السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الحقيقة اخواني/اخواتي الكرام أن للإعلام دور كبير في نشر الشعر الجزل وكذلك في إبراز الشاعر وجعل مايقدمه من قصائد في متناول الجميع.
وموضوعي اليوم عن شاعر أصنفه من كبار الشعراء في الخليج لما مر به من تجربة شعرية واضحة في شعره رغم وفاته مبكراً .
شاعرنا هو المرحوم بإذن الله الشاعر/ شاهين بن سعد العمّاري الدوسري وقد توفي قبل حوالي 65 عاماً ، وإليكم نبذه بسيطة عنه.
- شاهين بن سعد بن عبدالله بن ماجد بن عبدالله بن سعدون بن محمد بن ماجد بن فضل بن منسف آل عمّار الدوسري.
- من سكان الدمام والبحرين وقطر ، ويعود نسبه إلى آل جبران من آل مبارك من آل عمار من آل حسن من آل صهيب بن زايد الدواسر.
- والده (سعد) ولد في الفويرط شمال قطر عام 1305هـ وقيل في البديّع شمال غرب البحرين حين نزحت القبيلة من قطر إلى البحرين وتوفي عام 1365هـ وكان لديه من الأبناء:
( سلطان - ماجد - شاهين ) وشاعرنا هو الأصغر بين إخوته.
-ولد الإخوان الثلاثة في البديّع بالبحرين ، وقد ولد شاعرنا شاهين عام 1337هـ .
- بعد ولادة شاهين بأربع سنوات نزحت قبيلة الدواسر القاطنين في البحرين من البحرين إلى الدمام بالمنطقة الشرقية وذلك عام 1341هـ بسبب إجراءات تعسفية اتخذها الإنجليز ضد قبيلة الدواسر اللذين عارضوا عزل حاكم البحرين المغفور له الشيخ / عيسى بن علي آل خليفة من قبل الإنجليز.
- وبعد مفاوضات سرية بين زعماء الدواسر والملك عبدالعزيز سمح لهم بنزول الساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية فاختاروا الدمام والخبر ونزولها واستوطنوها ولم تكن قد عمرت بالسكان قبل ذلك التاريخ ، وقد نزلوا (العمامرة) في الجهة الشرقية من ساحل الدمام وأسسوا الفريج الذي حمل اسمهم إلى اليوم.
- والدة شاعرنا هي هيا بنت ماجد العماري توفيت عام 1344هـ ، وقد قضى شاعرنا طفولته في الدمام وانتظم في دراسة القرآن الكريم وقد ركب الغوص في صباه كعادة أبناء جيله .
- وفي تلك الآونة قامت شركة الزيت العربية الأمريكية (ارامكو) بالتنقيب عن البترول في تلك المناطق والتحق بها شاعرنا وتدرج في الوظائف حتى صار رئيسا لدائرة العمال في رأس تنوره.
- وفي عام 1944م قرر الإستقالة وأسس شركات مقاولات وأول مشروع كان تشييد بناء لأرامكو في مدينة بقيق ومن الطرائف في ذلك الوقت أن الحصا كا ينقل إلى مواقع البناء على ظهور الحمير(اكرمكم الله ) لعدم وجود الشاحنات لدى المقاولين آنذاك.
- ذات مرة كان نائم في خيمته واحترقت بفعل فاعل في منطقة تدى (نجمة) ولكن الله أنجاه ولما بلغ الخبر زوجته قالت:
يانديبي دن لي جنحان طير
صوب نجمه باتوجه بالهمام
غير ابو سلطان انا مابي عشير
مكرم الضيفان لاجاو الحشام
من نوى لك خونة يعله كسير
نتقطع يمناه في حكم الإمام
- عاش شاعرنا في بيئة تعشق الشعر ، وكانت بداياته الشعرية مع اصدقائه واقاربه في الثقبة ومنهم:
حسن بن سلمان بن بطي الدوسري ، محمد بن راشد النعيمي ، عمار بن سلطان العماري ، صالح بن سلطان الكواري من قطر .
كان جواداً كريماً ذاع صيته بين الناس ولمع نجمه ولكنه خبا فجأة حينما داهمه الأجل. فقد اشتهر بكرمه المفرط وخصوصاً في خلال سنين الحرب العالمية الثانية حينما اشتد العوز بالناس، وكان لفرط جوده وبذله يطلق عليه لقب (العسيري) تشبيهاً له بشاهين العسيري أحد رجالات قطر المعروفين بالكرم والإحسان.
• كما كان متواضعاً رغم بروز شخصيته كأحد كبار رجالات جماعته وفي مجتمع الدمام.
• غرزت وغاصت عجلات سيارته في رمال الصحراء وكان يقودها وحيداً، فبذل جهده وطاقته لإخراجها من تلك الرمال وهو تحت أشعة الشمس اللاهبة، ولكن دون جدوى، مما تسبب في إرهاقه وفقدانه لقدراته الجسمية، وقد عثر عليه في المساء ساقطاً على وجهه وقد فارق الحياة.
