أخواني وأخواتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين رب العرش العظيم ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله
هذه نبذه عن الخاتمة
واعلم رحمك الله أن أمر الخاتمة وما يحذر من سوئه أمر إذا ذكر حقيقة ذكره انفطرت له القلوب وتصدعت له الأكباد وتقطعت.
ولولا أن الله جل وعلا حدد الآجال لزهقت الأنفس عند أول ذكره ولكنها مربوبة مدبرة مقهورة مصرفة تخرج إذا أذن لها في الخروج وتلج إذا أذن لها في الولوج.
وما يمنع القلوب من الانشقاق والانصداع والانفطار والذي يلقى المختوم له بسوء الخاتمة عذاب لا تقوم له السموات والأرض لشدته ولا آخر لمدته.
وما منا أحد إلا ويخاف أن يكون ممن يختم له بسوء الخاتمة، وما الذي أمنه منه، والخاتمة مغيبة، والعاقبة مستورة، والأقدار غالبة والنفس كما ترى، والشيطان منها بحيث تدري.
وهي مصغية ومستمعة إليه قال الله تبارك وتعالى: ]إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ[ فهي ملتفتة نحو الشيطان ومقبلة عليه.
ورد في الخبر عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار.
وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بالخواتيم.
وقال صلى الله عليه وسلم: رفعت الأقلام وجفت الصحف
فانظر رحمك الله كيف تقر عين عاقل في هذه الدار وكيف يستقر به فيها قرار مع هذه الحال وتوقع هذا المآل واشتغال هذا الخاطر وتقسيم هذا البال.
كلا لا حلول له ولا قرار ولا ربع ولا دار ولا قلب إلا مستطار، ولا نوم ينامه إلا غرار حتى يدري أين مسقط رأسه ومحط رحله وموضع رجله، وما المورد والمنهل وفي أي المحال يحل وفي أي المنازل ينزل:
لكن حجاب الغفلة الذي غطى القلوب كثيف فلا يرى ما وراءه والوقر الذي في الآذان عظيم فلا يسمع من ناصح دعاءه.
روى في الصحيح عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبشٌ أملح فيوقف بين الجنة والنار.
فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت فيذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت ويا أهل النار خلودٌ فلا موت، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ]وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ[.
فانظر رحمنا الله وإياك إلى عظيم هذه الغفل وكثافة حجابها وكيف منعت من النظر في هذا الحديث والفكرة فيه والعمل بمقتضاه.
وقيل يا ابن آدم الأقلام تجري وأنت في غفلة لا تدري، يا ابن آدم دع المغاني والأوطان والمنازل والديار، والتنافس في هذه الدار، حتى ترى ما فعلت في أمرك الأقدار، وقد بكى أولو الألباب على هذا فأكثروا واسهروا من أجله الليالي الطويلة واسهروا وحاول عاذلوهم كفهم عما هم فيه فلم يقدروا وكلموهم في الاقصار فلم يقصروا ولم يسمعوا ولم يبصروا.
وذلك للعلم الذي لاح لهم والتأييد الذي شملهم والتوفيق الذي قطع عنهم ما صدهم عن طريق الله عز وجل وشغلهم وربما هبت عليهم نفحات الرجاء فاستبشروا وسكنوا من ذلك هذا وصلوا وسلموا على خير مبعوث للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام وزوجاته أمهات المؤمنين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .