المبيت في مزدلفة للحاجّ :
- اختلف الفقهاء في حكم المبيت في مزدلفة للحاجّ ليلة النّحر .
فذهب جماعة إلى أنّه فرض , ومن هؤُلاء من أئمّة التّابعين : علقمة والأسود والشّعبي والنّخعيّ , والحسن البصري رحمهم اللّه , كما ذهب إليه من أئمّة المذهب الشّافعيّ : أبو عبد الرّحمن ابن بنت الشّافعيّ , وأبو بكر بن خزيمة , والسبكي قالوا : المبيت بمزدلفة فرض أو ركن لا يصح الحج إلّا به , كالوقوف بعرفة .
واحتجوا بالحديث المرويّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال : « من فاته المبيت بالمزدلفة فقد فاته الحج » .
وذهب الشّافعيّة في الأصحّ , والحنابلة إلى أنّه واجب وليس بركن , فلو تركه الحاج صحّ حجه وعليه دم , لحديث : « الحج يوم عرفة من جاء قبل الصبح من ليلة جمع فتمّ حجه » , يعني : من جاء عرفة .
- ويحصل المبيت بالمزدلفة بالحضور في أيّة بقعة كانت من مزدلفة , لحديث : « مزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسّر » .
كما أنّ هذا المبيت يحصل عند الشّافعيّة والحنابلة بالحضور في مزدلفة في ساعة من النّصف الثّاني من ليلة النّحر , وأنّه لو دفع من مزدلفة بعد نصف اللّيل أجزأه وحصل المبيت ولا دم عليه , سواء كان هذا الدّفع لعذر أو لغير عذر , وأنّه لو دفع من مزدلفة قبل نصف اللّيل ولو بيسير ولم يعد إليها فقد ترك المبيت , فإن عاد قبل طلوع الفجر أجزأه المبيت ولا شيء عليه , ومن لم يوافق مزدلفة إلّا في النّصف الأخير من اللّيل فلا شيء عليه .
ووجوب الدّم بترك المبيت خاصٌّ فيمن تركه بلا عذر , أمّا من تركه لعذر كمن انتهى إلى عرفات ليلة النّحر واشتغل بالوقوف بعرفة عن المبيت بالمزدلفة فلا شيء عليه , وكالمرأة لو خافت طروء الحيض أو النّفاس , فبادرت إلى مكّة بالطّواف , وكمن أفاض من عرفات إلى مكّة وطاف للركن ولم يمكنه الدّفع إلى المزدلفة بلا مشقّة ففاته المبيت وكالرعاة والسقاة فلا دم عليهم لترك المبيت , لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : رخّص للرعاة في ترك المبيت لحديث عديٍّ رضي اللّه عنه : « أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منىً » , « وأنّ العبّاس بن عبد المطّلب استأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يبيت بمكّة ليالي منىً من أجل سقايته فأذن له » .
وقال المالكيّة : يندب المبيت بمزدلفة بقدر حطّ الرّحال , سواء حطّت بالفعل أم لا , وإن لم ينزل فيها بهذا القدر حتّى طلع الفجر بلا عذر وجب عليه دم , أمّا إن تركه بعذر فلا شيء عليه .
وعند الحنفيّة : المبيت في مزدلفة ليلة النّحر سنّة مؤكّدة إلى الفجر , لا واجبة .
قال الكاساني : والسنّة أن يبيت ليلة النّحر بمزدلفة والبيتوتة ليست بواجبة إنّما الواجب هو الوقوف , والأفضل أن يكون وقوفه بعد الصّلاة , فيصلّي صلاة الفجر بغلس , ثمّ يقف عند المشعر الحرام فيدعو اللّه تعالى ويسأله حوائجه إلى أن يسفر , ثمّ يفيض منها قبل طلوع
الموسوعة الفقهية الكويتية