المنان
ما يرد المن في كلامهم : بمعنى الإحسان إلى من لا يستشيبه ولا يطلب الجزاء عليه فالمنان من أبنية المبالغة .. كالوهاب ، ومنه الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكنه خله الإسلام أفضل ) . ومعنى (إن من أمن الناس) أكثرهم جوداً لنا بنفسه ، وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة ) والله عز وجل هو المنان : من المن العطاء والمنان : هو عظيم المواهب ، فإنه أعطى الحياة ، والعقل ، والنطق ، وصور فأحسن وأنعم فاجزل ، وأسنى النعم ، وأكثر العطايا والمنح ) قال وقوله الحق ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) . ومن أعظم النعم بل اصل النعم التي أمتن الله بها على عباده الامتنان عليهم بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنقذهم الله به من الضلال وعصمهم به من الهلاك . قال الله تعالى ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) . فالله عز وجل هو الذي من على عباده : بالخلق ، والرزق ، والصحة في الأبدان ، والأمن في الأوطان ، وأسبغ عليهم النعم الظاهرة والباطنة ، ومن أعظم المنن وأكملها وأنفعها ـ بل أصل النعم ـ الهداية للإسلام ومنته بالإيمان وهذا أفضل من كل شئ . ومعنى (لقد من الله على المؤمنين ) أي تفضل على المؤمنين المصدقين والمنان المتفضل ) . والمنة : النعمة العظيمة . قال الأصفهاني : المنة : النعمة الثقيلة وهي على نوعين : النوع الأول : أن تكون هذه المنة بالفعل فيقال : من فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله تعالى : ( لقـــد مــن الله عــلى المؤمنين ) وقوله تعالى : ( كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن اله كان بما تعملون خبيراً). وقال عز وجل : ( ولقد مننا على موسى وهارون ) ( ولقد مننا عليك مرة أخرى) ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ) ( ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ) . وهذا كله على الحقيقة لا يكون إلا من الله تعالى فهو الذي من عباده بهذه النعم العظيمة فله الحمد حتى يرضى وله الحمد بعد رضاه وله الحمد في الأولى والآخرة . النوع الثاني : أن يكون المن بالقول ، وذلك مستقبح فيما بين الناس ولقبح ذلك قيل المنة تهدف الصنيعة قال الله تعالى : ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) . فالمنة من الله عليهم بالفعل وهو هدايتهم للإسلام والمنة منهم بالقول المذموم وقد ذم الله في كتابه ونهي عن المن المذموم : وهو المنة بالقول فقال : ( ولا تمنن تستكثر ) . قال ابن كثير : ( لا تمنن بعملك على ربك تستكثره ) وقيل غير ذلك وقال الله عز وجل : ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم . يا أيها الذين أمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين). وقد ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم المن بالعطية فقال عليه الصلاة والسلام (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم ) فقرأها رسول الله صلى الله عليه ولم ثلاث مرات ، قال أبو ذر : خابوا وخسروا . من هم يا رسول الله ؟ قال : المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب . هذا هو المن المذموم أما المن بمعنى العطاء والإحسان ، والجود فهو المحمود والخلاصة : أن الله تبارك وتعالى هو المنان الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، وهو عظيم المواهب ، أعطي الحياة ، والعقل ، والنطق ، وصور فأحسن ، وأنعم فأجزل ، وأكثر العطايا ، والمنح ، وأنقذ عباده المؤمنين ومن عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب وإخراجهم من الظلمات إلى النور بمنه وفضله ، ومن على عباده أجمعين : بالخلق ، والرزق ، والصحة ، والأمن لعباده المؤمنين ، وأسبغ على عباده النعم مع كثرة معاصيهم وذنوبهم ، فالملهم من علينا بنعمة الإيمان وأحفظنا وأجزل لنا من كل خير وأصرف عنا كل شر وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا كريم يا منان ، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم ، يا بديع السموات والأرض ، يا الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .
