التاريخ السديري بين وجوب الحفظ والعناية وأهمية الدراسة
محمد بن عبدالله بن عمر آل الشيخ
الملك عبدالعزيز رحمه الله أحد الشخصيات التي غيرت مسار التاريخ وأوقفت حركته؛ فهو زعيم تنحني له مسيرة الحياة وتتوقف متأملة في آثاره مأخوذة بعظمتها فقد تناهت فيه جوانب العظمة البشرية وأصبح أسطورة أقرب للخيال لا يمكن أن تصدّق أو يقبلها عقل لولا قرب العهد به وكون ما قام به وأجراه الله على يديه من تأسيس لهذه الدولة وإرساء لقواعد هذا الملك العظيم والذي غدا معقل التوحيد والسنة ومفخرة أهل الإسلام وحصنه المكين حقيقة ماثلة للعيان تشهد بها الدنيا كلها، ويكفي أن ننظر في هذا الكيان الذي نتفيأ ظلاله ونتقلب في نعمه وحدة وأمناً ورخاء لندرك عبقرية هذا الرجل ولتحار عقولنا في مواهبه وقدراته أيها أعظم وأي جوانبها أجلُّ وأكبر لقد كان عبدالعزيز في حياته كلها نادرة من نوادر الزمان وأعجوبة من عجائب الدهر وملحمة من ملاحم الخلود لن تتكرر وسيظل التاريخ يقصها بتيهٍ على متأمليه حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ فقد كان مسرحاً لأحداثها شاهداً عليها معترفاً بخروجها على نواميس الحياة والكون وإذا كانت العظمة البشرية تقاس بالتفوق العسكري والنبوغ السياسي للحكم على الزعماء والقادة بهذه الصفة فإن هناك قادة تميزوا في هذين الجانبين لكنهم أخفقوا في جانب بناء الدول ووضع أسس نهضتها وتطوير وتنمية مجتمعاتها بل ربما أحرقوا شعوبهم وقادوهم في مغامرات كانت الجماجم فيها سلماً لوصولهم وأُحرقت في سبيل بلوغ طموحاتهم مقدرات الأمم وثرواتها، وهنا يجمع عبدالعزيز المجد من طرفيه ويمسكه بكلتا يديه فيتفوق على الجميع؛ فهو القائد العسكري المظفر والسياسي المُلهَم الذي حير العقول وأذهل ساسة الدنيا بحنكته ورأيه ودهائه وفوق ما سبق رجل الدولة والإدارة الذي نجح بتفوق جاوز كل تصور في كل عمل قام به ونظام أقره وقانون وضعه، لقد أقام عبدالعزيز معجزة فوق صحراء الرمال بعدما هزم خصومه وأعداءه بسمو أخلاقه وكرم مواقفه؛ فجعلهم من أخلص رجاله وأصدقهم ولاء قبل أن ينتصر عليهم في ميادين الحرب وساحات الوغى فكان من أشرف المقاتلين الذين عرفهم التاريخ ومن أكرم الفاتحين الذين مروا عليه، لقد تناولت سيرة الملك عبدالعزيز كتب ومؤلفات، وجاءت سيرته وذكراها في المصادر العربية والأجنبية دوماً عند الحديث عن المنطقة وتحولات العصر الحديث ورغم كل ذلك يظل الملك عبدالعزيز ذا عظمة متعددة الجوانب وهي ما زالت تنتظر من يتناولها بالبحث والدراسة ويتطرق إليها ويغوص في أعماقها ويسبر أغوارها؛ فقد خلّف من بعده تاريخا حافلا بعظائم الأحداث والوقائع والآثار الخالدة بحيث لا يماثله فيه أحد ممن سبقه أو أتى بعده من الملوك ولست بصدد تعداد هذه الجوانب أو الإشارة إلى هذه المزايا فالواحدة منها تستعصي على المؤرخين مجتمعين ويحتاج القول فيها إلى مجلدات ضخام، وقد استوقفني كثيراً في المؤلفات التي تناولت الملك عبدالعزيز بالدراسة والبحث عند ذكر نشأته وحياته وأعماله عدم بحثهم لناحية مهمة ولها تأثيرها الكبير في تكوين شخصية هذا الرجل والتي لا يستطيع أحد أن يتجاهلها أو يمر عليها دون التنبيه على أهميتها وهي خؤولة الملك عبدالعزيز فيقتصر الأمر عند هؤلاء المؤرخين أو الدارسين لحياته بذكر اسم والدته فقط وهي الأميرة سارة بنت أحمد السديري وقد يكون بجانبها أو أسفل منها تعليق قصير الجمل محدود الكلمات حول نسب الأسرة ومع يقيني الجازم بأن السدارى شهرتهم تغني عن ترجمتهم لكن التاريخ علم يقوم على قواعد وأصول يعرفها أهل التخصص تستلزم الإحاطة والشمولية في دراسة الشخصية واستقصاء كل ماله علاقة بها مما قد يكون له أي تأثير فكيف بناحية مهمة عند علماء الأنساب والاجتماع والنفس فضلاً عن علماء التاريخ بل وحتى علماء السياسة فالمتتبع والمطلع على تاريخ الدولة السعودية الدارس له المتأمل في أطواره ومراحله يدرك تماماً أن حضور هذه الأسرة في مسيرة هذه الدولة وأدوارها الثلاثة طاغ ومذهل ومليء بجليل الأعمال وخطير المهام وجسيم المسؤوليات التي تقلدها أبناء هذه الأسرة الكريمة وتعاقبوا عليها ونهضوا بها بكل قوة وأمانه بل إنك تجد اسم جد هذه الأسرة سليمان السديري يتردد قبل ثلاثة قرون من الزمن حتى قبل قيام الدولة السعودية الأولى مما يدل على أن الحضور اللافت لهذه الأسرة في إقليم نجد وعلى مسرح أحداثها كان متقدماًً فنجد في أشعار حميدان الشويعر مدحاً وثناءً وتقديراً لهذه الشخصية.