• انتقل إلى رحمة الله وعمره يناهز الثلاثين وذلك في شهر ذي الحجة 1367هـ أكتوبر 1948م، ودفن في مقبرة الدمام القديمة.
• بعد وفاته افتقده الكثير من معارفه وسائر الناس، وخصوصاً أصدقاؤه من الشعراء، ويتذكرون حسن أخلاقه وفيض كرمه ونبوغ شاعريته، وقد رثوه بالعديد من القصائد، وبعضهم رثاه بأكثر من قصيدة، ومن هؤلاء الشعراء:
جمعة بن سيف الجريان – محمد بن راشد النعيمي – أحمد بن مبارك العماري – صالح بن سلطان الكواري – عمار بن سلطان العماري.
ومن قصائده :
وقال شاهين بن سعد العماري متوسلاً إلى بارئه ويستعين به على تقلبات دنياه:
يا الله يلّي ترتجيه المصلّين
يا خيّرٍ عالم أسرارٍ كنينه
إبرج لمن شمتوا عليه المعادين
وما حاش من دنياه ما اكفى يمينه
عيّت مداخيله تسدّ المدايين
وأغلى حلاله بالزهايد رهينه
وقتٍ علينا بدّل الزين بالشين
وتعومست فيه القلوب الفطينه
من كثر ماله صار شيخ الفريقين
يامر ولو أمره تعس طايعينه
لو كان ما يصرف من المال قرشين
ظن المخبّل ما بغوا طايلينه
كلٍّ يفزّ لحضرته لأقبل بحين
وتلقى له المجلس يصخّ بسكينه
ما عندهم إلا هلا ألف وأهلين له
والذي عنده ذخيرة خزينه
ومن قل ماله صار ما يترس العين
لو كان هو يحري بذبح السمينه
لى من هرج لجّوا سواة الشياطين
بهرجةٍ من هرجته كاعمينه
ذلت قرانيس الحباري الشياهين
واستفرس اللي هقوته ما تعينه
واستفرس الجني بدار السراحين
من عقب ما شوفه بعينه يهينه
فيا الله أنا سالك بعمّ وياسين
يا جاليٍ هم القلوب الحزينه
إقبل دعاي وفكّـني من عنا الدين
وأبرج لحال ٍما بقى الاّ ثمينه
ترحرحت بي راجحات الموازين
من عقب ما هي وافياتٍ رزينه
وقال الشاعر شاهين بن سعد العماري هذه القصيدة العاطفية:
حلّ الفراق وكل ما في الحشا باح
تسمّعوا يا اهل القلوب المجاريح
والدمع هلّ وساكب الدمع سفـّاح
هل من على موق النظيرين تسفيح
لولا المزا لأرابع الورق بصياح
وآزي كما الخنسا بالفراق وآصيح
حال النوى دون المحبين وانزاح
المنزل اللي به فقدنا المصاليح
ناحوا ونحنا وانـّعى نايح ٍ ناح
جريت وناتٍ بها آقوم وآطيح
كثر البكا ما يرجع برايح ٍ راح
أيضاً ولا يرجع به العايب اصحيح
ما هبت الشرتا ذعاذيع الأرياح
إلا وأنا مصغي على جانب الريح
تحيا عظامي كلما هب نفـّاح
ريحٍ درج ما جذّبته المراويح
ياأهل الهوى قولوا لمن بالهوى ساح
لا يرفعه وصل المحبين ويسيح
إن جاد محبوب الهوى سيح وارتاح
وآمر على ما لاق ويصير تصحيح
وإن عاف محبوب الهوى خاطرك شاح
ويا ويل قلبك لى نوى منك تشفيح
وقال أيضاً هذه الأبيات العاطفية في الشكوى:
ألا وا عزّتالي من هوايا
ومن طردي لغضّات الصبايا
ومن قول العواذل في حبيبي
اخباث النيّة الشينه اعدايا
ومن قلبي يكاد يزرّ مني
إلى جابوا لمحبوبه طرايا
وعينٍ ما لجت بالنوم ساعه
وجسمٍ كن ترعى به حيايا
ألا يا ليتهم ما ولعوني
ولا صاروا أحبابٍ لي دنايا
ولا ولّف ظعنّا مع ظعنهم
نزولٍ في جبا طارف نحايا
تقاربنا ودشينا المحبه
وحنّا من حوادثها رزايا
نراها فرجة ٍوأنسٍ وراحه
وهي الموت المصفـّى والمنايا
وقصائده كثيرة وتطرق لأكثر انواع الشعر ولعلي أوردها في مواضيع أخرى .
وقد قيل فيه الكثير من القصائد ، اختار لكم واحدة قيلت فيه أثناء حياته والثانية رثاء فيه بعد مماته ، حيث مات وهو في سن الثلاثين من عمره رحمه الله.
