السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تقسم الإسرائيليات (أخبار بني إسرائيل ، وأقاويلهم) إلى ثلاثة أقسام الأول منها ما علمنا صحته مما بأيدينا من القرآن والسنة فما وافقه فهو حق وصدق ، وما خالفه فهو باطل وكذب ، قال تعالى : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ، وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) المائدة . وهذا القسم صحيح ، وفيما عندنا غنية عنه ، ولكن يجوز ذكره ، وروايته للاستشهاد به ، ولإقامة الحجة عليهم من كتبهم ، وذلك مثل ما ذكر في صاحب موسى عليه السلام ، وأنه الخضر فقد ورد في الحديث الصحيح ، ومثل ما يتعلق بالبشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبرسالته ، وأن التوحيد هو دين جميع الأنبياء ، مما غفلوا عن تحريفه ، أو حرفوه ، ولكن بقي شعاع منه يدل على الحق . وفي هذا القسم ورد قوله الرسول صلى الله عليه وسلم : (بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري . قال الحافظ في الفتح أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم ، لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم ، والنظر في كتبهم ، ثم حصل التوسع في ذلك ، وكان النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية ، والقواعد الدينية ، خشية الفتنة ، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك ، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمنهم من الاعتبار . وثانيهما ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه ، وذلك مثل ما ذكروه في قصص الأنبياء ، من أخبار تطعن في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، كقصة يوسف ، وداود ، وسليمان ومثل ما ذكروه في توراتهم من أن الذبيح إسحاق ، لا إسماعيل ، فهذا لا تجوز روايته وذكره إلا مقترنا ببيان كذبه ، وأنه مما حرفوه ، وبدلوه ، قال تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِه) المائدة . وفي هذا القسم ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة عن روايته ، والزجر عن أخذه عنهم ، وسؤالهم عنه ، قال الإمام مالك في حديث (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) رواه أحمد وأبو داود : المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن أما ما علم كذبه فلا . ولعل هذا هو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم : (يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب ، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث ، تقرءونه لم يشب ، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله ، وغيروه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا هو من عند الله ، ليشتروا به ثمنا قليلا ، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم) رواه البخاري . وثالثهما ما هو مسكوت عنه ، لا من هذا ، ولا من ذاك ، فلا نؤمن به ، ولا نكذبه ، لاحتمال أن يكون حقا فنكذبه ، أو باطلا فنصدقه ، ويجوز حكايته لما تقدم من الإذن في الرواية عنهم . ولعل هذا القسم هو المراد بما رواه أبو هريرة ، قال : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) رواه البخاري . ومع هذا فالأولى عدم ذكره ، وأن لا نضيع الوقت في الاشتغال به . قال ابن بطال عن المهلب : هذا النهي في سؤالهم عما لا نص فيه ، لأن شرعنا مكتف بنفسه ، فإذا لم يوجد فيه نص ، ففي النظر والاستدلال غنى عن سؤالهم ، ولا يدخل في النهي سؤالهم عن الأخبار المصدقة لشرعنا ، والأخبار عن الأمم السالفة .
نسأل الباري سبحانه التوفيق والسداد .