ما الذي ميز الصحابة رضوان الله عليهم ؟ وش زود الصحابة عنا ؟
لو سألت سؤالا لاخواني أعضاء المنتدى الشامخ هذا السؤال :
تخيل أشكال الصحابة رضوان الله عليهم ، أو ما هي الصورة التي ترسمها في مخيلتك لصور الصحابة ؟
أترككم حتى ترسمون الصورة في مخيلتكم .
أظنكم قـد رسمتموها .
أنا متأكد أن الجميع قـد رسم هذه الصورة ، أنظروا الى الصورة التي رسمتها أنا واياكم .
الصورة هي أنهم بشر مثلنا
لهم أيد ، كما لنا نحن أيـد ، ولهم أرجل كما لنا ، ولهم أعين كما لنا .
بل ويأكلون كما نأكل ، ويشربون كما نشرب ، بل وينامون كما ننام .
بل ويخطئون كما نخطئ .
قـد يقول قائل تميزوا بوجود الرسول بينهم ، ونزول القرآن عليهم .
الرسول عليه الصلاة والسلام عندهم ، وهـو عندنا أيضا بسنته وهديه في الكتب ، بل ان عندنا من الأحاديث ما ليس عند الصحابة .
وصحيح أن القرآن عندهم ونزل عليهم ، ولكن القرآن الذي بين أيدينا – أقصد به المصحف المجموع بين دفتين – أفضل مما هـو عندهم بطبعاته الفاخرة ، وبالنقط والحركات عليه ، وبكمياته الهائلة .
اذا ما الذي ميزهم عنا ؟
هل تريدون الاجابة ؟
اسمع الى الاجابة من خلال هذا الموقف ، وهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما مع أصحابه فقال عليه الصلاة والسلام ( لـقـد آن زوال العلم ) قال أحد الصحابة وهو زياد بن أم لبيد ( كيف يزول العلم ونحن نعلم أبناءنا القرآن ، وأبناءنا يعلمونه أبناءهم ) قال عليه الصلاة والسلام ( ثكلتك أمك يا أبن أم لبيد ، ان كنت لأظنك أعقـل أهـل المدينة ، ألا ترى اليهود والتوراة بين أيديهم لم ينفعهم اذ لم
يعملوا )
فالرسول عليه الصلاة والسلام وجه الصحابة الى أمر مهم وهو العمل ، وقـد عـقـل الصحابة هذا المعنى وفهموه أشـد الفهم ، فهذا أحـد الصحابة يحكي حال الصحابة فيقول ( كنا لا نتجاوز العشر الايات حتى نحفظها ونفهمها ونعمل بها ) .
فالذي ميز الصحابة هو العمل .
هـل تـريـد أمثلة لما أقوله تفضل واقرأ معي هذه النماذج الدالة والمؤيدة لكلامي :
1 – جاءت فاطمة رضي الله عنها يوما تبحث عن أبيها فلم تجده ، فوجدت عائشة رضي الله عنها فقالت فاطمة لها ( اذا جاء أبي فقولي أني أريد خادمة لي ، فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم متأخرا في الليل أخبرته عائشة بخبر فاطمة ، فلم ينتظر عليه الصلاة والسلام الى الغد ، وانما ذهب اليها في الليل ، يقول علي رضي الله عنه ( فلم أشعر الا ببرد يدي النبي صلى الله عليه وسلم في رجلي ، فقال لهما : ( ألا أدلكما على خير من خادمة ، اذا آويتما الى فراشكما ، تسبحون الله ثلاثا وثلاثين ، وتحمدون الله ثلاثا وثلاثين ، وتكبرون الله أربعا وثلاثين ، ذلك خير لكما من خادم ) لم تنتهي القصة بعد واسمع الى الشاهد ، قال علي رضي الله عنه ( فلم أدع هذا الذكر منذ أن سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له أحد أصحابه ( ولا ليلة صفين ) أي وتلك الليلة التي فيها الحرب ، قال ( ولا ليلة صفين ) .
2 – اسمع الى القصة الثانية وهي لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال ( رأيت رؤيا وأخبرت حفصة بها لكي تخبر النبي صلى الله عليه وسلم ويفسرها لها ، فقال عليه الصلاة والسلام ( نعم الرجل عبدالله لو كان يقوم من الليل ) فسئل سالم بن عبدالله بن عمر رضي الله عنهم : هل ترك والدك قيام الليل ؟ قال : لا ، الا اذا كان مسافرا أو مريضا ) .
