المختصر/
المسلم / بدايةً لا بد من التأكيد على أن شريعتنا الإسلامية جاءت بما يغنينا عن الديموقراطية وغيرها من الأنظمة البشرية، وإذا كان المسلمون قد قصروا عن الاستنباط والتطبيق لخيرات هذه الشريعة الغراء وكنوزها الثمينة؛ فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال قصور الشريعة أو عدم صلاحيتها. قال الله _تعالى_: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً" (النساء:83).
إن الذين بشروا بسيادة الحرية في عصرنا كنتيجة مشرفة (زعموا) لممارسة الديموقراطية الغربية باعتبارها أرقى ما وصل إليه الإنسان، وجعلوا ذلك (نهاية التاريخ) قد تلقوا صفعة قوية قبل أن يجف الحبر الذي كتبوا به نظرياتهم وبشاراتهم بل ادعاءاتهم، لقد قصفت ديموقراطية القصف (قصف الأفكار والأفواه والكاميرات والهيئات والمنظمات والجمعيات والمساجد والجسور والمدن و....) قصفت أفكارهم التي يسوقونها باستعلاء وتكبر في غلاف سميك من التعصب والغباء، وقصفت أيضاً (في إطار غطرسة القوة) بل وَأَدَت بعض مبادئ عولمتهم الناشئة عندما رأت أن المسلمين سيستغلونها لنشر الإسلام (عدوهم الأول كما يقولون) بعد أن شطحت تقديراتهم فأيقنوا بأنهم سيسيطرون من خلالها على عقولهم وأخلاقهم وأديانهم وكل مجالات حياتهم؛ شطحت بغباء منقطع النظير كما شطح تقديرهم لما سيواجهونه في العراق فطغت على أنوفهم التي يشمخون بها على الناس (رائحة الورود)، واستبعدوا تماماً (رائحة البارود) إلى أن أرغمت ومرغت أنوفهم المرفوعة بتراب الفلوجة (هيروشيما العراق؛ فيتنام الشرق الأوسط الكبير!)، مع أنهم فعلوا ما بوسعهم من أعمال التدمير والتخريب والتشريد والإذلال والقتل والإبادة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ؛ كل ذلك يتم بلا خجل ولا وجل تحت سمع العالم وبصره؛ العالم المتحضر الذي لن يقبل أن يقوده أناس يتمتعون بهذا القدر الكبير من الحقد والغباء والوحشية والاستهانة بالآخرين، ويمارسون ذلك كله بكل صلف ودكتاتورية (لا أحد يدري ماذا يقول الآن الفوكوياميون وأتباعهم الغافلون أو المتغافلون عن الحقيقة، إنها ليست نهاية التاريخ ولكنها حقبة موت الديموقراطية، بل نحر الديموقراطية بأيدي أهلها).
إن الديموقراطية التي يتغنون بها وهي على أصولها التي بنيت عليها أصلاً في بلادها كانت تمشي برجل واحدة، فكيف إذا قطع أهلها (بأنفسهم) رجلها الوحيدة التي كانت تمشي بها. إنها مظهر براق يخدع به الناخبون والمغفلون بتقديم بعض الفتات، أما نتائج معالجة الأمور المصيرية فتدل على أنها كسيحة، وخير شاهد على ذلك الجرائم الكبيرة والكثيرة التي ترتكب باسم الحرية برعاية الديموقراطية أو بمباركتها، وهذا يدل على أن الديموقراطية لا تمانع أن تكون مطية للدكتاتورية. حقاً إن (الإنسان لا يقوم وحده)؛ بل لا بد له من شرع إلهي يوجه حياته، قال الله _تعالى_: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً" (طـه: من الآية124)، وقال _تعالى_: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (آل عمران:85).