يذكر التاريخ أن الأمير أحمد السديري الأول والمعروف بالكبير كان والياً لآل سعود على منطقة الأحساء وبعد سقوط الدولة السعودية الأولى ورغم أن الأمير أحمد معروف بالولاء للدولة السعودية سياسياً والتبعية لها عقيدة ومنهجاً إلا أن أهالي الإحساء ألحوا على الدولة العثمانية في تنصيب الأمير أحمد السديري حاكماً عليهم وذلك لرجاحة عقله وحسن سياسته مما يدل على مؤهلات فذة لديه في الحكم والسلطة تمكن بها أن يبقى في قلوب أهالي الإحساء وينال بها محبتهم وثقتهم فهل نزع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- هذا الجد وكان لهذه الخؤولة والأسرة تأثيراً في تشكيل وعي وفهم الملك عبدالعزيز للحكم والتعاطي مع التنوع العرقي والمذهبي من خلال الأفق الواسع للحاكم والذي يرفض النظرة الضيقة للقضايا فلا يكون حبيسا لنزعات طائفية ضيقة تنتهي بمكونات الشعب إلى الصراع والفناء فهذه الأسرة جزء من التاريخ السعودي بأعمالها الجليلة وهي جزء من مكونات هذا التاريخ ، شاركت في صنع أحداثه وكانت شاهدة على تحولاته فلن يستطيع أحد أن يتطرق لهذا التاريخ أو يؤرخ لهذه الدولة السعودية إلا ويكون لزاما عليه الحديث عن هذه الأسرة وأدوار رجالاتها في مراحل هذا التاريخ ولذلك تجد أن الرحالة الغربيين الذين زاروا الجزيرة العربية وتحدثوا عنها (كوليم جيفور بالجريف) والذي كتب عن الجزيرة العربية كتابه الشهير وسط وشرق الجزيرة العربية ونشره المجلس الأعلى للثقافة في جمهورية مصر العربية يشير كثيراً إلى هذه الأسرة ويتطرق إلى دورها ومشاركتها في مسؤوليات الحكم السعودي وقد دار بيني وبين أخي الدكتور عبدالله بن محمد المنيف ذات يوم حديث حول تاريخ هذه الأسرة، فقال لي وهو من أوسع الباحثين والمختصين إطلاعاً على التاريخ السعودي سواء في مصادره المطبوعة والمخطوطة: إن لعائلة السديري في الأرشيف العثماني تاريخاً لم يشر إليه أحد أو ينبه عليه مؤرخ بعد إلى الآن وهو تاريخ مدون موثق، كتبه أشخاص كانوا يراقبون ويتابعون كل الأحداث ويسجلون جميع ملحوظاتهم حول المتغيرات والظروف التي قد تظهر على ساحة الأحداث في الجزيرة العربية وفي هذا الأرشيف رصد ومتابعة دقيقة لسير وأعمال الرجال المؤثرين من أبناء هذه الأسرة ودورهم الهام في الأحداث. وذكر لي أيضا أنه طالع الموسوعة وعنوانها الملك عبدالعزيز سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية وسجل كل ورود لأسرة السديري في هذه الموسوعة فوجد أن ما يخصهم وله صلة بهم يبلغ مجلدا كاملا ولا شك أن هذا الورود لأسرة السديري جاء تبعاً لأن التركيز كان موجهاً لسيرة الملك عبدالعزيز وأما لو تفرغ باحث لتتبع ما هو مستقل بتاريخ هذه الأسرة لربما جاءت أخبارهم في مجلد آخر أو أكثر ولا أظن هذه الوثائق الأجنبية تتناول وتتحدث وتكتب حول أفراد أو أسر لمجرد الكتابة وإنما لأهمية الأثر وخطورة الدور الذي يتعلق بالمكتوب عنه فليس للأهواء علاقة بهذا الشأن وكلام سعادته دقيق جداً والسؤال الذي يطرح نفسه وينتظر الإجابة من المختصين والمعنيين بمثل هذه الدراسات.
ما هو دورهم في الحفظ والعناية بمثل هذا التاريخ والبحث في مجالاته؟
إن نظرة فاحصة وقراءة متأنية لتاريخ هذه الأسرة سنجد بعدها إجابة حاضرة وقوية تؤكد أن أعراق هذا البيت الشهير الضارب بجذوره في أعماق المجد والتاريخ كانت من أعظم المؤثرات في بناء وتشكيل شخصية الملك عبدالعزيز مع العلم أنه ساهمت في تكوينها سياسياً وعسكرياً وإدارياً كل الظروف والمراحل التي عاشها ومر بها فأوجدت وخلقت هذه العبقرية الفذة؛ فقد ولد الملك عبدالعزيز ونشأ وعاصر وشاهد وحضر وهو صغير شيئا من الخلافات والنزاعات التي قامت بين عميه الإمامين عبدالله وسعود والتي عصفت بالبيت السعودي وأسقطته ورأى رحيل والده وأسرته ومغادرتهم مقر حكمهم مدينه الرياض ووجد ألم الرحيل وعانى من فراق الوطن وتجرع مرارة ذهاب ملك الآباء والأجداد وأفاد من التنقل بين القبائل في صحراء الجزيرة العربية وهي مرحلة أتاحت له أن يتعرف ويُلم بأسرار هذه الصحراء وطبائعها أرضاً وسكانا لتجعل منه بعد ذلك داهيتها الأكبر وزعيمها الأوحد ولقد عاش بعيداً عن وطنه في الكويت فكان قريباً من صراع القوى الدولية وأطماعها فكانت من مدارسه السياسية التي صقلت مواهبه وأعدته لمسؤولية الحكم والنهوض بأعبائه ولا ريب أن مدرسة عبدالعزيز الكبرى سياسياً هي تجربة البيت السعودي وأسلافه العظام في الحكم والملك لقد كانت رافده الأكبر ومعينه الأوسع الذي أمده في كل مراحله بالوعي والإدراك لمعنى الحكم ومفهوم السلطة غير أن حجر الزاوية في شخصية الملك عبدالعزيز -بعد توفيق الله عز وجل- قدراته الشخصية ومواهبه الفطرية الخارقة التي منحها الله عز وجل له وخصه بها فكل ما مضى وكان الحديث عنه سابقاً لن يفيد شيئاً إذا لم تكن هناك قدرات ومواهب يندر وجودها في البشر وهذا أمر لا يمكن أن يُدرك أو يُنال بل هو منحة إلهية يودعها ويخص بها من يشاء من خلقه. وقول واحد إن من أعظم مكونات شخصية الملك عبدالعزيز ما هو موروث من والديه من جهة الآباء والأمهات وله دور هام جداً في نبوغه وعبقريته وإن لدى خؤولة الملك عبدالعزيز من سعة الأفق والمدارك السياسية وأصالة مواهب الحكم وعراقة أخلاق الرئاسة والزعامة الشيء الكثير ولأفراد هذا البيت نبوغ وتميز في الأدب والثقافة والفكر فكان منهم رموز وأعلام في هذا الشأن تفوقوا فيه تفوقاً حتى كاد أن يحجب الجانب المشهور فيهم والمعروف عنهم وهو سؤدد الإمارة والسلطة ولعل الأمير الفارس الشاعر محمد بن الأحمد السديري مثال صادق على صواب هذا الرأي حيث نجد في شخصيته حشداً هائلاً من الصفات والمواهب، فهو الحاكم الذي تستلهم سيرته حزماً وتدبيراً وعقلاً ورأياً، ورجولة وكرماً، والفارس الذي تشهد له صهوات الخيل والجياد شجاعة وإقداما والشاعر الذي سارت بقصائده الركبان وأصبحت أبياته حكماً يرددها الزمان، والمرجع والحجة في الأدب والتاريخ ومن عليه التعويل في مسألتهما والتحقيق في قضاياهما وخصوصا ماكان له علاقة بالجزيرة العربية والمرجع والحجة في الأدب والتاريخ ومن عليه التعويل في مسألتهما والتحقيق في قضاياهما وخصوصا ماكان له علاقة بالجزيرة العربية وقد ذكر لي أحد من سمع له تسجيلاً صوتياً يتحدث فيه عن رجال عرفهم ويتناول بالترجمة شخصياتٍ أدركها أو سمع بها تتنوع مشاربها بأنه ذهل من قدراته الكلامية وسحر بيانه