يتسأل بعض الشباب عن مفهوم الليبرالية ، ولماذا نرفضه كمسلمين
فأحببت أن اختصر أحد المقالات لشخص ليبرالي يوضح فيه فهمه لمفهوم الليبرالية حتى نتعرف أولا على المفهوم
ثم نناقش بعد ذلك لماذا نرفضه
مفهوم الليبرالية
يقول الكاتب : الليبرالية (Liberalism) مصطلح لابد ان نقول منذ البداية بأنه لا يمت لا للعروبة ولا للإسلام بصلة ابدا، فهو حال بقية المذاهب والافكار والنظريات الوضعية التي تعد حصيلة ما وصل اليه الانسان في العصر الحديث.
وللمفهوم ترجمته بـ (عالم الحريات)
وقد وردت تعريفات لهذا المفهوم في ابرز الموسوعات العالمية
منها تعريف مختزل يقول بأن الليبرالية:
مذهب فكري وسياسي ينادي بالحرية المطلقة في الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي..
ويقوم مرتكز الليبرالية على مبدأ (الاستقلالية) للأفراد والمجتمعات والدول
ومعناه الحقيقي:
التحرر التام من كل أنواع الإكراه الخارجي او الداخلي
سواء كان دولة أم جماعة أم فردا
ثم التصرف وفق ما يمليه قانون النفس ورغباتها،
والانطلاق نحو تكريس الحريات ضمن عقد اجتماعي تتفق عليه الاغلبية بكل صورها المادية والمعنوية بين الدولة والمجتمع.
الليبرالية: انتاج فلسفي معقد
لقد عرف جان جاك روسو الحرية الخُلقية ـ كما يسميها ـ فقال: (الحرية الحقة هي أن نطيع القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا).
فهي – بحسب هذا المفهوم - عملية انكفاء على الداخل (النفس)، وعملية انفتاح تجاه القوانين التي تشرعها النفس..
فالانكفاء على الداخل تمرد وهروب من كل ما هو خارجي، والانفتاح طاعة القوانين التي تشرعها النفس من الداخل. ويمكن أن تمثل الليبرالية حالة انكفاء على استقلالية النفس مع الانفتاح على اتباع قوانين الدولة واحترام طقوس المجتمع.
ان جوهر الليبرالية، كما تقول احدى الموسوعات
يتمثّل بالتركيز على أهمية الفرد، وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والاستبداد.
وان الليبرالي يصبو على نحو خاص إلى التحرر من سطوة التسلط بنوعيه:
تسلط الدولة (الاستبداد السياسي)، وتسلط الجماعة (الاستبداد الاجتماعي).
ويمكن صياغة فهم ذلك من خلال توفير الحريات السياسية والفكرية والشخصية للانسان من خلال دستور يحدد واجباته ويمنحه حقوقه كاملة.
المبادىء الليبرالية الاساسية
اولاً: العلمانية
التي تعني اصطلاحا: فصل الدين عن السياسة، كما تعني مضمونا فصل الدين عن النشاط البشري بعامة، وعلى مثل هذا المبدأ يقوم المذهب الليبرالي في كافة المجالات:
السياسية، والاقتصادية، والفكرية، بل لا تكون الدولة ليبرالية إلا حيث تكون العلمانية، ولا تكون علمانية إلا حيث تكون الليبرالية. فمن السخف بمكان ان تمارس عملية انتخابية سياسية وانت مقّيد دينيا..
الليبرالية لا تنفي الدين ولا تحاربه ولا تحجر عليه كالشيوعية مثلا، بل تجعله ركنا ساميا له خصوصيته كونه يختص بعلاقة روحانية جلية بين الانسان ورّبه تعالى، ولا يمكن ان ينزل الدين من عليائه ليمارس دوره في اي واقع سياسي مليء بالموبقات والمشكلات التي ربما لا تجد علاجاتها في الحلول الدينية في كل الاديان. واذا صلحت السياسة الدينية في مجتمع احادي العناصر، فسوف لن تنفع ابدا في مجتمع له تعقيداته وتنوعاته ومشكلاته، اذ ستزيدها تلك السياسة الدينية تعقيدا. وعليه، فلابد من الفصل بين المؤسسة الدينية عن بقية المؤسسات السياسية والقضائية والادارية ومؤسسات المجتمع المدني باعتبارها مؤسسات مدنية لا دينية ولا يمكن ان تحتكر من قبل اي مؤسسة دينية لا يجتمع فيها كل الشعب، وإلا فإن جحيماً من المشكلات سينفجر ولا يمكن علاجه ابدا، وستتوالد معضلات لا قبل للاجيال القدمة بحّلها.. وهنا لابد للانسان ان يقرأ تطبيقات مثل هذا المبدأ التي يقر الفصل بين سلطتي الدين والدنيا من خلال نماذج تاريخية حتى في تاريخنا الاسلامي منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى اليوم. وعليه، فان من اهم المبادىء الليبرالية ما كنت قد اسميته بـ (الاهلنة) في محاضرات ودراسات سابقة (اي: بناء مؤسسات المجتمع الاهلي المدنية التي تستمد مشروعيتها من القوانين المدنية).
