السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
_______
هل الرفع لدرجة الآباء في الجنة يكون للذرية
جميعها صغارها وكبارها ؟
_________
السؤال:
قرأتُ أنه من كرم الله سبحانه وتعالى أنه يرفع
درجة الأبناء في الجنة إلى درجة آبائهم الأعلى
منهم , وعلى هذا الأمر فإن أبناء الصحابة
سترفع درجتهم لدرجة آبائهم ، والأحفاد لدرجة
الآباء ، وهكذا كل جيل يرفع الجيل التالي حتى
يصل الأمر لجيلنا فنرتفع لدرجة الصحابة إذا كنا
أحفادهم ، مما قد يسبب التهاون بالعمل ونعتمد
على هذا الكرم الإلهي ، فما رأيكم ؟
الجواب:
الحمد لله
هذا الإشكال الوارد في السؤال يرد عند الحديث
على قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ
ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ
عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )
الطور/21 ، وقد اختلف أهل التفسير في لفظ "
الذرية " هل يراد به : الصغار ، أو الكبار ، فأما
من قال إن المراد به الصغار ، فلا إشكال عنده
في معنى الآية ، وإنما يرد الإشكال في حال كون
معنى " الذرية " : الكبار ، والراجح في تفسيرها
أنهم الصغار ، وعليه : فلا يرد ما استشكله الأخ
السائل ، فالرفع للذرية الصغار ، وإلا للزم كون
جميع أهل الجنة في درجة واحدة .
1. قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :
" وقد اختلف المفسرون في " الذرية " في هذه
الآية ، هل المراد بها : الصغار ، أو الكبار ، أو النوعان ، على ثلاثة أقوال . ....
ثم قال :
واختصاص " الذرية " ههنا بالصغار : أظهر ؛
لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في
الدرجات ، ولا يلزم مثل هذا في الصغار ؛ فإن
أطفال كل رجل وذريته معه في درجته ، والله
أعلم " انتهى .
"حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح"
(ص 279-281) باختصار .
2. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
إذا كان الأولاد سعداء ، والأب من السعداء :
فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : ( وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا
كَسَبَ رَهِينٌ ) يعني : أن الإنسان إذا كان له ذرية
، وكانوا من أهل الجنة : فإنهم يَتبعون آباءهم ،
وإن نزلت درجتُهم عن الآباء ، ولهذا قال : ( وَمَا
أَلَتْنَاهُمْ ) أي : ما نقصنا الآباء ( مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ
شَيْءٍ ) بل الآباء بقي ثوابهم موفَّراً ، ورُفعت
الذرية إلى مكان آبائها ، هذا ما لم يَخرج الأبناء
عن الذرية بحيث ينفردون بأزواجهم ، وأهليهم ،
فيكون هؤلاء لهم فضلهم الخاص ، ولا يلحقون
بآبائهم ؛ لأننا لو قلنا : كل واحد يلحق بأبيه ولو
كان له أزواج ، أو كان منفرداً بنفسه :
لكان أهل
الجنة كلهم في مرتبة واحدة ؛ لأن كل واحد من
ذرية من فوقه ، لكن المراد بالذرية : الذين كانوا
معه ، ولم ينفردوا بأنفسهم ، وأزواجهم ،
وأولادهم ، فهؤلاء يرفعون إلى منزلة آبائهم ،
ولا يُنقص الآباء من عملهم من شيء " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب"
( شريط 324 ، وجه : أ ) .
. وقال رحمه الله - أيضاً - :
" ثم قال عز وجل : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ
ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) الطور/21 ،
الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان ، والذرية
التي يكون إيمانها تبعاً : هي الذرية الصغار ،
فيقول الله عز وجل : ( أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) أي :
جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم .
وأما الكبار الذين تزوجوا : فهم مستقلون
بأنفسهم في درجاتهم في الجنة ، لا يلحقون
بآبائهم ؛ لأن لهم ذرية ، فهم في مقرهم ، أما
الذرية الصغار التابعون لآبائهم : فإنهم يرقَّون
إلى آبائهم ، هذه الترقية لا تستلزم النقص من
ثواب ودرجات الآباء ، ولهذا قال : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ
مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) ، ( ألتناهم ) يعني :
نقصناهم ، يعني : أن ذريتهم تلحق بهم ، ولا
يقال أخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم
درجات الذرية ، بل يقول : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ
عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) " انتهى .
"تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد"
(ص 187) .
والله أعلم
المصدر/
الإسلام سؤال وجواب