عبدالله إبراهيم العسكر
شاركت في ندوة مصغرة عن: تاريخ ابن لعبون، إلى جانب لفيف من المؤرخين السعوديين والكويتيين وبعض المهتمين من دول مجلس التعاون الخليجي وغيرهم. أقيمت الندوة في مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي في الكويت في الفترة 27-82/4/1430ه الموافق 24-25م4/2009م. وقد رأيت أن أذيع ملخصاً لورقتي التي جاءت تحت عنوان: (منهج المؤرخ ابن لعبون في كتابة التاريخ) في حديث هذا الأربعاء.
ولد المؤرخ حمد بن محمد بن ناصر بن عثمان بن ناصر بن حمد بن إبراهيم بن حسين بن مدلج العنزي ثم الوائلي الحنبلي الملقب لعبونا في بلد (حرمة) قبل عام1181ه وتوفي في بلدة (التويم) بعد عام 1257ه. ولعبون لقب جد أبيه عثمان بن ناصر بن حمد. وسبب ذلك أن بندقية ابن عمه حمد بن حسين أصابته عن طريق الخطأ بطلقة في شدقيه. وبرأ منها، لكن صار لعابه يسيل دون أن يتحكم فيه، ولهذا لقب بلعبون.
أقام حمد بن لعبون في بلدته حرمة منذ ميلاده حتى زمن هدم البلدة بأمر من الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد سنة 1193ه/1779م فغادرها مع معظم أهلها. وهو سكن في القصب، ثم تحول إلى ثادق سنة 1205ه/1790م ثم انتقل مع أسرته إلى حوطة سدير سنة1233ه/1817م وأخيراً استوطن بلدة التويم وذلك سنة 1238ه/1822م وأصبح إمام وخطيب المسجد الجامع. هذه التنقلات المتعددة والمتقاربة تنم عن شخصية قلقة، أو أنه كان يبحث عن عمل.
الأمر المثير أن سنة ميلاد ابن لعبون وسنة وفاته لم يرد ذكرهما أو ذكر ما يستحقه هو من قبل المؤرخين الذين نقلوا من تاريخه، رغم مجايلة بعضهم له في البلد، أو في منطقة الإقامة والسكن. مثل: محمد بن عبدالله الفاخري ((1186-1277)ه) وعثمان بن عبدالله بن بشر (1210-1290ه) وهناك من المؤرخين الذين لم يعاصروا المؤرخ ابن لعبون وإنما جاءوا بعده بزمن ليس بالطويل مثل: إبراهيم بن صالح بن عيسى (1270-1343ه) الذي نقل عنه معلومات كثيرة. ومع هذا لم يذكر ترجمة له. قلت أنه أمر مثير لا أجد له تفسيراً.
ولا يمكن تفسير هذا التجاهل المعتمد بالتبريرات من قبل تصنيف بعض المؤرخين النجديين ضمن قائمة الموالين أو المعارضين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لكي يتم حجب آثارهم. ويظهر من كتابات ابن لعبون أنه نظر للأحداث والوقائع التي عاصرها بنظرة موضوعية تامة، ولم يتعاطف مع أطراف تلك الأحداث أو الوقائع. فلم أجده على سبيل المثال خرج عن الموضوعية عندما أرّخ لأحداث عام 1193ه المتعلقة ببلده حرمة، من إجلاء لسكانها وهدم لبيوتها، وقطع لنخيلها وأشجارها. فقد كان معاصراً لها وشاهد عيان، وتم إجلاؤه مع غيره بسببها.
لا يغرب عن بال الباحث في تاريخ نجد الحديث أهمية تاريخ حمد بن لعبون. فتاريخه احتوى على معلومات تتميّز بميزتين: الأولى أنها مصدر لكل من أتى بعده من المؤرخين. والأخرى أنه أورد معلومات لا توجد في مصدر معاصر له. وابن لعبون كعادة
مؤرخي نجد لا يقتصر على أحداث نجدية عاصرها أو سمع عنها، بل يذكر حوادث ووقائع في مناطق بعيدة عنه مثل: الحجاز والعراق والكويت وشرق الجزيرة العربية ومصر واستانبول. وهو في هذا ينقل من مصادر يذكرها تارة ويتجاوزها أخرى.
بدأ تاريخه في جزئه الأول، كعادة المؤرخين المسلمين الأوائل، من لدن آدم عليه السلام، ونهايته ناقص الآخر. وهذا الجزء يمكن أن نسميه مقدمة. وقد غطى منطقة واسعة تشمل: نجد- والحجاز- والإحساء- والزبير- والعراق- ومصر- وبلاد المشرق- والدولة العثمانية. أما الجزء الثاني من تاريخه الذي سماه: تاريخ الدولة السعودية الحنفية. وهو ناقص في السنوات الأولى حيث يبدأ بسنة 1059ه. وينتهي بسنة 1257ه . وبهذا يكون غطى معظم تاريخ الدولتين السعوديتين الأولى والثانية. والمثير هنا هو: تسمية الدولة السعودية ( بالحنفية) وربما أنه قصد نسبتها إلى وادي حنيفة، أو نسبتها إلى بني حنيفة أو نسبتها إلى الشرع الحنفي السمح. على انه أول من سمى الدولة السعودية بهذا الاسم. وقد اعتمد ابن لعبون على مؤلفات من سبقه مثل: أحمد بن محمد بن عبدالله البسام (ت 1040ه تقريباً) ، وأحمد بن محمد المنقور ( 1067-1125ه) ، ومحمد بن ربيعة بن محمد العوسجي ( 1065-1158)، وحسين بن غنام (ت 1225ه/1810م).
نجد أن ابن لعبون استفاد من تاريخ ابن غنام، ولم يذكره عند كل اقتباس. والقريب إلى الفهم الصحيح أن ابن لعبون أطال النظر والاستفادة من تاريخ ابن غنام، وهو من جرد تاريخ ابن غنام كما ذهب إلى ذلك الدكتور عبدالله المنيف، لا كما يذهب بعض المؤرخين إلى أن ابن بشر هو من قام بالتجريد. ولا يستبعد أن ابن بشر سطا على ما أنجزه ابن لعبون ونسبه إلى نفسه.
وأسلوب ابن لعبون تلقائي في تحرير الأحداث الخاصة بالدعوة ونشأة الدولة السعودية وغزواتها الأولى، والتي لا أشك في رجوع ابن لعبون إلى تاريخ ابن غنام. وهو على كل حال كثير الرجوع والاستفادة من التواريخ التي سبقته مثل: تاريخ محمد بن عبدالله بن سلطان (ت1099ه) وتاريخ أحمد بن محمد المنقور(1067-1125ه) وتاريخ محمد بن ربيعة (ت1158ه) وتاريخ محمد بن حمد بن عباد (ت1175ه) ولكنه تميز عنهم بجوانب كثيرة في أحداث السنين التي عاصرها زماناً ومكاناً.
ومع ذلك كان ابن لعبون صاحب مبدأ فريد ومنهج تاريخي رائد في كتابه (تاريخ نجد) ويعبر عن المؤرخ الذي انبعث من واقع حب التاريخ. ويختلف منهجه في كتابة التاريخ عن المؤرخين السابقين، فهو لم يتبع منهج الحوليات المعروف، وهو لايلتزم منهجاً محدداً، بل إن كتابات تميل إلى كونه يكتب خطاب لأبن عمه ضاحي بن محمد بن إبراهيم بن عون المدلج ( 1186-1260ه) التاجر النجدي المقيم في بومبي، والذي كلفه بتسجيل تاريخ نجد.
وهو ينحاز إلى الإيجاز الشديد، وتقييداته منظمة، على انه يحاول قدر جهده أن يلتزم التسلسل الزمني، ولغته خليط من الفصحى والعامية. وتتصف ترسيمات ابن لعبون بقلة التوثيق ونزوعه إلى ذكر الواقعة أو الحدث دون تدخل أو إبداء الرأي خصوصاً في الحوادث التي طالته شخصياً. وغطت كتابات ابن لعبون ذكر الحروب والمعارك والاغتيالات، وذكر بعض وفيات الأعيان، وذكر سنوات القحط والمجاعة ونزول المطر أو عدمه، وهبوب الرياح أو ظهور الجراد ، وذكر بعض الأوبئة، وبعض الأنواء، وذكر رخص الأسعار أو ارتفاعها.
ويظهر من منهجه أنه يريد أن يدوّن كل سنة بسنة، ويذكر ما فيها من الحوادث والوقائع، ولكنه لم يفعل إما عجزاً أو أن مسوداته ضاعت ولم تصل إلينا. وهو يتجنب التفصيلات التي قد يُساء فهمها. ومع هذا فهو يستحق لقب شيخ المؤرخين النجديين.