بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خصائص شهر ذي القعدة
ذو القعدة هو الشهر الحادي عشر من السنة الهجرية الذي يسبق الحج.
وهو أول الأشهر الحرم المذكورة في القرآن الكريم. قال الله تعالى:
( إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ
كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(36) {التوبةْ}
وأصل التسمية تقوم على فكرة القعود عن الحرب ولزوم المنازل.
فيقال سمي ذو القعدة لما قيل فيه اقعدوا أو كفوا عن القتال ولقعودهم في رحالهم
عن الغزو والميرة وطلب الكلأ. ولأنهم ذللوا القعدان, والقعدان جمع قعود
وهو صغير الجمل. ويقال سمي ذا القعدة استعدادا للحج.
واعلم رحمك الله أن الله تعالى فاضَل بين الأزمان والأماكن والأشخاص والأشياء,
وجعل لبعضها مزيَّةً على الآخر. فمن الأزمان التي خصها الله ببعض الشرائع والأحكام
الأشهر الحرم. وهي شهر ذو القعدة, وشهر ذو الحجة, وشهر المحرم, وشهر رجب.
قال تعالى: ، (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ
السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ
وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(36){التوبة}.
عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
{إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا
منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب شهر مضر
الذي بين جمادى وشعبان} رواه البخاري ومسلم
الأشهر الحُرُم أشهر كريمة فاضلة، لها حرمتُها عند الله تعالى، اختصها ربنا تعالى
دون شهور العام، فأمر بتعظيم حرمتها، ونهى عن الظلم فيها فنادى الله تعالى لمؤمنين:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ(2){المائدة}
وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ (يعني بذلك تحريمه، والاعتراف بتعظيمه، وترك ما نهى الله عن
تعاطيه فيه من الابتداء بالقتال، وتأكيد اجتناب المحارم.
عظَّم القرآن الكريم والسنة النبوية حرمة هذه الأشهر، فجعلهن حرامًا وعظَّم حرماتهن،
وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم. فالظلم في الأشهر الحرم
أعظم خطيئةً ووزْرًا من الظلم فيما سواهن- وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا-
ولكن الله يعظِّم أمر ما شاء، فالله اصطفى صفايا من خلقه:
اصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس،
واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحُرُم،
واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر،
فعظِّموا عباد الله ما عظَّم الله فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله به عند أهل
الفهم وأهل العقل.
{فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنها آكد وأبلغ في
الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تُضاعَف لقوله تعالى:
(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(25){الحج}
وكذلك الشهر الحرام تُغلظ فيه الآثام.
كيفية تعظيم حرمة هذه الأشهر :
تشترك الأشهر الحُرُم الأربعة في آداب وأحكام ينبغي للمسلم أن يتعلمها ويعمل بها؛
حتى يكون من الذين يعظِّمون حرمات الله, قال الله تعالى:
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ(30){الحج}
وقال أيضا: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ(32) {الحج}.
1 - تجنب الوقوع في الآثام، خصوصًا في هذه الأشهر؛ لأن الآثام تضاعفت فيها
لحرمتها، مثل مضاعفتها إذا ارتُكبت في البلد الحرام مكة، كما مر آنفا.
2 - الإكثار في هذه الأشهر من الأعمال الصالحة، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم
إلى ذلك بقوله: {صُمْ من الحُرُم واترك، صُمْ من الحُرُم واترك، صُمْ من الحُرُم واترك،
وقال بأصابعه الثلاثة فضمَّها ثم أرسلها}، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه،
أي أشار بصيام ثلاث أيام وفِطر ثلاثة أخرى.
3- أما النهي عن القتال في هذه الأشهر فقد اختلف العلماء في حكمه،
هل تحريمه باقٍ أم أنه نُسِخَ؟ فالجمهور علىأنه نُسِخَ، وذهبت طائفةٌ إلى
بقاء تحريمه, والله أعلم
الحكمة من تعظيم الأشهر الحرم :
شرع الله لعباده من الشرائع ما فيه صلاح أمرها في الدنيا والآخرة،فهو عليمٌ بما يصلح عباده،
حكيم في شرعه، وقد شرع الله تعالى لعباده الأشهر الحرام وأمرهم بتعظيمها،
ولعل الحكمة من وراء ذلك ما يلي:
1 - تقوم حياة الناس ومصالحهم على الأمن والاستقرار، وفي ظل الأمر والاستقرار
كذلك يقوم الدين وينتشر، قال تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي
لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا(55)النور،
وقد جعل الله الحرم الآمن في البلد الحرام أمانًا يأوي إليه كل خائف ويلوذ بحماه
كل مروّع مظلوم، ومثله أيضا الشهر الحرام أمن وسكينة تغشى الناس في كل البقاع،
قال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ(97)( (المائدة)
قِيَامًا لِلنَّاسِ .. (أي صلاحًا ومعاشًا لأمن الناس بها، فلما كان البيت الحرام
موضعًا مخصوصًا لا يدركه كل مظلوم ولا يناله كل خائف، جعل الشهر الحرام
ملجأً آخر أوسع وأطول.
2 - تمكين الناس من أداء الحج والعمرة، ومعلوم أن الأشهر المحرَّمة أربعة,
فحرم الله تعالى قبل الحج شهرًا وهو ذو القعدة؛ لأنهم يقعدن فيه عن القتال،
وحرم شهر ذي الحجة؛ لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك،
وحرم بعده شهرًا آخر وهو المحرم؛ ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين،
وقيل حرم رجب وسط الحول؛ لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من
أقصى جزيرة العرب، فيزروه ثم يعود على وطنه آمنًا، وبذلك جمع الله لعباده في
الحج بين أمن الزمان وأمن المكان، فالعباد مُحرِمون والزمان حرام والمكان حرام،
فيكون الأمن وتكون الطمأنينة والسكينة في عبادة الله ،
فله الحمد والشكر والمنة والفضل.
3 - للتأكيد على أن المشرِّع هو الله وحده، وهو الذي يحل ويحرم وليس لأحد من
خلقه ذلك أبدًا, قال تعالى:
(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا يُحِلُّونَهُ عَامًا
وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ(37)( التوبة،
فبيَّن القرآن أن تبديل الشرائع نوعٌ من أنواع الكفر،
وقد قال تعالى: {إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ(40)( يوسف،
وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ(21)( الشورى.
4 - لحقن الدماء وصيانة الأموال وإعطاء فرصة للنفوس فتهدأ، وللعقول فتفكر،
فبتحريم القتال في الأشهر الحرم يسود الأمن ثلث العام، فيكون ذلك فرصة
عظيمة لأصحاب العقول للروية، ويأمن عباد الله على أنفسهم وأموالهم
وأرضهم من ويلات الحروب.
5 - ابتلاءٌ وامتحانٌ من الله لعباده، ليتبيَّن المؤمن الصادق المطيع لأمره،
الحافظ لحدوده، المعظم لحرماته ويتميز عمن سواه. وقد نبَّه القرآن على مثل هذا،
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ
وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ(94)( (المائدة,
فالمؤمن الصادق هو الذي يخاف الله بالغيب، ومن خاف الله بالغيب عظَّم
حرماته والتزَم أوامرَه ، قال تعالى:
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ(30) (الحج،
وقال تعالى: )وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)(الحج) .
نقلته لكم من موقع فضيلة الشيخ
سليمان بن عبدالله الماجد
http://www.salmajed.com/node/327