قصة سحر حمزة
يحكى أن طفلا فقيرا يدعى باسم،،كان معدماً متسولاً , يستجدي الناس في الشوارع و الأسواق، يطلب الداراهم القليلة ليشتري ما يقوت به يومه وهذه الدريهمات كانت بالكاد تكفيه بعض الفتات ، ولم يكن باسم يأبه لشيء في الحياة زاهداً في كل شيء ولا يهتم بنفسه ولا بملابسه المهترئة ولا لفراشه الخشن البارد ،، الذي هو عبارة عن أكياس الخيش يضعها على الأرض يفترشها ويغطي جسمه بها أثناء الليل ولم يكن يهتم لبرودة الأرض ولا لمكان نومه المتواضع في كوخ قديم في طرف المدينة ،،لكنه كان سعيدا جداً متفائلا دوماً ،،،لأنه دائم الابتسام والفرح ينظر للحياة بمنظار ابيض طالثلج ،، كان يرقص كفرشات الحقل في النهار يلعب كالبهلوان يداعب صغار الحيوانات يتحدث للعجائز وللشباب وللنساء يروي لهم النكات ويحكي قصصاً تبعث الفرح والسعادة في النفس ،فلا يبرح المكان الا ويضفي عليه مباهج الفرح فيضحك الصغير والكبير معه يعطونه أحياناً تفاحاً أو خبزاً أو حلوى مقابل أسلوبه الجميل الذي ينسيهم الهموم المتراكمة في حياتهم ،، وكان التجار والبائعين الصغار يفرحون لطلته فيتصدقوا عليه بما تجود به أنفسهم ،، وكان هو راض بما قسمه الله له في هذه الحياة ،،، فلا يلعن الزمن ولا يبدي اكتراثا لأية محن وعاش سنوات وسنوات على هذا الحال حتى كبر واصبح شاباً يافعاً جميل المحيا رث الثياب.
وفي أحد الأيام وبعد أنذاع صيته بين الناس بعدما استمر على هذا المنوال فسمع به أحد الأغنياء وافري الثراء ،، كثرة المال لم تكفي لمحو ملامح الحزن من محياه لأنه وحيد بغيض لايحبه أحد في المدينة ويعيش في قصره الفاخر لوحده منذ فترة طويلة . فيظل عابساً على مدار العام وجهه يدل على التشاؤم فلا يقربه أحد وينفر منه الناس ويكرهونه رغم انه كان غنياً صاحب قصور وحدائق وعقارات فلم تنفعه الأموال بأن يستقطب الناس إليه ،،
ذهب في أحد الايام يتجول بالاسواق وشاهد باسماً بحركاته المسلية الممتعة ،،حاول الضحك كالآخرين لم يستطع ،،فهو مقطب الحاجبين دوماً ،،حاول أم يفرح كالآخرين لم يقدر ،، أعطى بعض المال لباسم وتابع طريقة حديثه المسلي و كلامه المضحك وظل يراقبه ،،حقد عليه من الداخل وحسده ،،حين رأى الناس تتفاعل معه وكيف تحبه رغم فقره وتحنو إليه وتقترب منه كلما لمحته أو تراءى لها طيفه في الشوارع والأسواق فتغلغل الحقد عليه في عمقه كثيراً وشعر بالغيرة منه وقال له : أعطيك مالي وقصوري وأملاكي ، اذا أعطيتني ما تملك من التفاؤل والفرح والابتسام ، تباطأ باسم قليلاً قبل أن يجيبه ولكن الرجل الغني عاد وتوسل إليه وصار يذكره بالجوع والبرد والحرمان مؤكداً له أن مستقبله سيكون في أمان ولن يضطر للتسول والإستجداء مقابل بعض المال ، فكر باسم قليلاً وأيقن أن عرض الرجل مغري جداً ويجب أن يقبل به ، فوافق واتفق الرجل على أن يعطيه أبسامته التي تدخل الفرح والسرور إلى القلوب الحزينة مقابل أمواله وأملاكه ، وحضر المبايعة سكان المدينة وكافة العاملين في قصور وأملاك الرجل الغني ، وتبادل باسم معه الأدوار فأصبح هو أغنى أغنياء المدينة صاحب وجه عابس مخيف ، وصار الرجل مثل العصفور ينتقل من مكان لآخر وقد ملأته السعادة والفرح بمن يحيطون به من الناس وكان راضياً بما يقدم له من الطعام والمنام .. أما باسم فأصبح وحيداً لا يأبه أحد له ، وصار دائم الحزن والتشاؤم .. وحزنه يزداد يوما بعد يوم لإدراكه ويقينه أن السعادة لا تشترى بالمال وأن الجنة بلا أناس لا تساوي الكنوز والثروات الثمينة على الأرض جميعها .
أنتهى