السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
(بصراحة هذا موضوع أعجبني في أحد المنتديات ونقلته لكم)
1-
ليست هذه شماتة بلندن وبالبريطانيين، ولكنها زفرةٌ حارة، حزناً على لندن مدينة الحرية والديمقراطية التي فتحت ذراعيها لكل المطاردين والمضطهدين والمقموعين الباحثين عن الحرية في العالم. فكانت لندن بتسامحها وديمقراطيتها هي الملجأ الكوني لكل هؤلاء. ووجد العرب فيها حضناً دافئاً ومكاناً آمناً لممارساتهم السياسية والثقافية والمالية. وتوافد عليها زعماء الإرهاب العربي من سوريا والأردن ومصر والسعودية. فلجأ اليها عمر البكري السوري زعيم تنظيم (جماعة المهاجرين) المتضامنة مع "القاعدة"، وأبو قتادة الأردني، وأبو حمزة المصري وهاني السباعي وياسر السري من مصر، وسعد الفقيه ومحمد المسعري ومحمد المصري من السعودية، وفادي عيتاني المشرف على (دار الرفاه الإسلامي)، وهي واحدة من 400 جمعية إسلامية تتجمع في المجلس الإسلامي في بريطانيا. وقد استغل هؤلاء الأصوليون الكرم والعطاء والحماية القانونية البريطانية، وبدأوا يمارسون نشاطهم الإرهابي الاعلامي واللوجستي منذ سنوات طويلة. ورأينا زعماءهم في الصحافة العربية وفي الفضائيات العربية، يطلقون قذائف الإرهاب الإعلامية بمضاء وعنف أكثر من مضاء وعنف السلاح الإرهابي المستخدم في أفغانستان والعراق والسعودية والمغرب ومصر وغيرها من البلدان التي ابتليت بوباء الإرهاب، وهو وباء العصر الحديث الأكبر والأخطر دون شك.
-2-
أراد الإرهابيون في العراق وباكستان أن ينتقموا من توني بلير، فلم يقتلوه، ولم يقتلوا أحداً من وزرائه أو سفرائه أو جنوده في العراق، ولكنهم – وبكل جبن وسفالة - حققوا انتقامهم وثأرهم منه بأن قتلوا بالأمس 38 بريئاً، وجرحوا أكثر من 700 من المدنيين. وهم فعلوا كذلك في 11 سبتمبر 2001 عندما قتلوا ثلاثة آلاف ضحية من أكثر من 50 جنسية في برجي التجارة العالمية في نيويورك كما قتلوا ركاب الطائرات الأبرياء انتقاماً أعمى ومجنوناً من الإدارة الأمريكية.
وتوني بلير وحكومته - دون شماتة – يستأهل هذه الواقعة وهذه القارعة، لأنه فتح عاصمة بلاده، رغم تحذيرات القاصي والداني لزعماء ومطاريد الإرهاب العربي في العالم. فلا توجد عاصمة في العالم تضم هذا العدد الكبير من زعماء الإرهاب ومطاريده ومخططيه، كما تضم لندن مدينة الضباب والإرهاب كذلك. فلم يميز القانون البريطاني والقضاء البريطاني بين الإرهابي قاطع الطريق وسافك الدماء وطريد العدالة، وبين المثقف العربي النبيل الذي يطلب اللجوء في لندن هرباً من قمع حكوماته ومجتمعه الظالم. فانتشرت في لندن المنظمات الإرهابية، وافتتحت في البنوك الحسابات الإرهابية، وبنيت في لندن المساجد الإرهابية لتدريب وتدريس الإرهابيين وارسالهم إلى العراق والسعودية، وصدرت في لندن الصحف الإرهابية، التي تنشر وتبشر بخطابات الإرهابيين، وتطلق عليهم "شيوخ وفقهاء الإسلام". وبدت مدينة لندن مدينة الحرية والديمقراطية مرتعاً لنشطاء الأفكار الأصولية الإرهابية، وكأنها كابول في عهد طالبان. فذاقت بذلك مرارة كأس الإرهاب، كما ذاقتها نيويورك وواشنطن ومدريد، وتذوقها الآن بغداد والرياض والكويت والرباط والقاهرة وبيروت.