3 – خذ الثالثة يا رعاك الله : وهي لذلك الصحابي وهـو أبو أمامة ، جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال
يا رسول الله اني أكتتبت في الغزوة ، فأسأل الله لي الشهادة ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( اللهم سلمهم وغنمهم ) يقول الصحابي : فسلمنا وغنمنا ، فجاءت غزوة أخرى ، وجئت الى النبي صلى الله عليه وسلم وقلت يا رسوالله إني أكتتيت في الغزوة ، فأسأل الله لي الشهادة ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( اللهم سلمهم وغنمهم ) فقال الصحابي : فسلمنا وغنمنا ، فجاءت غزوة ثالثة ففعلت كما فعلت في السابق فدعا لنا رسول الله يالسلامة والغنيمة ، فسلمنا وغنمنا ، فلما جاءت الغزوة الرابعة ، قلت يا رسول الله في كل مرة أسألك الشهادة وتدعو لنا بالسلامة والغنيمة ، فأمرني بأمر أتشبث به ، فقال عليه الصلاة والسلام ( عليك بالصوم فانه لا مثل له ) ، ومنذ ذلك اليوم لم يرى في بيته نار ، إلا إذا طرقه ضيف .
لم يقتصر الأمر في حال الأمن والراحة ، والأمور البسيطة التي لا تحتاج الى مغامرة وبذل للنفس ، بل تعدى الى أكبر من ذلك ، خـذ هذه القصة :
4 – في غزوة الأحزاب ، وما فيها من الأهوال التي أصابت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كما أخبر الله عنها ووصفها بقوله ( وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا عظيما ) .
في هذه الغزوة اشتد الكرب على الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فالأحزاب يحاصرون من الخارج ، ويهود بني قريظة خانوا العهد من الداخل ، وخاف الصحابة ، فجلس الرسول صلى الله عليه وسلم بعد عـدة أيام من الحصار ذات ليلة مع أصحابه فقال لهم ( من يأتيني بخبر القوم وهو رفيقي في الجنة ) فلم يقم احد ، لأن الكلام ليس خاصا بأحد ، فكررها عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات ، ومع ذلك لم يقم أحد ، وهذا يدل على شدة الموقف فالبرد ، والهواء الشديد ، والجوع ، والظلام ، كل هذه العوامل كانت حاضرة تلك الليلة ، وفي المرة الرابعة قال عليه الصلاة والسلام : ( أين حذيفة ؟ ) قال حذيفة نعم يا رسول الله ، قال عليه الصلاة والسلام ( أذهب فأتني بخبر القوم ولا تحدث فيهم أمرا ) فلم يرفض الصحابي ، بل وافق على الفور ، وقال يا رسول ادع الله ، فدعا له الرسول عليه الصلاة والسلام ، فذهب حذيفة رضي الله عنه حتى وصل الى معسكر المشركين ، فقام أبو سفيان خطيبا فيهم يقول يا قوم ليتحسس كل واحد جليسه ، قد يكون محمد – صلى الله عليه وسلم – أرسل إلينا أحد من أصحابه ، فيقول حذيفة فسألت من بجانبي : من الرجل ؟ كي لا يبتدئني بالسؤال ، فقال أبو سفيان إني راحل ، فأرتحلوا ، يقول حذيفة فكان أبو سفيان أمامي ، ولو رميته لأصبته ، ولكن تذكرت قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( ولا تحدث فيهم أمرا ) ، فرجعت الى الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبرته بخبر القوم .
5 – إليك القصة الأخرى ، علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خالد بن سفيان الهذلي يجمع الجيوش لمقاتلة الرسول عليه الصلاة والسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عبدا لله بن أنيس ؟ فقال عبدا لله بن أنيس لبيك يا رسول الله ، قال عليه الصلاة والسلام (ان خالد بن سفيان الهذلي يجمع الجيوش لمقاتلتنا ، فأذهب فأقتله )
وأسمع الى جواب ورد الصحابي ( صفه لي يا رسول الله ) ولم يقل يا رسول الله لم اخترتني أنا بالذات ، غيري كثير من الصحابة ، وإنما هو الامتثال الفوري ، والاستجابة الحقيقية ، فقال عليه الصلاة والسلام ( علامته أنك إذا رأيته أقشعر جسدك ) فهو قائد وشجاع ومهيب ، فأنطلق الصحابي بعد أن أستأذن الرسول عليه الصلاة والسلام في أن يقول ما يشاء ، فأذن له عليه الصلاة والسلام ، حتى وصل الى معسكر خالد بن سفيان ودخل معه في الجيش ، وقابل خالد وقال له انه يريد مقاتلة الرسول عليه والصلاة والسلام ، وبعد أن اطمأن له خالد قال له عبدالله اني أريد أن أتحدث لك بأمر خاص ، فذهب خالد مع عبدالله خارج المعسكر فقطع عبدالله رأس خالد وأنطلق الى الرسول عليه الصلاة والسلام يبشره بمقتل خالد .
أنظر أخي الى صدق الصحابة رضوان الله عليهم في سرعة الاستجابة لأمر الله ، ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو الحب الحقيقي ( قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله ) .
فهذا الذي ميز الصحابة رضوان الله عليهم .
أما نحن فنعلم أن الأغاني حرام ومع ذلك نسمعها ، ونعلم أن الدخان حرام ومع ذلك يشربها الكثير ، ونعلم ان الربا حرام ويتعامل البعض بالربا ، وغيرها من الأمور .
فلنعد الى الله ولنستجب وننقاد لأمره ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .