نشرت جريدة عكاظ في عدد يوم امس الجمعة الموافق12 جمادة الاخرة 1430 لقاء مع معالي الامير سعد الناصر السديري مستشار سمو النائب الثاني ووزير الداخلية
معالي الأمير سعد الناصر السديري مستشار سمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية .
حـوار : بـدر الغـانـمي
لم أتردد مطلقا في الاتصال وإجراء هذا الحوار مع معالي الامير سعد الناصر السديري مستشار سمو النائب الثاني ووزير الداخلية رغم ما سمعته من مخاوف قد تكبل هذا الحوار وتحاصر أسئلتي لرجل هادئ وقليل الكلام وحريص على البقاء دائما بعيدا عن دوائر الإثارة وخطوط التماس، وهي السمات التي يمكن لها أن تصنع سياجا حديديا بين ما يريده الضيف وما يتمناه القارئ، لكنني آمنت من خلال تجربتي المهنية أن لكل شخصية مفاتيح خاصة يمكن من خلالها الوصول إلى أعماق الحقيقة وملامسة أوتار الحرف والكلمة وهكذا كان.. ففي حوار لم يدم أكثر من ساعة حضرت الصراحة وفتح أبو ناصر قلبه لـ«عكـاظ» لأول مرة.. متناولا موضوعات وقضايا يعتبر الاقتراب منها شيئا من المحرمات.. تحدث عن تفاصيل علاقة السدارى بالأسرة المالكة، واعترف بمسببات تأخر التنمية التي حولت المدينة المنورة إلى قرية كبيرة قبل توسعة الملك فهد للحرم النبوي، وصرح علانية أنه لم يغتصب مالا ولم يعتد على أحد طيلة فترة عمله في الإمارة، وأبان حقيقة مسألة التعويضات وما قامت به الدولة لإرضاء جميع الأطراف.. حوار يتحدث فيه ابن منيرة السديري خالة الملك فهد رحمهم الله جميعا، ولم يخل من معلومة جديدة ورأي صريح ورصد لمرحلة تاريخية تستحق أن تقرأ وأن توثق.
• بداية.. لا أشك أنك ولدت وفي فمك ملعقة من ذهب ولم تذق طعم المعاناة ؟
لا.. تراك رحت بعيد فالأمور تلك الأيام كانت شحيحة، لكن الكرم كان أكبر من الآن، فقد ولدت عام 1358هـ في الغاط ونشأت فيها ودخلت كتاب «ابن منيع» لحفظ وقراءة القرآن فقط مبكرا، وشاء الله عندما بلغت السابعة من عمري أن ذهبت مع والدي إلى الحج رغم رفضه لسفري معه، لكنه رضخ لرغبتي بعد أن لمس إصراري الكبير على مرافقته، فيما رغب ـ رحمه الله ـ أن أبقى بجوار والدتي في الغاط.. ولم أكن أعلم ما كان ينتظرني من الخير، فبعد انتهاء الحج ذهبنا إلى المدينة المنورة بعد أن مكثنا في مكة لمدة شهر تقريبا، حيث كان الناس يمكثون لأكثر من ذلك قبل وبعد الحج، لعدم وجود مواصلات جيدة بل إن الملك عبدالعزيز كان يذهب بالبر قبل دخول الطائرات للمملكة، فيمكث بالشهرين في مكة المكرمة، وكان الحاكم الإداري في المدينة المنورة عمي وشقيق أبي عبدالله السديري وبعد أن مكثنا لأيام وبدأنا نستعد للعودة إلى الغاط وكنت مشتاقا لوالدتي، فوجئت ونحن نشد رحالنا بأن والدي اتفق مع عمي ـ رحمه الله ـ على أن أبقى في المدينة المنورة للدراسة، وعندما أبلغوني بالخبر بكيت كثيرا وعملت لهم مناحة ولكنهم لم يأخذوا ببكائي فبقيت غصبا عني.