إن الديموقراطية التي يطبلون لها ويحلم بها بعضنا تعد (لا شيء) إذا ما قورنت - وإن كانت ليست على مستوى المقارنة - بالشورى الإسلامية والعدل الإسلامي، إن التاريخ الإنساني مليء بالصور المشرقة للعدل الإسلامي والإحسان الإسلامي، لكن (العميان) لا يرونها، ولكن السؤال الكبير: أين هي الشورى الإسلامية؟ وأين المجالات المتاحة لتطبيق مبادئ الإسلام؟ لقد هُزم المسلمون هزيمة بلا حرب، وعندما تعلن الحرب - وقد أعلنت - لا بد أن يهب المسلمون - وقد هبوا - لنصرة دينهم، والتصدي للهجوم الماكر عليه تحت مسمى: مكافحة الإرهاب، وما الإرهاب إلا أفعال القوم وممارساتهم ضدنا، فإن فاؤوا وأوقفوا هجومهم واستفزازهم؛ وإلا فإن الإسلام سينتصر لا محالة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
يعجبني تعريف الديموقراطية بأنها: اختيار الشعب (أو من ينيبه) للدكتاتور الذي سيحكمه، وليست كما يقولون: (حكم الشعب للشعب)، أو كما يقول برنارد شو: "الديموقراطية هي السماح لكل المسافرين بقيادة القطار".
أين الحرية والديموقراطية من تعريفهم غير المكتوب للسلام الدائم (لا يقولون: العادل) بأنه استسلام الآخر وركوعه أو إبادته، هذا التعريف يفهم بسهولة ووضوح من لسان حالهم وربما لسان قالهم ومن أجل ذلك أهيل التراب على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير بحجج واهية فرض على الناس تصديقها أو التظاهر بتصديقها على طريقة العصا والجزرة، وصدق من قال: (قوة بلا إيمان = طغيان وتصرفات صبيان).
وإليكم الآن نماذج (مجرد نماذج) من مشاهد الحرية والديموقراطية التي يبشرون بها:
• فرض استعمال الأرقام الإفرنجية بدلاً من الأرقام العربية على المغرب العربي أثناء الاحتلال وبعده، ومحاولة ترويجها في البلاد العربية الأخرى بواسطة وكلائهم على أنها هي الأرقام العربية وأن الأرقام المستعملة حالياً (التي تسمى زوراً وبهتاناً الأرقام الهندية) ليست هي الأرقام العربية، الأمر الذي يعد تمهيداً للهجوم على لغة القرآن الكريم.
• الإصرار على إلغاء نتائج الانتخابات في الجزائر عندما أوشكت أن تفوز بها جبهة الإنقاذ الإسلامية بعد أن فاتت عليهم فرصة تزويرها إذ ليس غريباً أن يكون هناك تزوير (ديموقراطي) لنتائج الانتخابات في حالة فشل شراء الأصوات أو (أبسط الحلول) تسميم غذائي لزعماء المعارضة.
• مضايقة أو إبعاد مديري الهيئات الأممية (العالمية) إذا لم تعجب تصرفاتهم (زعماء الديموقراطية)، وعرقلة أو إخفاء أو تعديل تقاريرهم تحت التهديد والوعيد.
• محاولة إيجاد مصطلح (الديموقراطية العلمانية) لكي يتم تقييد الحريات الدينية باسم الديموقراطية في عدد من البلدان.
• مباشرة فرض الديموقراطية الجوفاء والحرية الزائفة بالقوة الغاشمة كما يحدث الآن في أفغانستان والعراق، وارتكاب مهزلة (الانتخابات تحت الاحتلال)، وهناك نماذج أخرى في التاريخ الحديث صارخة للاعتداء على الحرية باسم الديموقراطية.
• مشاهد متكررة (غير مقبولة عقلاً) من الكيل بمكيالين والوزن بميزانين (لا تخفى) في تعاملهم مع الشعوب والأمم والدول.
• إغلاق واختراق مواقع عدة على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) بخلاف ما بشر به (بعضنا) من بزوغ عهد الحرية الفكرية وحرية التعبير وانقراض الرقيب كما انقرض الديناصور!
• هناك مشهد حي يدل على الحرية والديموقراطية و (نهاية الأخلاق والقيم!) عندهم يتمثل في زرع أجهزة تنصت سرية كثيرة في قاعات مقر هيئة الأمم المتحدة بجنيف، أما التنصت على المكالمات فحدث ولا حرج.
وأخيراً لكم أن تبحثوا عن الديموقراطية بين الصورة والحقيقة في هذا الركام. إنها في حقيقتها عرجاء؛ بل إنها لا تعدو أن تكون دمية من الشمع صنعها الكبار ليلهو بها الصغار.
وعلى هذا فإن المكان الصحيح لنظرية (نهاية التاريخ) هو (مزبلة التاريخ) ولا يصح إلا الصحيح، ولكن حسب سنن الله الكونية.
(الديموقراطية تحتضر، والتاريخ لا يحابي ولا يرحم).