن ماجة: "إن في صوم النصف منه مزية على غيره"، ولكن هذا الحديث ضعيف، قال ذلك ابن رجب في اللطائف، وقال صاحب المنار: الصواب أنه موضوع - أي: مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا فلا ينبغي أن نخصص يوم النصف من شعبان بصوم دون غيره من الأيام، ومن ذلك أيضا: فضل ليله النصف وردت فيها أخبار قال عنها ابن رجب في اللطائف: ضعفها الأكثرون، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: إنها ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، ومن ذلك: قيام ليله النصف من شعبان، لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حديث يصح الاعتماد عليه في تخصيصها بقيام لا مطلقاً ولا مقيداً بعدد، وغاية ما جاء في تخصيصها ما جاء عن بعض التابعين الشاميين في تعظيمها والاجتهاد في العبادة فيها، قال ابن رجب في اللطائف: وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، يعنى: في عصر التابعين، وقالوا: ذلك كله بدعه، وقال أيضا: لم يثبت فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه شيء، وقال صاحب المنار: إن الله لم يشفع للمؤمنين في كتابه ولا على رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ولا في سنته عملاً خاصاً بهذه الليلة، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: ما ورد في فضل الصلاة في تلك الليلة فكله موضوع، والموضوع عند العلماء هو المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك: أنه اشتهر عند كثير من العوام أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام، وهذا باطل بأن الذي يقدر فيه ما يكون في العام إنما هي ليله القدر، وليله القدر هي التي قال الله فيها: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 4]، وهى في رمضان قطعاً؛ لقول الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ﴾ [البقرة: 185]، ومن ذلك: أن بعض الناس إذا كان يوم النصف من شعبان أطعموا الطعام فيوزعونه على الجيران والفقراء، ويسمون ذلك عشاء الوالدين، وهذا لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا أصل له في الأمة، وما ليس كذلك من أمور الدين فإنه بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الإخوة، مثل هذه الأمور لا ينبغي أن تتلقى من أفواه العامة، وإنما تتلقى من العلماء؛ العلماء بالحديث والسنة، العلماء بطريق السلف الصالح، أما ما يشتهر عن العوام فإن العوام ما يشتهر عنهم كثير من البدع؛ لذلك ينبغي الرجوع في هذه الأمور إلى أهل العلم العارفين بالسنة، أسأل الله تبارك وتعالى أن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطل ويرزقنا اجتنابه، وأن لا يجعل ذلك ملتبساً علينا فنضل.
أيها الإخوة، إذا سمعتم شيئاً في هذا المكان أو في غير هذا المكان مما اعتاده الناس وليس له أصل فينبغي لكم أن تبثوا ذلك بين العامة؛ حتى تزول عنا هذه الاعتقادات.
--------------------------------
(1) أخرجه البخاري (2654، 5976)، ومسلم (87)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري (5977)، ومسلم (77)، عن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله عنهم (13606)، والبخاري (2363، 2364) في كتاب المظالم والغضب، وكذلك أخرجه البخاري (6238) في كتاب الإكراه، والترمذي في كتاب الفتن (3181)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(4) أخرجه ابن ماجه (2373)، والحاكم (4/98)، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
(5) أخرجه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في باقي مسند الأنصار (24860)، والإمام مالك رحمه الله تعالى في موطأ في كتاب الصيام (601)، وابن داود في كتاب الصيام (2079)، من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.