وهذا بحث وجدته لعل فيه فائدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد:
هذا جزء حديثي في بيان حال حديث: ] التهليل عشر مرات بعد صلاة الفجر والمغرب [ ، جمعت فيه طرق وروايات هذا الحديث، مع الكلام على أسانيدها جرحاً وتعديلاً، وبيان عللها والحكم عليها، وذلك لما كان كثير من الناس اليوم لا يعرفون صحيح الحديث من ضعيفه.
وإنما أردت في هذا الجزء أن نتعبد الله سبحانه وتعالى بما شرعه في كتابه، وفيما ثبت وصَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز لأحد كائناً من كان أن يتعبّد الله إلا بما شَرَعَ.
قال شيخ الإسلام ابْنُ تيمية رحمه الله تعالى: لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة.
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب جميع الأمة وأن يتقبل من هذا الجهد ويجعله في ميزان حسناتي بوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يتولانا بعونه ورعايته إنه نعم المولى ونعم النصير وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أبو عبدالرحمن
فوزي بن عبدالله الأثري
عن مُعَاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قال حين ينصرف من صلاة الغداة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات من قبل أن يتكلم كُتِبَ له بِهِنّ عشر حسنات ومُحِيَ عنه بِهِنّ عشر سيئات، ورُفِعَ بِهِنّ عشر درجات، وكُنَّ له عِدْلُ عشر نسمات، وكُنَّ له حرساً من الشيطان، وحرزاً من المكروه، ولم يلحقه في يومه ذلك ذنب إلا الشرك بالله »
قلت: هذا الحديث ضعيف مضطرب.
أخرجه النَّسَائِيّ في عمل اليوم والليلة (ص 195) من طريق حُصَيْن بن عاصم بن منصور الأسدي عن ابْنِ أبي حسين المكي عن شَهْر بن حَوْشَب عن عبدالرحمن بن غَنْم عن مُعَاذ به.
وإسناده ضعيف لحالِ حُصَيْن بن عاصم فإنه مجهول كما قال النَّسَائِيّ. وفي التقريب لابْنُ حَجَرْ (ص171) مقبول حيث يتابع وإلا فَلَيِّنُ الحديث.
وقد أخرجه ابْنُ السِّـنِّي في عمل اليوم والليلة (ص73) والمعمري في عمل اليوم كما في نتائج الأفكار لابْنُ حَجَرْ (ج2ص307) والبخاري في التاريخ (ج3ص11) والـمِزَّيّ في تهذيب الكمال (ق300\1\ط) من طريق حُصَيْن بن عاصم بن منصور الأسدي عن ابْنُ أبي الحسين المكي عن شَهْر بن حَوْشَب عن عبدالرحمن بن غَنْم عن مُعَاذ بن جبل مرفوعاً به.
وزاد النَّسَائِيّ وابْنُ السِّـنِّي في آخره: « .... ومن قَالَهُنَّ حين ينصرف من صلاة العصر أُعْطِيَ مثل ذلك في ليلته »
وعند الـمِزَّيّ: « .... ومن قَالَهُنَّ في دُبُرِ المغرب أُعْطِيَ مثل ذلك حتى يُصْبِح ».
وذكر فيه: « يُحْيِىِ ويُمِيِت بيده الخير » وهي عند الباقي لم توجد.
وتابع حُصَيْن عليه عبدالله بن زياد المدني عن ابْنُ أبي الحسين.
عند الطَّبَرَانِيّ في المعجم الكبير (ج2ص65) وفي الدعاء (ج2ص1123) وابْنُ حَجَرْ في نتائج الأفكار (ج2ص306و307).
وزادوا في آخره: « .... ومن قَالَهُنَّ حين ينصرف من المغرب أُعْطِيَ مثل ذلك ليلته ».
قلت: ولا يفيده متابعة عبدالله بن زياد المدني له. قال عنه النَّسَائِيّ وابْنُ الجنيد والدَّارَقُطْنِي: متروك،
وقال ابْنُ مَعِين: ليس حديثه بشيء ، وقال الْجُوزجاني: ذَاهِبُ الحديث وكَذَّبَهُ أبو داود وابْنُ سعد ومالك وابْنُ إسحاق.
قلت: فهي متابعة لا يفرح بها.
وانظر الضعفاء لابْنُ الجَوْزي (ج2ص123) والميزان للذهبي (ج3ص137).
وأشار الـمِزَّيّ إلى هذه الرواية في تهذيب الكمال ( ق300\1\ط)
وأخرجه التِّرْمِذِيّ في سننه (ج5ص515) من طريق عبيدالله بن عمرو الرَّقِّي عن زيد بن أبي أُنَيْسَة عن شَهْر بن حَوْشَب عن عبدالرحمن بن غَنْم ، لكن قال عن أبي ذَرٍّ بدل مُعَاذ بن جبل، وزاد في المتن : « وهو ثَانِيِ رِجْلَيْه ... يُحْيِىِ ويُمِيِت».
وقد سقط من سند التِّرْمِذِيّ ذِكْرُ ابْنُ أبي حسين، وهو في سند النَّسَائِيّ في عمل اليوم والليلة (ص196) وفي سند ابْنُ حَجَرْ في نتائج الأفكار (ج2ص305).
وقال الـمِزَّيّ في تحفة الأشراف (ج9ص178) : وهذا أولى بالصواب من حديث التِّرْمِذِيّ- يعني بِذِكْرِ ابْنُ أبي حسين - اهـ.
وقال ابْنُ حَجَرْ في نتائج الأفكار (ج2ص306) : ونُنَبِّهُ هنا على سقوط رجل من السند الذي ساقه التِّرْمِذِيّ، وهو عبدالله بن عبدالرحمن، فوقع عنده عن زيد عن شَهْر بغير واسطة, وثبت في رواية الباقين.اهـ
وأخرجه الطَّبَرَانِيّ في الدعاء (ج2ص1122) وابْنُ البَنَّاء في فضل التهليل (ص42و43) من طريق عبدالعزيز بن الحُصَيْن بن الترجمان عن محمد بن جَحَادة عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي حسين عن شَهْر به كذلك، لكن قال عن أبي هُرَيْرَةَ بدل أبي ذَرٍّ، وذكر فيه: «من قال بعد الغَدَاةِ وبعد المغرب... وكان له بكل واحدة مِنْهُنَّ عِدْلُ رقبة من ولد إسماعيل».
وإسناده وَاهٍ فيه عبدالعزيز بن الحُصَيْن الترجمان قال عنه النَّسَائِيّ: متروك، وقال البخاري: ليس بالقوي، وقال ابْنُ مَعِين: ضعيف، وقال مسلم: ذَاهِبُ الحديث.
انظر الميزان للذهبي (ج3ص341) والضعفاء النَّسَائِيّ (ص157) وتاريخ ابْنُ مَعِين (ج4ص266).
وقال الطَّبَرَانِيّ: وكذا رواه محمد بن جحادة فقال عن أبي هُرَيْرَةَ. وخالفه زيد بن أبي أُنَيْسَة وغيره فقالوا عن مُعَاذ.
وأخرجه أحمد في المسند (ج4ص227) وابْنُ حَجَرْ في نتائج الأفكار (ج2ص307) من طريق هَمَّام بن يحيى عن ابْنُ أبي حسين عن شَهْر عن عبدالرحمن بن غَنْم مرسلاً. وذكر فيه: «من قال قبل أن ينصرف ويَثْنِي رجله من صلاة الصُّبْحِ والمغرب» فذكر الحديث نحو ما تقدم.
قال ابْنُ حَجَرْ: هكذا أرسله هَمَّام... وعبدالرحمن لا تثبت صحبته.
وتابع هَمَّاماً إسماعيل بن عيَّاش عن ابْنُ أبي حسين وليث عن شَهْر به، عند عبدالرزاق في المصنَّف (ج2ص235). لكن إسماعيل ضعيف مخلط في رواية غير أهل بلده الشاميين، وابْنُ أبي حسين مكي. فهي منها.
وأخرجه الفِرْيَابِي في الذكر كما في نتائج الأفكار لابْنُ حَجَرْ (ج2ص306) من طريق إسماعيل بن عيَّاش عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي حسين، فخالف الجميع قال: عن شَهْر حدثني أبو أُمَامَةَ به. وإسناده ساقط إسماعيل بن عيَّاش لا يحتج به في غير أهل بلده الشاميين.
وأخرجه أحمد في المسند (ج6ص298) والطَّبَرَانِيّ في المعجم الكبير (ج23ص339) من طريقين عن عبدالحميد بن بَهْرَام حدثني شَهْر قال: سمعت أم سلمة تحدث زعمت أن فاطمة جاءت إلى نبي الله به وفيه: «وإذا صليت الصُّبْحِ فقولي... الحديث».
قلت: فيتحصل من هذا التفصيل أن الحديث ضعيف مضطرب.
قال الألباني في تمام المنة (ص228) بعدما ذكر الحديث: وقد اضطرب شَهْر في إسناده ومتنه على ابْنُ غَنْم: أما الإسناد فمرة يقول: عن ابْنُ غَنْم مرفوعاًَ.
وابْنُ غَنْم مُخْتَلَفٌ في صحبته، فهو مرسل. وهو رواية أحمد (4\227)
ومرة يقول: عنه عن أبي ذَرٍّ مرفوعاً، وهو رواية التِّرْمِذِيّ وكذا النَّسَائِيّ في عمل اليوم والليلة (رقم12).
وتارة يقول: عنه عن مُعَاذ. وهو رواية النَّسَائِيّ (126).
وأخرى يقول: عنه عن فاطمة رضي الله عنها، وهو رواية لأحمد (6\298).
فهذا اضطراب شديد من شَهْر يدل على ضعفه كما تقدم، ولذلك قال النَّسَائِيّ عقبه: وشَهْر بن حَوْشَب ضعيف، سُئِلَ ابْنُ عون عن حديث شَهْر؟ فقال: إن شَهْراً تركوه (أي طعنوا عليه وعابوه)، وكان شُعْبة سَيِّئَ الرأي فيه، وتركه يحيى القطان.
وأما المتن: فتارة يذكر صلاة الفجر دون المغرب، كما في حديث أبي ذَرٍّ. وتارة يجمع بينهما، كما في حديث ابْنُ غَنْم المرسل، وحديث فاطمة، وأخرى يذكر العصر مكان المغرب، وذلك في حديث مُعَاذ، وتارة يذكر «يحيى ويُمِيِت» وتارة لا يذكرها، وتارة يزيد قبلها «بيده الخير»، وتارة لا يذكرها،
وتارة يذكر: « قبل أن ينصرف ويَثْنِي رجليه ». وتارة لا يذكرها. وتارة يضطرب في بيان ثواب ذلك بما لا ضرورة لبيانه الآن. اهـ
قلت: وهذا الاضطراب ذكره الحافظ ابْنُ حَجَرْ في نتائج الأفكار (ج2ص304و305و306و307و308).
وللحديث شواهد من حديث أبي أُمَامَةَ وأبي أيوب وأبي هُرَيْرَةَ وأبي عيَّاش الزُّرْقِيّ وعمارة بن شبيب وأبي الدَّرْدَاء.
1– أما حديث أبي أُمَامَةَ:
أخرجه الطَّبَرَانِيّ في المعجم الكبير (ج8ص336) والشَّجَرِيّ في الأمالي (ج1ص246) وابْنُ السِّـنِّي في عمل اليوم والليلة (ص74) وابْنُ حَجَرْ في نتائج الأفكار )ج2ص308) من طريق آدم بن الحكم عن أبي غالب عن أبي أُمَامَةَ t مرفوعاً بلفظ: « مَنْ قال في دُبُرِ صلاة الغداة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يُحْيِىِ ويُمِيِت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير مائة مرة قبل أن يَثْنِي رجليه كان يومئذ أفضل أهل الأرض عملاً إلا من قال مثل ما قال أو زاد على ما قال».
قلت: وهذا سنده ساقط فيه أبو غالب صاحب أبي أُمَامَةَ قال عنه ابْنُ سعد: منكر الحديث وقال ابْنُ حِبّان: منكر الحديث على قِلَّتِه لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات، وضعفه أبو حاتم والنَّسَائِيّ وقال الدَّارَقُطْنِي: ثقة، وقال مرة: لا يعتبر به، وقال ابْنُ حَجَرْ: صدوق يخطئ.
وآدم بن الحكم البصري قال عنه ابْنُ مَعِين: صالح، وفي رواية: لا شيء ، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال ابْنُ أبي حاتم: تغَيَّر حفظه.
انظر تهذيب الكمال للمِزِّيّ (ج24ص170) ولسان الميزان لابْنُ حَجَرْ (ج1ص336) والتقريب له (ص664).
قلت: فمثله حسن في المتابعات والشواهد، ولم أقف هنا على ما يشهد له ويقويه بالتقييد بالمائة في دُبُرِ صلاة الغداة.
قلت: فهو منكر بهذا اللفظ.
نعم وقع التقييد بالمائة في الصحيحين والموطأ من حديث أبي هُرَيْرَةَ، لكن مطلقاً ليس فيه التقييد بصلاة الغداة، ولا الزيادة في الذكر.
علماً أن الحديث ليس فيه شاهد للقيد بعد صلاة الغداة والمغرب بعشر تهليلات كما في الحديث المتقدم. فلا يصح له شاهد.
2- وأما حديث أبي أيوب الأنصاري:
أخرجه ابْنُ حِبّان في صحيحه (ج3ص236) من طريق علي بن المديني قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن ابْن إسحاق قال: حدثني يزيد بن يزيد بن جابر عن القاسم بن مخيمرة عن عبدالله بن يعيش عن أبي أبوب قال: قال رسول الله r : « من قال إذا أصبح لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب له بِهِنّ عشر حسنات، ومحي بِهِنّ عنه عشر سيئات، ورفع له بِهِنّ عشر درجات، وكن له عِدْلُ عتاقة أربع رقاب، وكن له حرساً من الشيطان حتى يُمْسِي، ومن قَالَهُنَّ إذا صلى المغرب دُبُرِ صلاته فمثل ذلك حتى يصبح».
قلت: وهذا سنده تالف فيه عبدالله بن يعيش قال عنه الحُسيني في الإكمال (ص254): مجهول. وانظر تعجيل المنفعة لابْنُ حَجَرْ (ص243).
وذكره ابْنُ حِبّان في الثقات (ج5ص62). وتوثيق ابْنُ حِبّان مما لا يوثق به إذا تفرد كما بينه الحافظ
ابْنُ حَجَرْ في مقدمة لسان الميزان (ج1ص14).
فأورده في الثقات على قاعدته في توثيق المجهولين.
قلت: ولعلَّ أول الحديث يُفَسِّرُ آخِرَهُ بأن يُقال في الصباح والمساء ويُؤَيِّدُه الحديث الآتي.
وأخرجه ابْنُ حِبّان أيضاً في صحيحه (ج3ص236) من طريق علي بن المديني حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابْن إسحاق قال: حدثنا يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول عن عبدالله بن يعيش عن أبي أيوب مرفوعاً بلفظ: « من قال دُبُرِ صلاته إذا صلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له... ومن قَالَهُنَّ حين يُمْسِي كان له مثل ذلك حتى يصبح ».
هكذا وقع مطلقاً في جميع الصلوات، وفيه أيضاً عبدالله بن يعيش وهو مجهول كما تقدم.
وأخرجه أحمد في المسند (ج5ص415) من طريق إسحاق بن إبراهيم الرَّازِيّ ثنا سلمة بن الفضل حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن يزيد بن جابر عن القاسم بن مخيمرة عن عبدالله بن يعيش عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً بلفظ: « من قال إذا صلى الصُّبْحِ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كُنَّ كعِدْلُ أربع رقاب وكُتِبَ له بِهِنّ عشر حسنات ومُحِيَ عنه بِهِنّ عشر سيئات ورفع له بِهِنّ عشر درجات وكُنَّ له حرساً من الشيطان حتى يُمْسِي وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك ».
قلت: وهذا سنده ساقط أيضاً عبدالله بن يعيش وهو مجهول كما تقدم، وسَلَمَة بن الفضل الأبرش قال عنه البخاري: عنده مناكير، وقال علي: ما خرجنا من الريّ حتى رمينا بحديثه ، وقال النَّسَائِيّ: ضعيف، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم، وقال ابْنُ حِبّان: يخطئ ويخالف، وقال ابْنُ حَجَرْ: صدوق كثير الخطأ.
انظر تهذيب الكمال للمزي (ج11ص305) والتهذيب لابْنِ حَجَرْ (ج4ص135) والتقريب له (ص248).
قلت: فالحديث منكر.
وقد تابعه أبو رُهْم أَضْراب بن أسيد عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً بلفظ: « من قال حين يصبح لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يُحْيِىِ ويُمِيِت، وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كَتَبَ الله له بكل واحدة قالها عشر حسنات، وحَطّ الله عنه عشر سيئات، ورفعه الله بِها عشرَ درجات، وكُنّ له كعشر رقاب، وكُنّ له مَسْلَحَةً من أول النهار إلى آخره، ولم يعمل يومئذ عملاً يَقْهَرُهُنَّ، فإن قال حين يُمْسِي فمِثْلُ ذلك ».
أخرجه أحمد في المسند (ج5ص420) وابْنُ الجَوْزي في الحدائق (ج3ص303) من طريق أبي اليمان حدثنا إسماعيل بن عيَّاش عن صفوان بن عمرو عن خالد بن معدان عن أبي رُهْم به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الألباني في الصحيحة ( ج1ص180): وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات وابْنُ عيَّاش إنما ضعف في روايته عن غير الشاميين، وأما في روايته عنهم فهو صحيح الحديث كما قال البخاري وغيره وهذه منها، فإن صفواناً من ثقاتهم.
قلت: وإن صح الحديث فليس فيه التقييد بصلاة الصُّبْحِ والمغرب، بل مطلقاً في الصباح والمساء. فهو من أذكار الصباح والمساء، فلا يصلح له شاهد للقيد.
أي فهو من أذكار الصباح والمساء، لا من أذكار الصلاتين الفجر والمغرب.3-
وأما حديث أبي هُرَيْرَةَ:
أخرجه الحسن بن عَرَفَة في جزئه (ص51) وَعَنْهُ له طريقان:
الأول: فتح بن خلف الثومي عنه حدثنا قُرَّان بن تَمَّام الأسدي عن سُهَيْل بن أبي صالح عن أبيه عن
أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً بلفظ: « من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، بعدما يصلي الغداة عشر مرات، كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورُفِع له عشر درجات وكُنَّ له بعِدْلُ عتق رقبتين من ولد إسماعيل، وكُنَّ له حجاباً من الشيطان، فإن قالها حين يُمْسِي، كان له مثل ذلك، وكُنَّ له حجاباً من الشيطان حتى يصبح ».
أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (ج12ص389) من طريق أبي القاسم عبدالله بن الحسن حدثنا فَتح به.
قلت: وهذا سنده فيه فتح بن خلف الثومي أورده الخطيب ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعَدِيّلاً فهو مجهول، وقُرَّان بن تَمَّام الأسدي قال عنه ابْنُ سعد: كانت عنده أحاديث منهم من يستضعفه، وقال ابْنُ حَجَرْ صدوق ربما أخطأ وقال ابْنُ حِبّان: يخطئ. فالإسناد ضعيف.
انظر تهذيب الكمال للمزي (ج23ص559) والتقريب لابْنُ حَجَرْ (ص454) .
قلت: والتقييد وقع بعد صلاة الغداة فقط، لكن ليس فيه التقييد بعد صلاة المغرب، ولعل آخر الحديث يفسر أوله بأن يقال في الصباح والمساء كما تقدم.
الثَّانِيِ: إسماعيل بن محمد الصفار عنه قال: حدثنا قُرَّان بن تَمَّام الأسدي به.
أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد أيضاً (ج12ص389و472) من طرق عن إسماعيل به.
قلت: وفي السند قُرَّان، وقد تقدم بيان ضعفه فالإسناد ضعيف.
4- وأما حديث أبي عيَّاش:
أخرجه أبو داود في سننه (ج4ص319) والبخاري في التاريخ الكبير (ج3ص381) والنَّسَائِيّ في عمل اليوم والليلة (ص149) وابْنُ ماجة في سننه (ج2ص1272) وأحمد في المسند (ج4ص60) وابْنُ أبي شيبة في المصنف (ج1ص244) وفي المسند (ج2ص316) والفِرْيَابِي في الذكر كما في نتائج الأفكار لابْنُ حَجَرْ (ج2ص366) والطَّبَرَانِيّ في المعجم الكبير (ج5ص217) وفي الدعاء (ج2ص281) والخَرَائِطِيّ في مكارم الأخلاق (ج2ص833) وابْنُ أبي عاصم في الآحاد والمثَانِيِ تعليقاً (ج4ص197) وابْنُ حَجَرْ في نتائج الأفكار (ج2ص365و366) من طريق حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي عيَّاش الزُّرْقِيّ مرفوعاً بلفظ: « من قال إذا أصبح لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان له كعِدْلُ رقبة من ولد إسماعيل، وكُتِبَ له بها عشر حسنات، وحُطَّ عنه بها عشر سيئات وكان في حِرْزٍ من الشيطان حتى يُمْسِي، وإذا أمسى مثل ذلك حتى يصبح ».
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط مسلم، وقد صححه الألباني في مشكاة المصابيح (ج2ص740).
وقال ابْنُ حَجَرْ: هذا حديث صحيح.
قلت: وإن صحّ الحديث فليس فيه التقييد بصلاة الصُّبْحِ والمغرب وبعشر تهليلات، بل مطلقاً في الصباح والمساء، فلا يصلح له شاهد للقيد.
وأخرجه ابْنُ السِّـنِّي في عمل اليوم والليلة (ص33) من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد ابْنُ أبي هلال عن أبي صالح السمان أن أبا عيَّاش به.
وأخرجه الدولابي في الكُنى (ج1ص46) من طريق ابْنِ أبي مريم قال ثنا أبو غسان قال حدثني زيد عن أبي عيَّاش به.
5- وأما حديث عمارة بن شبيب:
أخرجه التِّرْمِذِيّ في سننه (ج5ص544) والنَّسَائِيّ في عمل اليوم والليلة (ص385) من طريق أبي عبدالرحمن الْحُبُلِيّ عن عمارة بن شبيب السّائِي قال: قال رسول الله r: « من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يُحْيِىِ ويُمِيِت وهو على كل شيء قدير عشر مرات على إثر المغرب بعث الله مُسَلَّحَةً يحفظونه من الشيطان حتى يُصْبِح، وكتب الله له لها عشر حسنات مُوجباتٍ، ومَحَى عنه عشر سيئات مُوبِقات، وكانت له بعِدْلُ عشر رقاب مؤمنات ».
قلت: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، ولا نعرف لعمارة سماعاً عن النبي r.
قلت: وفي تحسينه نظر.
قلت: وعلى فرض صحته فإنه ليس فيه شاهد للقيد، فهو من أذكار المساء فقط، لا من أذكار الصلاتين الفجر والمغرب.
6- وأما حديث أبي الدَّرْدَاء:
أخرجه الطَّبَرَانِيّ في مسند الشاميين (ج1ص37) من طريق موسى بن محمد بن عطاء البلقاوي ثنا هاني بن عبدالرحمن ورديح بن عطية أنهما سمعا إبراهيم بن أبي عُلَيَّة يقول: سمعت أم الدَّرْدَاء تقول: سمعت أبا الدَّرْدَاء يقول: إن رسول الله r قال: « من قال بعد صلاة الصُّبْحِ، وهو ثَانٍ رِجْلِهُ قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يُحْيِىِ ويُمِيِت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كُتِبَ له بكل مرة عشر حسنات، ومُحِيَ عنه عشر سيئات، ورُفِعَ له عشر درجات، وكُنّ له في يومه حِرزاً من كل مكروه، وحِرزاً من الشيطان، وكان له بكل مرة عِتْقُ رقبة من ولد إسماعيل، ثمن كل رقبة اثنا عشر ألفاً، ولم يلحقه يومئذ ذنب إلا الشرك بالله، ومن قال ذلك بعد صلاة المغرب كان له مثل ذلك ».
قلت: وهذا سنده أوهن من بيت العنكبوت فيه موسى بن محمد بن عطاء البَلْقَاوِي كَذَّبَهُ أبو زرعة وأبو حاتم وقال النَّسَائِيّ: ليس بثقة وقال الدَّارَقُطْنِي: متروك، وقال ابْنُ حِبّان: كان يصنع الحديث، وقال ابْنُ عَدِيّ: كان يسرق الحديث.
انظر الميزان للذهبي: (ج5ص344)
قلت: فلا يصلح للاستشهاد.
وذكره الهيثمي في المجمع (ج1ص108) ثم قال: رواه الطَّبَرَانِيّ في الكبير والأوسط وفيه موسى بن محمد بن عطاء البلقاوي وهو متروك. اهـ
خلاصة القول: أن الحديث ضعيف لا يصح، لأنه تفرد به شَهْر بن حَوْشَب وهو كثير الخطأ والأوهام، وقد اضطرب في إسناده ومتنه اضطراباً كثيراً كما أوضحته في البحث المتقدم مع ضعف أسانيده، وقد ذكر لهذا الحديث شواهد كما مر عليك في البحث قَوَّاهُ بها بعض أهل العلم، وهي إما ليس فيها شاهد للحديث وإما واهية الأسانيد، والأسانيد الواهية لا يعتد بها مهما كثرت وتعددت، ولا يجوز أن يستشهد بأحاديث المجهولين ولا المتروكين ولا المتهمين كما هو مقرر في علم مصطلح الحديث، علماً بأن الْمُسْتَشْهِدِين بها لا يشرحون عِلَلَها لِتُعْلَمَ حقيقتها ولا يحكمون عليها بما يبين حالها، وإنما يكتفون بسردها فيحصل بذلك التباس.
ثم كيف نعدها شواهد ومعانيها متباينة، حديث أبي عيَّاش يقال مرة واحدة، وحديث عمارة يقال عشر مرات في الصباح والمساء، وحديث أبي أُمَامَةَ يقال مائة مرة، وحديث أبي هُرَيْرَةَ عشر مرات بعد صلاة الغداة فقط، وحديث أبي أيوب في المساء والصباح ويقال عشر مرات، فهل يصار إلى المرة أم إلى العشر أم إلى المائة.
ثم اضطراب في بيان ثواب ذلك حتى في الرقبة في حديث مُعَاذ عِدْلُ عشر نسمات، وحديث أبي هُرَيْرَةَ رقبة واحدة وفي لفظ بعِدْلُ رقبتين، وحديث أبي أيوب أربع رقاب وقي لفظ عشر رقاب، وحديث عمارة بعِدْلُ عشر رقاب مؤمنات، وحديث أبي الدَّرْدَاء بكل مرة عتق رقبة فيه من ولد إسماعيل ثمن كل رقبة اثنا عشر ألفاً.
ثم كذلك تذكر صلاة الفجر دون المغرب، وتارة صلاة المغرب دون الفجر، وتارة يجمع بينهما، وتارة لم تذكر صلاة الفجر والمغرب، فمتونها غير مستقيمة مع سقوط أسانيدها.
وأخيراً أقول: فلا يشرع العمل بها بعد ثبوت ضعفها.
والحمد لله أولاً وآخراً كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله رب العالمين.