-3-
أراد الإرهابيون المخبولون أن يقيموا الخلافة الإسلامية في بريطانيا، كما قال عمر البكري زعيم (جماعة المهاجرين) والسبيل إلى ذلك هو رفع العلم الإسلامي فوق قصر بكنجهام. وقد تمَّ له ذلك اليوم في قطارات الأنفاق. ولكن هذا العلم لم يكن علم الخلافة الأخضر، ولكنه كان علم الارهاب الأحمر الملطخ بالدماء، والمغروس فوق جثث ضحايا أبرياء. وهم نفس الضحايا الأبرياء الذي يموتون كل يوم في العراق والسعودية والكويت ومصر والمغرب موتاً مجانياً أحمق لا مبرر له. وبهذه الوسائل يريد الإرهابيون أن يعيدوا الخلافة الإسلامية إلى سابق عهدها، والعرب لم يجنوا من هذه الخلافة على مدار 14 قرناً غير الفساد والاضطهاد والفضائح الأخلاقية ومصادرة الحريات والموت قهراً وظلماً.
فأي خلافة نسعى اليها الآن ؟
-4-
إن تفجيرات لندن، تتزامن مع مقتل الديبلوماسي المصري ايهاب الشريف ومحاولة نسف وزارة الداخلية العراقية، ومقتل مساعد للشيخ السيستاني.. الخ. وهذا التزامن رسالة واضحة من الإرهابيين، على أن الإرهاب ليس موجهاً ضد جنسية معينة، ولا ضد طائفة معينة، ولا ضد ديانة معينة، ولكنه موجه للبشرية كلها، في كافة أعراقها وأجناسها وجنسياتها ودياناتها. وهذا يستدعي أن يهبَّ العالم كله طلقة واحدة، وسيفاً واحداً، وحملة واحدة، ضد الإرهابيين، وفقهاء الإرهابيين، وإعلام الإرهابيين، ومثقفي الإرهاب (المثقفون الخونة) الذين يرددون الشعارات الدموية، وما زالوا يعتبرون إلى الآن، بأن الحكومة العراقية الحالية المنتخبة من أكثر من ثمانية ملايين عراقي غير شرعية، وبأن الإرهاب في العراق هو "مقاومة"، وبأن مقتل الديبلوماسي المصري، تتحمل مسؤوليته الحكومة المصرية، وليس من قتلوه من المجرمين.
-5-
إن أبرز وأهم ما في تفجيرات مترو الانفاق في لندن الدموية، هو توقيتها الصحيح، والمفيد للبشرية، على عكس ما ظن منفذوها الأشرار. وهو أن يتم التفجير أثناء اجتماع قمة الثمانية الكبار في اسكتلندا، لكي يشهد العالم كله، وعن قرب خطر الإرهابيين، ومدى تهديدهم للسلم العالمي وللمجتمع الدولي، بحيث سارع مجلس الأمن إلى اصدر قرار يندد بالاجماع بهذه التفجيرات. وعسى أن يتخذ العالم اليوم، الذي يقف موحداً ضد الإرهاب وقفة صارمة، ويتخذ قراراً جماعياً بمحاربة الإرهاب في الأرض، وفي السماء، وفي كل فضاء. ويكفَّ عن وقفات التفرج والتنديد الشفهي، الذي مارسه في الماضي، بينما شعوب تكتوي بناره في الشرق والغرب. وهي مناسبة مفيدة جداً للإدارة الأمريكية التي بدأت أسهمها الشعبية تتراجع، نتيجة لخسائرها في العراق. إذ أنها بهذه التفجيرات، تستعيد جزءاً من ثقة الشعب الأمريكي في ضرورة ضرب عناصر الإرهاب في قواعدها الأصلية في الشرق الأوسط، قبل أن يصل إلى البرج الأمريكي، والقطار الأمريكي، والطائرة الأمريكية، كما حصل في الماضي، وكما حصل اليوم في لندن، وقبلها في مدريد.
-6-
لندن اليوم دفعت ثمن الحرية وثمن الديمقراطية الباهظ من دماء أبنائها الأبرياء، وثمن حمايتها لزعماء الإرهاب الذين لم يجدوا مأوى في العالم أكثر أمناً من لندن، ولم يجدوا حضناً في العالم أكثر دفئاً من حضن لندن، مما شجع الإرهابيين وزعماء الإرهابيين على أن يسرحوا ويمرحوا في الساحة اللندنية في حماية القانون الملائكي البريطاني.
اليوم تدفع العدالة البريطانية العريقة والديمقراطية البريطانية العريقة ثمن كل هذا.
وللأسف يذوق البريطانيون اليوم عذاب الإرهاب الذي كانوا به يستضيفون، فلعلهم يستيقضون!