إن من نعم الله تعالى على هذه الأمة أن جعل لها أئمة يجددون الدين ويبيِّنون العلم الذي جاء به نبي الله – صلى الله عليه وسلم – ففي مسند البزار وغيره عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " يحمل هذا العلم من كل خلق عدولُهُ ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " وقد صحح هذا الحديث الإمام أحمد –رحمه الله – والحديث في مثل معنى قوله – صلى الله عليه وسلم – " لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم " رواه البخاري ومسلم .
قد منَّ الله عز وجل على الأمة بعلماء عاملين يصونون العلم ويحفظونه ويبلغونه ، والعلماء قد أثنى الله عز وجل عليهم في غير ما آية من أعظمها قوله تعالى : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة و أولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " . استشهد الله عز وجل بأهل العلم على اعظم مشهود وهو توحيده وذا يدل على فضل العلم و أهله " إنما يخشى الله من عباده العلماء " " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " " أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب " " قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ً " "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون " وقد تكاثرت النصوص العظيمة المباركة في فضل العلم و أهله ، وقد تقرر عند أهل العلم أن من حمل العلم فهو ثبت ثقة عدل ، فتيتعين على المستبصر في دينه أن يعلم حال أهل العلم وصفاتهم حتى يجعلهم حجة فيما بينه وبين الله تعالى بما آتاهم الله تعالى من العلم والفقه والحفظ والدراية .
فأعظم هذه الصفات تمسكهم بالحق واستقامتهم على السنة و أنهم لا يتلّونون ولا يرغبون عن الحق ولو خالف أهواءهم ، قال تعالى : " ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق و أنتم تعلمون " قال حذيفة – رضي الله عنه - : " إن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر وتنكر ما كنت تعرف ، وإياك و التلون في الدين فإن دين الله واحد " .
ومن أعظم صفاتهم و أحوالهم القول بالحق والصدع به إذا تُرك أمرٌ أو فُعل نهيٌ فإنهم يبيِّنون ما أنزل الله على رسوله ويعلمون أن شرف الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " كنتم خير أمة للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ويدركون أن لعنة الله تحيط من ترك هذا الواجب العظيم " لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " .
وهؤلاء العلماء العاملون غالب شأنهم لا يتأثرون بكثرة الشر و ورود الفتن بإذن الله عالى ، وطّنوا أنفسهم على اتباع الحق و دحض الباطل بل إن كفر من في الأرض جميعاً لم يكف الواحد منهم ، لا يغترون لكثرة أتباع ولا يفترون بقلتهم بل علماء عاملون أئمة مهديون سادة مرشدون عابدون زاهدون . فالعلماء ليسوا أهل أههواء وبدع بل علماء سنة واتباع ، ليسوا أهل بغي وعدوان بل صلة وتسامح ، ليسوا أهل كلام وجدل بل أهل علم وبيان ، ليسوا أهل لغو ولغط بل أهل تنسك وعبادة ، عاشوا في العلم وللعلم ، عملوا بالعلم ودعوا إلى العلم وصبروا على العلم والدعوة .
صحبوا الخلائق بالجسوم .. و إنما أرواحهم في منزل فوقاني
علّقوا قلوبهم بالله ، لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً ، تواضعوا لله وتواضعوا مع خلق الله فلم يتكبروا .
ومن أعظم صفات أهل العلم العاملين أنهم ينفون عن العلم والدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، فكل من غلا في فهم آية أو حديث و أتى بشائبة تبعد عن الفهم الصحيح نفوها حتى يكون الدين صافياً من كل شائبة ، وكل من انتحل صفة العلماء وتكلم بالباطل بينوا زيفه وردوا باطله ، يقومون بذلك مقام النبي – صلى الله عليه وسلم – في الدعوة والبيان ، وكل من يحمل النصوص على غير محاملها ويأولها كشفوا جهله وردوا تحريفه حماية للدين والشريعة .
عن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يحدد لها دينها " وهؤلاء العلماء من جملة الأأسباب التي هيأها الله تعالى لحفظ دينه كما قال تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون " .
العلماء الذين نطقوا بالكتاب وتحدثوا بالحديث اتبعوا الآثار النبوية ، رسخوا في العلم ، رسخوا في الطاعة ، رسخوا في العبادة والدعوة ، أبصر الناس بالشر " قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين "
يجب علينا أن نحب علماءنا ونجلهم ونحترمهم ، وفي الحديث :" ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه " لا نخوض في عرضه ولا نطلق ألسنتنا في عرضه لو أخطأ بل ندعو له بالهداية ونستغفر الله له " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان " وقد زخرت الأمة لعلماء أفذاذ مجددين لأمر الدين من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – والتابعين إلى الأئمة الأربعة ورواة الحديث وحفاظه كأبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج و أصحاب السنن و الإمام أحمد بن حنبل و ابن خزيمة والنووي وابن تيمية وابن القيم والذهبي والحافظ بن حجر إلى الإمام محمد بن عبد الوهاب و أولاده و أحفاده وتلاميذه .
وفي عصرنا الإمام العلامة عبد العزيز بن باز و الشيخ ناصر الدين الألباني و الشيخ الإمام محمد الصالح العثيمين وغيرهم من أهل العلم والفضل – رحم الله الأموات و حفظ الأحياء بما يحفظ به عباده الصالحين - .
منقول