الكتاب الكتاب إذا أرد ت العتاب
إن العتاب مسافهة إذا كان مشافهه
من خواطر الدعية الاسلامى الدكتور/عبدالرحيم بن عبدالرحمن الراشدالشهري
رضي الله عن صحب محمد صلى الله عليه وسلم ، فما أسرع أن أشرب الإيمان قلوبهم وسرى في جوارحهم ، فعاشوه واقعا في حياتهم , فقل عتابهم فيما بينهم وكملت مروأتهم , وسادوا الدنيا بعدلهم وإنصافهم وتمام أخلاقهم , فكان كل واحد منهم تاريخ من التاريخ , ووجها مشرقا يمتد نوره حتى يومنا هذا ، نتذكرهم بإعظام وإجلال ، نتذكر حياتهم وإخوانياتهم ومودتهم فيما بينهم، فينتابنا الحياء تارة لبعد الشقة فيما بين حالنا وحالهم , وتارة تنسكب العبرات لغياب تلك المثل والهمم الباسقات عن واقع حياتنا اليوم، وعن ضمائر اخوتنا وتكلف مودتنا ولاحول ولاقوة إلا بالله .
وأشهد مالذ على خاطري وملأ سمعي ولم ينبؤ عنه بصري , من وصف لهم ولعمق أخوتهم، كماوصفهم رب العالمين في كتابه العظيم في غير ماآية قال تعالى : ْْ{والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون } .
ياألله ياألله ماهذه الفضائل , وماهذه المكارم ...! فتالله ماكانوا ملائكة ولارسلا ولامن عمار السماء ، بل بشر ممن خلق سبحانه، وماهو والله إلا الإيمان بكل معانيه . ومكار الاخلاق التي بعث صلى الله عليه وسلم لإتمامها .
لولا عجائب صنع الله مانبتت*** تلك المكارم في لحم ولاعصب
لقد تبدل الزمان وظهر ماكان يخشاه صلى الله عليه وسلم من تنافس على الدنياوحطامها , وموت للظمير وانتحار للمروءة, فكل يوم تفجع بأخ لك , وكل ساعة تعزى في مرؤة غائبة وأخوة زائفة , وإن أنت لم تتجرع مرارة الصبر وتعتقد أنك واحد من هذا الجنس، لعشت وحيدا ومت غريبا , ولا بواكي لك ، ( لقد مضى سلف لنا أهل تواصل ، أعتقدوا مننا ، واتخذوا أيادي كثيرة ذخيرة لمن بعدهم ، كان اصطناع المعروف عليهم فرض ، وإظهار البر عليهم حق واجب ، ثم جاء الزمان عن يسر فاتخذوا مننهم صناعة ، وأياديهم تجارة ، وبرهم مرابحة ، واصطناع المعروف بينهم معاوضة ، كنقد السوق ، خذ وهات ).(ابن عقيل)
فلا جزى الله الشدايد أي خير لنقفها حوادث كامنه , وكشفها ستورا مسدلة على خيوط من الأخوة والتآخي هي في حقيقتها أوهى من بيت العنكبوت .
إنك لتصحب الرجل ساعة من الزمن، فتظن وتشعر أنك وإياه من رحم واحده ، وسرعان ما تتلاشا كل الحواجز بينك وبينه , وترفعان ثوب الكلفة بينكما بيد من المحبة والألفة ، بل إن الهرة لتدخل دارك وتنام على فراشك وتطعم من طعامك وتشرب من سقائك , فترى أن لها حقا عليك من عطف ورحمة وإنتصار (نعم وانتصار على هرة الجيران ) ، فكيف بأخيك الذي ربط الله أخوتكما من فوق سبعة أرقع ، وجعلها من دعائم الدين وحث عليها في غير ماموطن من الوحيين المنزلين .
إن للأخوة حق قل من أداه ، فلقد إنتكست كثير من الفطر , فلا بهدي الإسلام سارت ولابمروءة الجاهلية التزمت ، بل ظن كثير من الناس ،أن حق أخيك عليك أن تحدثه ويحادثك ، وتجامله ويجاملك , وتسامره ويسامرك , وتطعمه ويطعمك ...، ثم هو وشأنه ، مساكين هؤلاء ماذاقو معنى الاخوه ولاعرفوه .