القصيدة الأولى للشاعر لحدان الكبيسي يمدح بها شاهين:-
ياراكب من فوق زين الحجاجين
لنج يشغل واخطفوله بهفتان
حداه مثلوث كسي فرمن زين
وكينة بالقو عن إمية حصان
لي بيّن الدمام به رز نشرين
سلام واجعل به على الريل سامان
منصاك من يذكر على العسر واللين
ماهان في سمت المراجل ولا لان
لي جيت لي مجلس فتى الجود شاهين
ابن سعد إقره سلام بسفطان
إعداد حجاج إلى البيت عانين
تسري بهم في طاعة الله ركبان
وإعداد رمل به الأنواد ذارين
وإعداد قطر هل من غر الأمزان
ألذ وأحلى من حليب الملايين
لي كسربو سكر الهند ثم زان
وأخن واطيب من عبير الرياحين
والمسك واذكى من شذ عنبر عمان
على كريم النفس غيث الجويعين
ريف المهشل في عسيرات الأزمان
هو عيد أهل هجن من البعد لافين
يفرح بهم لاجوه وقت المسيان
راعي دلال صفهن يعجب العين
يعبا لهن هيل الهبش صنع رسلان
ما يحسب إلا من حساب السلاطين
شهم دعى هيفٍ على عقّر الضان
من لاد عمار القروم المطاعين
هل هدتن تذكر ضحى يوم الأكوان
دايم وهم في مسلك الجود ساعين
كسابة الطولة طويلين الأيمان
للضيف مقرين وللجار مذرين
أدوا قصير البيت من طين جدران
قل للفتى شاهين حن حالنا زين
نزداد خير ما على الحال نقصان
إلاّ نحب مراسلات الشليين
اللي لهم في الجود سيرة وعنوان
ويقول الشاعر محمد بن راشد النعيمي راثياً للشاعر شاهين العماري الدوسري:
يابيض نوحن بالعزا واحزنن دوم
وعليه جددن العزا يامزايين
وكاد في الدنيا مناعير وقروم
لكن ماكل المناعير شاهين
ياوالله اللي حط في القبر شغموم
أشهد ويشهد نازح الناس الاقصين
ما ينجحد طيب وله ساس ورسوم
وفعايل حنى بها مستقرين
غيره إلا جابوا ملايين ورقوم
صاروا انذال الناس بالمال طاغين
ومال بلا عز على صاحبه لوم
حتيش لو هم مالكين الملايين
وإن كان في شرع العرب حق وسلوم
والناس باللي يفعل الطيب دارين
أنا اشهد إنه راعي الطيب مفهوم
وعندي على قولي شهود وبراهين
إلى نزل حي غدا الحي موسوم
كن الدهر مامر به سبحة سنين
وبيته لهشال الخلا دايم الدوم
منصى الغريب ومدهل الربع الادنين
وفي عام 1996م بعد 48 عام من وفاة شاهين ومن هذه القصيدة جدّد الشاعر محمد بن راشد النعيمي رثائه له بأبيات وجهها للشاعر والأديب مبارك بن عمروا العماري حيث كانت تتكلم عن شاهين ولكن الغريب فيها أن الشاعر أحس بقرب أجله وصار يشتاق إلى زميله الذي فقده قبل خمسة عقود ، حيث قال في آخر القصيدة:
(شاهين) يامشكاي للوقت حالات
وحالة خويّك بالخطير محفوفه
خليتني يابو سعد في المتاهات
أنشد وأدوّر عزوتي وين أشوفه
الله الله ، ما أجملها من صداقة وأخوة (خمسين عام منذو وفاة صديقة ) ولم ينساه حتى مع إحساسه بقروب أجله .
وفي الختام آمل أن أكون وضحت بعض الصورة عن هذا الشاعر العلم الذي توفي في ريعان شبابه وترك إرثاً شعرياً كبيراً أحببت أن تطلعوا على جزء صغير من تاريخه وقصائد وماقيل فيه .
علماً أن أقاربه دشنوا قبل فترة قصيرة ديوان للشاعر قام على جمعها الشاعر والباحث مبارك بن عمرو العماري الدوسري.
وقد طبع الديوان الذي سمي ( يبكيني الهوا ) على نفقة المحامي الدكتور سعود بن عبدالله العمّاري جزاه الله خيراً .
ختاماً:
أقدم شكري الجزيل للأخ الدكتور المحامي/ سعود بن عبدالله العماري
على إهدائي نسة من هذا الديوان الجميل والذي يحمل بين طياته مئات القصائد والقصص الجميلة لشاعر من قبيلة الدواسر عاش في فترة هامة من تاريخ دول الخليج وفي مناطق مابين قطر والبحرين والدمام التي كان ومازال لقبيلة الدواسر تواجد فيه وثقل كبير وخاصة البحرين والدمام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،