وادي الدواسر
لكل بلد ما يميزه عن غيره، ولكل بلد جزء من التاريخ يعتز به، ولكل بلد مظاهره الطبيعية التي تكسوه جمالاً، ولكل بلد مميزاته التي جعلت منه بلداً منتجاً. ولوادي الدواسر "محافظة وادي الدواسر" من المميزات ما يكاد يجمع الأمور التي ذكرت.
ولعل الميزة الأولى لوادي الدواسر تتجلى بكونه هو المكان الوحيد الذي عندما تطرأ كلمة "الوادي" يعرف أن المقصود هو "وادي الدواسر" مع أنه من أقصر الأودية الكبيرة في الجزيرة العربية، ومع ذلك اكتسب هذه الخاصية فأصبح يُعرف باسم "الوادي" دون الحاجة إلى الإضافة لعلميتها فتعرف دون أن تذكر.
ويتميز الوادي بأنه مستقر لقبائل عربية قديمة عُرفت بأهميتها ونشاطها الحضري والبدوي، ففي الجاهلية استوطنته قبيلة بني عقيل وهي أحد فروع قبيلة بني عامر العدنانية النسب واستمرت فيه حتى أواسط العصر الإسلامي. وبعد هنيهة من الزمن حل قبيلة الدواسر في الوادي الذي أصبح يُعرف باسمهم، ولما ضاق بها انتشرت في نواحي الجزيرة العربية المختلفة. ولاتزال فروع من قبيلة الدواسر تقيم فيه وإلى حد ما محتفظة في مواطنها القديمة.
ويتميز وادي الدواسر بآثاره المتنوعة التي تشمل الامتداد الزمني منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى اليوم الحاضر. ومنها تلك المواقع التي لا تبعد عن مدينة الخماسين إلا قليلاً وتحتوي على بحيرات جافة من على حوافها التقطت مجموعات من الأدوات الحجرية التي تنم عن وجود إنسان العصر الحجري الحديث في غابات تغطي أشجارها الباسقة مساحات شاسعة تنتشر حول تلك البحيرات والنهيرات التي كانت تغذيها بالمياه.
وفي المحافظة يوجد عدد من مواقع المنشآت الحجرية القديمة التي تربطها بغيرها من مواطن إنسان الألف الثالث قبل ميلاد المسيح عليه السلام في الجزيرة العربية. شيدت تلك المنشآت بالحجر بنماذج مختلفة ولأهداف متنوعة. وتتكاثر في البيئات حجرية التركيب وتكثر على سطوح المرتفعات وسفوح الجبال وحواف الأودية المنبسطة. ومع وجود ما يميزها إلا انها تشبه في تصاميمها ما عثر عليه من منشآت حجرية في نواح مختلفة من الجزيرة العربية.
ومن مميزات حضارة الوادي الأخرى كثرة النقوش القديمة والرسوم الصخرية. وتلك السمتان "النقوش والرسوم الصخرية" من سمات وجود أمة مستقرة ومتحضرة إذ لا يُعرف أن الكتابة سمة من سمات الأمم بدوية الحياة، أي القبائل الرحل أو حتى المجتمعات الفقيرة المستقرة. وعليه فالكتابة والرسوم من مخلفات الأمم المتحضرة الغنية، ومع قلة الدراسات الآثارية الميدانية المنفذة في وادي الدواسر والتي تقتصر على موسم مسح قامت به وكالة الآثار والمتاحف السعودية عام 1978م وبقي يتيماً حتى اليوم، إلا أنه هناك عدداً كبيراً من النقوش والرسوم كشف ونشر يكفي ليدل على حضارة ذلك الوادي العريق. وربما كفانا أن نذكر أن من بين نتائج مسح وكالة الآثار والمتاحف تلك الصخرة التي احتوت على رسوم للجمال والأبقار والغزلان والذئاب التي كانت في وضع الهجوم على قطيع من النعام. ويوجد أيضاً رسم لبقرة يقف أمامها غزال. وعلى جزء آخر من الصخرة يقف رجل مقاتل يحمل بيده سهماً. ووجد في مكان آخر رسم لفارس على صهوة جواده ويمسك في يده بسيف ويوجد بالقرب منه رأسان لنعام ربما أن الفارس هو الذي قام بقتلهما. ومن المناظر المألوفة في رسوم وادي الدواسر الصخرية رسوم الفرسان في وضع قتال وصراع، ومنها منظر لفارس يمسك في يد قوساً وفي الأخرى يهوي بسيف على رأس مقاتل آخر ليطيره من على كتفيه.
أعتقد أن الحضارة تتجلى في هذه المناظر منذ أزمنة سحيقة. فالجمال والأبقار من دعائم اقتصاد أي مجتمع مستقر. فتلك الحيوانات أحد مصادر غذائه، وأحد وسائل نقله، وأحد سلع مقايضته، وأحد مصادر نماء ثروته وتزايدها. أما الغزال والنعام والذئاب فهي من الحيوانات الدالة على وجود بيئة خضراء ومياه شبه دائمة أو دائمة.
ومما لاشك فيه أن مناظر الفروسية والفرسان والأسلحة وبخاصة السهام والسيوف لتدل على مجتمع مستعد لحماية نفسه من المعتدين. أما الحصان فهو رمز الفروسية عند العرب القدماء ورمز الشجاعة فلا يملكه إلا من يستطيع أن يفيه حقه. واشتهر الدواسر في واديهم بتربية الخيول فقد جاء في رحلة ابن المجاور نص يتحدث عن ذلك.
( منقول من جريدة الرياض ) .......... ومع المحبة والتقدير