فلعمر الحق ماجاوزت هذه الخصال الترابط الحيواني , فقل لي بربك : أين من يهتم لهمك ويأرق لأرقك ، ويحزن لحزنك ويبكي لبكائك , ويسر لسرورك ، فإن نزلت بساحتك الهموم، نسي همه وأشتغل لذب مانزل بك ، وإن اضافتك ضائقة وجدها من منن الدهر كي يسعى بمالديه اليك مواسيا لك في محنتك , فلربما ضر نفسه لينفعك ، يأتيك مسرعا مرددا:
أخاك أخاك من يسعى معك *** ومن يضر نفسه لينفعك
فماهو إلا كالشمعة تحرف نفسها لتظي لك الطريق , لاترقب منك حمدا ولاذما ,و لاجزاءا ولاشكورا .
فلاتظنن ـ يارعاك الله ـ أن هذا ضرب من الخيال أو نسج من ألاذهان وإبداع ، بقدر ماهو متمثل في أمم ممن شرح الله صدورهم للإيمان ومكارم الاخلاق .
ودونك التاريخ , قلب صفحاته ، وانظر في أعطافه ،ترى أن هذه الأمة أنجبت جبالا من الرجال كل فرد منهم بأمة يقف التاريخ عنده ، لقد ضربوا أروع الأمثلة في الأخوة الصادقة ،حتى لربما آثر أحدهم الموت عن صاحبه .
هذان صحابيان جليلان الحارث بن هشام المخزومي وعكرمة إبن أبي جهل رضي الله عنهما ، قتلا في وقعة اليرموك وهما يتدافعان الماء كل واحد منهما يؤثربه صاحبه ، لما أثخنت الحارث الجراح ، إستسقى الماء فأتي به اليه ، ولماتناوله نظرإلى عكرمة صريعا في مثل حاله ، فردالإناءعلى الساقي وقال :امض إلى عكرمة ، فمضى إليه فأبى أن يشرب قبله ، فرجع إلى الحارث فوجده ميتا ، فرجع إلى عكرمة فوجده قد مات فلم يشرب واحد منهم . أولائك آبائي فجئني بمثلهم... ، رضي الله عنهم وأرضاهم .
إن من لم يصبر مع هذه المحن الأخويه صبر الكرام , سلاسلو البهائم ، إن في الموت راحة للمؤمن من كل عناء ، تدمع له العين ويحزن له القلب ، وليس للمؤمن غاية معه إلا الصبر والاحتساب والرضى لقضاء الله وقدره ، ولكن البلاء كل البلاء، موت الوفاء , وفقد الإخاء ,ووأد الموده ، ثم لاتجد من يعزيك ،أو يفطن لحالك فيواسيك .
وقبل أن أختم الحديث، فالعاقل من اتهم نفسه ,وظن بإخاوانه , وعرف أهل زمانه , وعلم علم اليقين أن مايرجوه من بني جنسه ماهو الاضرب من الخيال أو طلب للمحال ، فلينعم بماقص علينا من أخبار السالفين ،وليؤد للناس الذي لهم وليسأل الله الذي هو له ، وفي الله خلف وعوض من كل شئ ، وليلم نفسه قبل لوم ألآخرين .
لست الملوم أنا ألملوم لأنني ***علقت آمالي بغير الخالق
وختاما: فلاتحسبن أن كتابنا هذا عنوان هجركم ، أو أذان الأخلال بمودتكم ، فماسطرناه للشكوى أو وصف البلوى ، إذا لاحترقت أحرفه بين يديكم ، لحرارة المشاعر ، وتوارد الاحزان ،واستعظام الموقف، ولاستعرتم مع أعينكم أعينا تسعفكم الدموع ، فمازال للعتاب في ساحتكم موضع ، وللاخوة من قلبكم مرتع ، وإليها أوجه هذا الخطاب , فماهذا الكتاب إلا لهو أدبي ، نطرد به مايعتري الخاطر من هموم وأعباء .
إذا كنت في كل الامور معاتبأ***صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه
فعش واحــــدا أوصـــل أخاك فإنه *** مقارف ذنب مرة ومجــــانبه
وإن أنت لم تشرب مرارا على القذى*** ظمئت وأي الناس تصفومشاربه
ولعلي اذكرك بماقال أبو الفضل رحمه الله : قديوحش اللفظ وكله ود ، ويكره الشئ وليس من فعله بد , هذه العرب تقول : لاأبا لك في الامر إذا أهم , وقاتله الله ولايريدون الذم ، وويل أمه للأمر إذا تم ، ولذوي الالباب أن ينظروا في القول إلى قائله ، فأن كان وليا فهو الولاء وإن خشن وإن كان عدوا فهو البلاء وإن حسن .( بكلامه عنونت وبه ختمت)
وما أحسبني والله لك إلا وليا ، اشهد الله على محبتك .
فسلا م الله عليك ورحمته وبركاته ، سلاما يتصل أمثاله بسمعك أبدا مابقيت .