أفكار متشائكة
هذه جملة أفكارٍ شائكاتٍ ؛ سقتها وساقتني في أوقاتٍ متغيراتٍ ، لا أزعم فيها التحرير ، وإن كنت من شيعة ميدان التحرير ، فخذها بالعجر والبجر ، لا حرمك الله الأجر .
العبودية المطلوبة
يتفق العقلاء الأحرار : أن العبودية بين الخلق ليست من مجالات الاختيار ، ولكن ثمة أنواع منها : يختارها العقلاء بمحض إرادتهم ؛ لعظيم سلطتها على واقعهم ، ومن ذلك : التقنيات الحديثة ، فهي استعمار من نوع آخر ، تستعمر وقتك بازدياد ، وتقلل صلتك بالمحيط الخارجي بانتظام ، وتجعل الكون كله بين يديك تتقلب فيه كيف تشاء ، فهو من جهة : فتح عظيم وهبة من الله ، يجب أن تستثمر ، ومن جهة أخرى : تغيير ستدفع ضريبته : الروح والاستقرار النفسي والترابط الأسري والعلاقات الاجتماعية ، ولتعرف عما أتحدث : جرّب أن تقضي يومًا بأكمله خارج نطاق التقنية : لتذوق نعمة الصفاء الذهني = وقود التأمل .
السطحية المبثوثة
كلما استعجلت الحديث عن أمر ما ؛ كان قربك من سطحه أكثر ؛ ونظرًا لعيشنا في عصر تتسارع فيه وتيرة الأحداث : كان تسرع الناس في إطلاق الأحكام وبث الآراء : هو القاعدة ، رغم أن ديدن العقلاء في الحاضر والغابر : الأساس قبل البناء ، فلو جعلت لك قاعدة في حديثك بحيث : إذا أردت أن تقول رأيًا يتكون من عشر كلمات : لا بد أن تقرأ قبلها عشرات الصفحات = لحجزت لنفسك مقعدًا في مجالس العمق .
الموازين المطففة
لكل ميزان كفتان ، وتتساوى الكفتين : عندما تكونان فارغتين ، فإذا وضعت سلعتين من نفس الحجم ؛ فمالت إحدى الكفتين : فاعلم أن يدك تتكئ عليها ! ، ورغم بداهة الموقف : إلا أننا نمارس نفس هذه العملية في حياتنا اليومية دون شعور أو كلل ، فعندما نحاكم فئة من خلال فرد ، ونسقط شخص من خلال قول ، ونهجر صديق من أجل مخالفته في رأي ، ونسفه آراء الآخرين من أجل ذوق ، ونحتقر اهتمامات شعوبٍ من أجل قضية ، ونجرم آخرين من أجل موقف ، ونصنع من آخرين أبطالًا من أجل مشهد ، وآخرين نوابغًا من أمر عادي ، وغيرها كثير = كلها أمور تخبرك أن الموازين عندنا تعاني من خلل ، فقديمًا قيل الإنصاف عزيز ، وأنا أقول بل الإنصاف : فرض ، وتقصيرنا فيه لا يسوغ قصورك عنه !
العاطفة الفكرية
يخطئ كثيرٌ من الناس : عندما يظن أن المفكرين وأهل الفكر ينطلقون من عقل ويمرون بعقل وينشدون العقل فقط ، فجل ما تراه من كتابات عقلية ، وأطروحات فكرية : هي مزيج من عاطفة وقليل بحث ، وإنما يتفاوت الباحثون : بالمقدار فقط ، ولا أطالب هنا بفكر مجرد من عاطفة = فهذا ضرب من المثالية : لا يمتُ للواقعية بصلة ، وإنما أشير إلى زاوية من المشهد قد تغيب عن بعض المعجبين بالآراء والأقوال : بل لا أبالغ لو قلت أن الطرح الفكري العربي –خاصة مؤخرًا- متضمخٌ بأطياب العاطفة الفواحة ، وهذا واضح بجلاء لمن تتبع ونظر ، ومن أكثر ما يدعو للخجل = عندما ترى من يملك أدوات البحث الموضوعي ؛ راكنًا إلى عاطفته ورغبته الشخصية ، مغفلًا أهم معايير البحث العلمي !
الهجرة المفقودة
عندما تكثر الفتن ، وتسرع عجلة الأحداث ، ويكثر الصخب ، وتكثر الآراء ، وتتضارب الوجهات ، وتموج الأقوال موجًا ، وتتناثر الأهواء غُبارًا وعجًا ، ويصبح الحليم من أهل الحيارى ، والديوث من طائفة الغيارى ، ويزن الجاهل ميزان العالِم ، وتنطق الرويبضات ، ويضيع صوت أهل العلم والمقالات ، ويتصدر أهل الشح والهوى ، ويرمز من غوى ، ويكون صوت الحق همسًا ، ويغمس في الباطل غمسًا ، فاعلم أننا نحتاج إلى وصفة نبوية ، تقودنا إلى هجرة إيمانية ، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن معقل بن يسار ، - جعلك الله في الآخرة من أهل اليمين ، وفي الدنيا من أهل اليسار – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العبادة في الهرج : كهجرة إليّ " ، والهرج : هو زمن الفتن ، وعظُم أمر العبادة في زمن لسببين : الأول : ليعصمه الله بسببها من الزلل ، والثاني : لانشغال الناس عنها وهجرهم لها ، فكأنه يسير عكس التيار فكان الأجر على عظم المشقة ، وفقنا الله وإيّاك لعبادته في كل حين .