و منهم مقتصد ... فهل انت منهم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
احببت اخوتى الكرام ان اقدم لكم البرنامج اليومي لهذه الطائفة الناجية باذن الله لعلنا ان نقتدى بهم و نسير على اثرهم و خطاهم . البرنامج لست انا الذى وضعته و انما وضعه شيخ الاسلام الامام ابن قيم الجوزية رحمه الله فى كتابه العظيم "طريق الهجرتين و باب السعادتين" عندما تكلم على تقسيم الناس الى ثلاثة فرق و هم الظالم لنفسه و المقتصد و السابق بالخيرات باذن الله و ذكر هذا البرنامج عند كلامه على المقتصدين فقال رحمه الله:
"و اما الابرار المقتصدون فقطعوا مراحل سفرهم بالاهتمام باقامة امر الله و عقد القلب على ترك مخالفته و معاصيه ؛ فهممهم مصروفة الى القيام بالاعمال الصالحة و اجتناب الاعمال القبيحة ؛ فاول ما يستيقظ احدهم من منامه يسبق الى قلبه القيام الى الوضوء و الى الصلاة كما امره الله ؛ فاذا ادى فرض وقته اشتغل بالتلاوة و الاذكار الى حين تطلع الشمس فيركع الضحى ؛ ثم ذهب الى ما اقامه الله فيه من الاسباب ؛ فاذا حضر فرض الظهر بادر الى التطهر و السعى الى الصف الاول من المسجد فادى فريضته كما امر مكملا لها بشرائطها و سننها و حقائقها الباطنة من الخشوع و المراقبة و الحضور بين يدى الرب ؛ فينصرف من الصلاة و قد اثرت فى قلبه و بدنه و سائر احواله آثارا تبدو على صفحاته و لسانه و جوارحه ؛ و يجد ثمرتها فى قلبه من الانابة الى دار الخلود و التجافى عن دار الغرور و قلة التكالب و الحرص على الدنيا و عاجلها ؛ قد نهته صلاته عن الفحشاء و المنكر ؛ و حببت اليه لقاء الله و نفرته من كل قاطع يقطعه عن الله ؛ فهو مهموم مغموم كأنه فى سجن حتى تحضر الصلاة ؛ فاذا حضرت قام الى نعيمه و سروره و قرة عينه و حياة قلبه ؛ فهو لا تطيب له الحياة الا بالصلاة . هذا و هم فى ذلك كله مراعون لحفظ السنن لا يخلون منها بشىء ما امكنهم ؛ فيقصدون من الوضوء اكمله ؛ و من الوقت اوله؛ و من الصفوف اولها عن يمين الامام او خلف ظهره ؛ و ياتون بعد الفريضة بالاذكار المشروعة كالاستغفار ثلاثا . و قول "اللهم انت السلام و منك السلام تباركت يا ذا الجلال و الاكرام " . و قول " لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شىء قدير . اللهم لا مانع لما اعطيت و لا معطى لما منعت و لا ينفع ذا الجد منك الجد" . "لا اله الا الله و لا نعبد الا اياه له النعمة و له الفضل و له الثناء الحسن ؛ لا اله الا الله مخلصين له الدين و لو كره الكافرون " . ثم يسبحون و يحمدون و يكبرون تسعا و تسعين ؛ و يختمون المائة بلا اله الا الله و حده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شىء قدير . و من اراد المزيد قرأ آية الكرسى و المعوذتين عقيب كل صلاة فان فيها احاديث رواها النسائى و غيره ؛ ثم يركعون السنة على احسن الوجوه . هذا دأبهم فى كل فريضة . فاذا كان قبل غروب الشمس توفروا على اذكار المساء الواردة فى السنة نظير اذكار الصباح الواردة فى اول النهار لا يخلون بها ابدا ؛ فاذا جاء الليل كانوا فيه على منازلهم من مواهب الرب سبحانه التى قسمها بين عباده ؛ فاذا اخذوا مضاجعهم اتوا باذكار النوم الواردة فى السنة ؛ و هى كثيرة تبلغ نحوا من اربعين ؛ فيأتون منها بما علموه و ما يقدرون عليه من قراءة سورة الاخلاص و المعوذتين ثلاثا ثم يمسحون بها رؤوسهم و اجسادهم ثلاثا و يقرءون اية الكرسى و خواتيم سورة البقرة و يسبحون ثلاثا و ثلاثين و يحمدون ثلاثا و ثلاثين و يكبرون اربعا و ثلاثين ؛ ثم يقول احدهم :"اللهم انى اسلمت نفسى اليك ؛ ووجهت وجهى اليك ؛ و فوضت امرى اليك ؛ و الجأت ظهرى اليك؛ رغبة و رهبة اليك؛ لا ملجأ و لا منجا منك الا اليك ؛ آمنت بكتابك الذى انزلت و بنبيك الذى ارسلت " . و ان شاء قال :" باسمك ربى وضعت جنبى و بك ارفعه ؛ فان امسكت نفسى فاغفر لها ؛ و ان ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " و ان شاء قال : " اللهم رب السماوات السبع و رب العرش العظيم ؛ ربى و رب كل شىء ؛ فالق الحب و النوى ؛ منزل التوراة و الانجيل و الفرقان ؛ اعوذ بك من كل دابة انت اخذ بناصيتها ؛ انت الاول فليس قبلك شىء ؛ و انت الاخر فليس بعدك شىء ؛ و انت الظاهر ليس فوقك شىء ؛ و انت الباطن فليس دونك شىء اقض عنى الدين و اغننى من الفقر . و بالجملة فلا يزال يذكر الله على فراشه حتى يغلبه النوم و هو يذكر الله ؛ فهذا منامه عبادة و زيادة له فى قربه من الله . فاذا استيقظ عاد الى عادته الاولى ؛ و مع هذا فهو قائم بحقوق العباد من عيادة المرضى و تشييع الجنائز و اجابة الدعوة و المعاونة لهم بالجاه و البدن و النفس و المال و زيارتهم و تفقدهم . و قائم بحقوق اهله و عياله ؛ فهو متنقل فى منازل العبودية كيف نقله فيها الامر ؛ فاذا وقع منه تفريط فى حق من حقوق الله بادر الى الاعتذار ؛ و التوبة و الاستغفار ؛ و محوه و مداواته بعمل صالح يزيل اثره ؛ فهذه وظيفته دائما " انتهى كلامه رحمه الله .
ثم شرع بعد ذلك رحمه الله فى السابقين فاذا اردت البرنامج اليومى لهم فعليك بمراجعة الكتاب فانه كما قال فيه بن القيم نفسه " لقد جاء هذا الكتاب غريبا فى معناه ؛ عجيبا فى مغزاه ؛ لكل قوم منه نصيب و لكل وارد منه مشرب".
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه و اخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين