التفقه في الدين
قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، أي ليوحدون ويعبدون
فما هي هذه العبادة والتوحيد الذي أمرنا به وخلقنا الله سبحانه من أجله؟ لذا يجب التعلم والبحث لمعرفة هذا الأمر العظيم بتوحيد الله جل وعلا والذي أمرنا بتحقيقه ،وهو إفراد الله بالعبادة.
وقال تعالى (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [ آل عمران: 18] أن الله عز وجل أشهد نفسه على وحدانيته أشهد ملائكة وأشهد أولي العلم لما لهم من الفضل والمنزلة العظيمة وكفى بهذه المنزلة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم «من يرد الله به خيراً يفقه في الدين» [رواه البخاري ومسلم] ، وهذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم ، وحمل معاني عظيمة ، وفي هذا الحديث ربطت الخيرية بالعلم والتفقه في الدين ، والخير يشمل الصلاح في الدين والدنيا ، والاستقامة والسعادة الدنيوية والأخروية، فالذي يشتغل بالعلم والفقه هو ممن أراد الله به ذلك. لذا الله سبحانه وتعالى نفى التسوية بين أهل العلم وغيرهم في قوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ الزمر 9] وحذف الجواب لظهوره ، فهم لايستوون بل أهل العلم أرفع وأفضل درجات وأكثر عملاً وأصوب عملاً حيث أنما يعملون على بصيرة ونور وبرهان.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً ، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ، وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر» رواه ابن ماجه وقال الشيخ الألباني صحيح ،هذا فيه بيان للفضل والأجر لمن سلك طريق التعلم والتفقه في دين اللع عزوجل ، فهذا طريقاً للجنة وأن الملائكة تضع أجنحتها رضاً بما يصنع سالك هذا الطريق ،وأن الجميع حتى الحيتان في البحار يدعون لمن سلك هذا الطريق الذي هو منارة للأمة .
فما هو العلم المقصود الذي له هذا الأجر العظيم كما في الكتاب والسنة ؟ هو العلم بالشريعة والتفقه في الدين ، الذي يبصر المسلم في كيفية عبادته لربه على بصيرة وعلم، وما يحتاج إليه معرفة ما يقيم أمور دينه ودنياه، من معرفة التوحيد وترك الشرك الذي يحبط العمل ،ومعرفته عقيدته التي يعقد عليه نياط قلبه تجاه ربه، والاهتمام بمعتقده الذي ينبغي أن يكون عليه، فيتفقه في كيفية العبادة ويتعلم كيفية الطهارة الظاهرة والباطنة، وكذا الصلاة وكيف يصلي لرب العالمين، وجميع العبادات القلبية والبدنية ، ومعرفة أحكام المعاملات التي بين عباد الله.
وأيضاً هناك علوم دنيويه قد يحتاج إليها ، والناس بحاجة إليها في أمور ديناهم مما في تعلمها مصلحة للعباد فهي من فروض الكفاية.
والعلم منه ما هو فرص عين، ومنه ما هو فرص كفاية، فالتعلم والتفقه في العبادات اللازمة القلبية والبدنية هذا فرص عين.
وأما تفصيلات العلم وتفريعاته وشروطه ومكملاته، فإن معرفة ذلك من فروض الكافيات التي يجب أن يكون في الأمة من يقوم بها ويعرفها وإذا تركتها الأمة أثمت.
ويا ليت شعري كيف بمن ضيع العلم الواجب والذي هو فرض على كل مسلم.
قال تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [ محمد 19] وبوب الإمام البخاري في صحيحة باب العلم قبل القول والعمل.
فنجده ضيع توحيده وعبادته لربه وارتكب بعض الشركيات والبدع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وعبادته لا يعطيها أقل الأهمية، بل لو كان الأمر في دنياه لأولاده، لوجدت الاهتمام الشديد وقام به خير قيام، وأما الأمور التي تنفعه في دينه وآخرته لا يهتم ولا يكاد يقيمها والله المستعان.
فعن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «طلب العلم فريضة على كل مسلم» رواه ابن ماجه وقال الشيخ الألباني: صحيح.
العلم الذي فرض على جميع أفراد الأمة ، وهو فرض عين ، وأما حال الأمة اليوم فحال لا ترضي عدواً ولا صديقاً ، فترى العزوف عن تعلم أمور دينهم وما تستقيم به عباداتهم ، وقد يسر الله عز وجل في هذا الزمان ما يعين الإنسان على تعلم أمور دينه ، من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة النافعة منها والتي تفيد الإنسان في يوم وليلته، وإيصال المعلومة باليسر والسهولة، وفي أقل وقت وأقصره ، فليس هناك عذر للمسلم بأن يجهل في دينه ، وأن لا يعرف أن يقيم عبادته ، كيف وقد أمره الله تعالى أن يعبده على بصيرة ، وأن يتعلم العلم الموصل لرضي ربه سبحانه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «الدنيا ملعونة ، ملعونة ما فيها ، إلا ذكر اله وما والاه ، وعالماً ومتعلماً» أخرجه الترمزي وحسنه وابن ماجه وقال الشيخ الألباني: حسن.
وفي هذا الحديث فضل ذكر الله وفضل العلم والتعلم، ولعنه لما سوى ذلك من الأعمال المذمومة، التي لا تنفع صاحبها عند ربه.
فما أعظم طلب العلم الشرعي ، الذي يجعلك تعبد ربك على بصيرة ، وهدى منه سبحانه ، ويكون حائلاً بينك وبين عذاب الله تعالى يوم القيامة.
والناظر في حال الأمة اليوم وإلى هذا التعدي على حدود الله تعالى وارتكاب المحرمات ، ما هو إلا ثمرة الجهل المطبق، الذي ران على قلوب الكثير من المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
بقلم
جابر بن عالي المري
جريدة الرؤية
http://www.arrouiah.com/node/263844
19-04-2010, 12:22 AM
التفقه في الدين
العرض العادي