ثانيا: العقلانية
تعني الاستغناء عن كل مصدر من اليوتوبيا: (التي نسميها في فكرنا العربي الحديث بالطوباوية التي تعني: الخيالية) في الوصول إلى الحقيقة، إلا عن توظيف العقل الإنساني، وإخضاع كل شيء لحكم العقل، لإثباته أو نفيه، أو معرفة خصائصه ومنافعه، والعقل المحكّم هنا هو عقل الإنسان.
ان العقل (اللوغوس) قد لا يرتقي الى السمو والعلو ولكنه قطعا سيعمل من خلال الوعي بالذات والتجربة والقواعد والتفاعل السياسي للوصول الى قناعات لا يمكن ان تغدو ثوابت إلا بعد استخدامها ومعرفة السوالب من الايجابيات مقارنة بما يفعله الطوباويون الذين لا عمل لهم إلا تقليد النصوص او عبادتها كونها مسيطرة عليهم، فمناخ العقل يوفّر محاولات وفرص النجاح بالتجربة ومناخ يوتوبيا تقليد النص يغلق الحياة من دون ان يتنفس المجتمع!
وهكذا تقوم الليبرالية على مبدأ أن العقل الإنساني بلغ من النضج العقلي قدرا يؤهله أن يرعى مصالحه ونشاطاته الدنيوية، دون وصاية خارجية.
ثالثا: الإنسانية
تؤمن بالدفاع عن حرية الفرد الانسان وترعى مصلحته وكفاءته في وطنه او حتى في العالم، ان المبدأ الانساني الذي اكّد عليه الفلاسفة الالمان يمنح الثقة بطبيعة الإنسان وقابليته للكمال من خلال تشجيعه وتوفير كل الفرص امامه للابداع، وتجعله ينطلق من اجل ان يوّفر كل المنافع للانسانية قاطبة من دون ان يحتجز ما ينتجه لنفسه او لقومه..
انه اذن انسان يترفع عن صغائر الاشياء الى عظائم الامور.. والانسان هذا الكائن الجميل لابد ان تراعى مشاعره وصحته وابعاده عن الكوارث وعن الاضطهاد وعن القتل وعن الاعتقال وعن كل ما يقف امامه. ان حقوق الانسان ضرورة كبرى في اي مناخ ليبرالي حقيقي لا مزيف.. وان من اخطر ما يقف ضد هذا المبدأ: العبودية والتعّصب والتطرف والشوفينية والحكم المطلق والكراهية والإرهاب.. الخ.
رابعاً: النفعية كمبدأ تراعى فيه مصالح الافراد والنخب والفئات والمجموعات.. وتقل لتصل الى الطبقات، وهنا تصطدم الليبرالية بالشيوعية التي تبني نظريتها على الصراع الطبقي لمصلحة او منفعة الطبقة العاملة من خلال سيطرة الدولة في حين ان الليبرالية تبنى نظريتها على رأسمالية المجتمع، وانها تجعل من نفع الفرد والمجتمع مقياسا للسلوك، وإن الخير الأسمى هو تحقيق السعادة لأكبر عدد من الناس من دون الالتفات الى حجم الضرر الذي سيصيب مجتمع بكامله او طبقة بعينها او خسارة جماعات.
ان النفعية التي تضخم مبدؤها في المجتمعات الليبرالية كي تصل الى ما يسمى بالنفعية البنتهامية تتمثل بالاستحواذ على وسائل ربما غير مشروعة من اجل النفع الخاص. وهذا ما لا يمكن قبوله ابداً وكخصلة من سوالب الليبرالية بحيث نجد في مدن كبرى او مجتمعات معينة القوي فيها يأكل الضعيف!