وجمال عبارته مما يؤكد أن هذه الأسرة كان لها أثر شديد في شخصية الملك عبدالعزيز ولا يمكن أن يكون تأثيرها عليه محدوداً فالبيت بيت عراقة وتاريخ ومجد تعاقبوه دهوراً وتوارثوه قروناً ولهم زعامة وسيادة مشهورة، مما يؤكد قدرة أبناء هذا البيت في البقاء والاستمرار وتقديم رجالات بارزين في الحكم والسلطة مؤهلين بمواهبهم الشخصية جيلاً بعد جيل وهو ما جعل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- يعتمد عليهم كثيراً في إمارات المناطق بعند توحيد البلاد وهو لم يكن -رحمه الله- ممن تغلب عاطفته عقله وكان لا يقدم على المصلحة العليا للدولة أحداً؛ فمصلحة الحكم فوق كل اعتبار وأيضاً كان -رحمه الله- يدرك أن المناطق الحدودية لها وضعية خاصة وذات طابع يتسم بالحساسية والخطورة والأهمية فكان من لوازم المصلحة العليا أن تسند لرجال أكفاء مميزين في شخصياتهم وقدراتهم وقراراتهم ويكونون بحجم المسؤولية وقد كانوا في بدايات مسيرة الملك عبدالعزيز لتأسيس هذا الكيان من قادته الكبار وأوثق وأقرب رجالاته فهل نجد مستقبلاً من الباحثين من يحدثنا عن دور هذه الخؤولة في تشكيل شخصية الملك عبدالعزيز وعن العلاقة بين الملك عبدالعزيز وهذه الأسرة في بدايات نشأته وأثناء تواجده في الكويت وهل التقى بأحد من هذه الأسرة هناك أو رحل إليه أحد منها وهل توجد مكاتبات ورسائل بين الملك عبدالعزيز وأسرة السديري وكيف كان وضع هذه الأسرة أثناء ولاية آل رشيد على نجد وأين كان يقيم كبارهم وهل جلى أحد منهم في ذلك الوقت عن نجد وإلى أين كانت وجهتهم فإذا كانت الأميرة نورة بنت عبدالرحمن شقيقة الملك عبدالعزيز لها دور وعلاقة وتأثير في حياة الملك عبدالعزيز وكتب حولها الباحثون وتناولوها بالدراسة لعمق هذه العلاقة ومدى تأثيرها في شخصيته فأخوال الملك عبدالعزيز ووالدته الأميرة سارة بنت أحمد السديري لابد أن يكون تأثيرهم عميقاً وقوياً للغاية وهذا جانب يحتاج للبحث والدراسة للغموض الذي يحيط دوماً بمثل هذه العلاقة.
1 / 2عبقرية الأنسابهذه المقالة صدرت عن نفس طيبة لتبحث في شخصية فذة - نبتت في جو أُسَريًّ مفعم بالشهامة وكرم الأرومة والشجاعة إلى صدق الديانة والرعاية لحقوق الله - عبقرية الأنساب وكيف يتوالد فيها عظماء التاريخ ، لذلك فلا يملك القارئ المنصف الحصيف إلا أن يبدي إعجابه بلَفتة الكاتب الموقر وانتباهته لخاصية جليلة من خصائص هذا المجتمع وخصائص الأسرة السعودية الكريمة وقد اجتمع في طرفيها هذا النُّبْل الأصيل. وليت الدكتور عبد الله بن منيف يجمع ويصنف الوثائق التي أشار إليها ليسُن بذلك سُنة حسنة في تاريخ هذه البلاد الطيبة 27/06/2010 14:18منصور مهران
2 / 2ونعم الاسرةلقد قرأت ماسطرة الكاتب الكبير محمد ال الشيخ وقد شدني كثيرا المقال لعدة اسباب لعل احدها هو ان كاتب المقال من اسرة عريقة لها تاريخها الطويل منذ جدهم الاكبر مجدد الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) ومن كتب به المقال هو اسرة عريقة لها بالمجد والبطولات صولات وجولات ونرغب في معرفة المزيد عن تاريخها واعطائها مكانتها التي تستحقها. ولفت انظاري ان من طلب انصاف اسرة السديري العريقة هو احد افراد اسرة ال الشيخ العريقة وهذا دليل علي عمق الكاتب ونبلة ولاينصف الكبار غير الكبار