الوالي
الولي : يطلق على كل من ولى أمراً أو قام به ، والنصير ، والمحب ، والصديق ، والحليف ، والصهر ، والجار ، والتابع ، والمعتق ، والمطيع يقال : المؤمن ولي الله ، والمطر يسقط بعد المطر ، والولي ضد العدو ، والناصر والمتولي لأمور العالم والخلائق ، ويقال للقيم على اليتيم الولي ، وللأمير الوالي . قال الراغب الأصفهاني : الولاء والتوالي يطلق على القرب من حيث المكان ومن حيث النسب ومن حيث الدين ، ومن حيث الصداقة ، ومن حيث النصرة ، ومن حيث الاعتقاد ، والولاية النصرة والولاية تولي الأمر ، والولي والمولى يستعملان في ذلك كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموالي وفي معنى المفعول أي الموالي : يقال للمؤمن هو ولي الله ، ويقال الله ولي المؤمنين . وولاية الله عز وجل ليست كغيرها ( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) فهو سبحانه الولي الذي تولى أمور العالم والخلائق ، وهو مالك التدبير ، وهو الولي الذي صرف لخلقه ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وأخراهم ، وقد سمى نفسه بهذا الاسم فهو من الأسماء الحسنى قال الله عز وجل : ( أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحــــي الموتى وهو على كل شئ قدير ) وقال عز وجل : ( وهو الذي ينزل الغيث من بعدما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد) . فالله عز وجل هو الولي الذي يتولاه عبده بعبادته وطاعته والتقرب إليه بما أمكن من القربات وهو الذي يتولى عباده عموماً بتدبيرهم ونفوذ القدر فيهم ، ويتولى عباده بأنواع التدبير . ويتولى عباده المؤمنين خصوصاً بإخراجهم من الظلمات إلى النور ويتولى تربيتهم بلطفه ويعينهم في جميع أمورهم وينصرهم ، ويؤيدهم بتوفيقه ويسددهم قال الله عز وجل : ( والله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) . وقال عز وجل : ( وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين ) . فالله عز وجل هو نصير المؤمنين وظهيرهم ، يتولاهم بعونه وتوفيقه ، ويخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان .. وإنما جعل الظلمات للكفر مثلاً ، لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها وكذلك الكفر حاجب لأبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان ، والعلم بصحته وصحة أسبابه فأخبر عز وجل عباده أنه ولي المؤمنين ومبصرهم حقيقة الإيمان ، وسبله ، وشرائعه ، وحججه ، وهاديهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك بكشفه عنهم دواعي الكفر ، وظلم سواتر أبصار القلوب . والخلاصة : أن الله تعالى أخبر أن الذين آمنوا بالله ورسله ، وصدقوا إيمانهم بالقيام بواجبات الإيمان ، وترك كل ما ينافيه ، أنه وليهم ، يتولاهم بولايته الخاصة ، ويتولى تربيتهم فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر ، والمعاصي ، والغفلة ، والأعراض ، إلى نور العلم ، واليقين ، والإيمان والطاعة ، والإقبال الكامل على ربهم ، وينور قلوبهم بما يقذف فيها من نور الوحي والإيمان ، وييسرهم لليسرى ، ويجنبهم العسرى ، ويجلب لهم المنافع ، ويدفع عنهم المضار فهو يتولى الصالحين : ( إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ) الذين صلحت نياتهم ، واقوالهم ، فهم لما تولوا ربهم بالإيمان والتقوى ولم يتولوا غيره ممن لا ينفع ولا يضر تولاهم الله ولطف بهم ،وأعانهم على ما فيه الخير والمصلحة في دينهم ودنياهم ودفع عنهم بإيمانهم كل مكروه . كما قال عز وجل ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) ، وأما الذين كفروا فإنهم لما تولوا غير وليهم ولاهم الله ما تولوا لأنفسهم ، وخذلهم ووكلهم إلى رعاية من تولاهم ممن ليس عنده نفع ولا ضر ، فأضلوهم ، وأشقوهم ، وحرموهم هداية العلم النافع ، والعمل الصالح ، وحرموهم السعادة الأبدية وصارت النار مثواهم خالدين فيها مخلدين : اللهم تولنا فيمن توليت . والله عز وجل يحب أوليائه وينصرهم ويسددهم والولي لله هو العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته المبتعد عن معصية الله ، ومن عادى هذا الولي لله فالله عز وجل يعلمه بالحرب قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى : ( إن الله يقول : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما أفترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره التي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطيته ولئن استعاذني لاعيذنه وما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته) . والمعنى أنه إذا كان ولياً لله عز وجل فالله يحفظه ويسدده ، ويوفقه حتى لا يسمع إلا إلى ما يرضى مولاه ، ولا ينظر إلا إلى ما يحبه مولاه ولا تبطش يداه إلا فيما يرضى الله ولا تمشي قدماه إلا إلى الطاعات فهو موفق مسدد مهتد ملهم من المولى وهو الله عز وجل ولهذا فسر هذا الحديث بهذا أهل العلم كابن تيمية وغيره ولأنه جاء في رواية الحديث رواية أخرى (في يسمع ، وبي يبصر ، وبي يبطش وبي يمشي ،هذا يدل على نصرة الله لعبده ، وتأييده وإعانته فيوفقه الله للأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء ، ويصمه عن واقعة ما يكره الله عز وجل .