• كنت وحيد الوالدة من الأبناء ؟
لي أخت واحدة وأخ من عمي عبدالله حاكم المدينة وكان متزوجا بأمي قبل والدي فطلقها بعد ذلك ثم تزوجت والدي وخلفت الوالدة اثني عشر ولدا وبنتا، ولكن نتيجة لضعف الرعاية الصحية في ذلك الوقت فلم يعش لها إلا ثلاثة فقط
• درست في الحرم النبوي أم في مدرسة نظامية ؟
أدخلني عمي المدرسة المنصورية الابتدائية وزاملني فيها الدكتور حسين علوي والدكتور منصور التركي مدير جامعة الرياض سابقا والدكتور أسامة عبدالرحمن وغيرهم ممن لا تحضرني الذاكرة لذكرهم الآن، وأكملت المرحلتين المتوسطة والثانوية فيها أيضا وكنت أذهب للحرم وأحضر بعض الحلقات التي يتقن فيها الطلاب التجويد وحفظ القرآن بين وقت وآخر.
• لكنك لم تر الوالدة طيلة هذه المدة ؟
كنت أذهب إليها في الإجازة السنوية فأمكث عندها شهرين، ثم أرجع إلى منزل عمي في المدينة المنورة.
• يتحدث الناس كثيرا عن تأثير الوالدة على الأسرة.. بل عرفت أنها كانت وراء إنشاء العديد من مشاريع الغاط رغم أنها أمية ولم تتعلم ؟
الوالدة ـ رحمها الله ـ ثروة لا تقدر بثمن، وقد فقدت بموتها جزءا مهما من حياتي، فقد كانت امرأة صالحة وصادقة في كل أمورها وغرست في حب الصلاة خصوصا صلاة الفجر والصدق وعلمتني عدم الانهزام أمام أي مشكلة، وكانت تحارب الخطأ من أي شخص، كما كانت متعصبة لأهلها وأسرتها وتميزت بحفظ كل قصائد جدودنا وشعرائنا، وقد لامني الكثيرون على عدم تسجيل هذه الأشياء لها، ولكن لم يرد الله ذلك، ووقفت مواقف كبيرة جدا لا يقدر عليها الرجال في ما يخص محافظة الغاط، وكان لها يد في كثير من مشاريع المحافظة، ولعل من مواقفها في عهد الملك فهد ـ رحمه الله ـ عندما اتصلت به وقالت له: شبت حريقة في الغاط والحريم يشيلون الماء على رؤوسهم لإطفائها، فقرر ـ رحمه الله ـ إنشاء مركز دفاع مدني في القرية بعد شهر من ذلك الحريق، ولن أحصي فضلها وأياديها البيضاء التي يعرفها القاصي والداني.
• كان تأثيرها عليك أكثر من الوالد ؟
تأثيرها كان كبيرا على الأسرة كلها وليس علي فقط، فقد كانت محبوبة جدا من الملك فهد ـ رحمه الله ـ وكان يقربها إلى جانبه ويعتبرها مثل والدته، وظل الأمير سلطان والأمير سلمان ـ حفظهما الله ـ يزورانها دائما في بيتها، وتأثري بها نابع من كثرة معايشتي لها أكثر من والدي، فقد ذهبت للمدينة المنورة وكانت في الرياض وكنت أراها عندما تأتي للمدينة لفترة قصيرة، كما كنت أزورها لفترات قصيرة فباعدت بيننا الأعمال والمسافات.
• الغريب أنك لم تحظ ببعثة دراسية مثل أقرانك مع أنك من أسرة كبيرة ؟
لأنني رفضت الالتحاق بكلية التجارة في الرياض مع مجموعة من زملائي والتي كانت مفتتحة حديثا بعد أن أرسلوا أسماءنا للالتحاق بها فوافق البعض وأتيحت لهم فرصة الابتعاث بعد ذلك، واتخذت قراري في الالتحاق بكلية الحقوق في جامعة القاهرة، بناء على نصيحة من خالي خالد السديري ـ رحمه الله ـ الذي كان يثني دائما على خريجي الحقوق فأخذت شهادة الليسانس بعد أربع سنوات ولله الحمد.
• كانت فترة الرئيس عبدالناصر ؟
وعايشتها بكل آمالها وأحلامها وآلامها وتعبت فيها أعصابنا كثيرا، بعد أن انقلب عبدالناصر على المملكة.
• ولكن المعجبين به كثر إلى الآن ؟
عبدالناصر كان مفوها وشخصية كاريزمية، ولو أنه توفي في الفترة من 1960 إلى 1962م لأصبح قبره مزارا إلى الآن، ولكنه حرمنا من تلك الفترة بغروره وقراراته المتهورة ورعونته التي أعادت الأمة إلى الوراء بعد النكسة.
• كانت فترة عصيبة بالنسبة لكم كطلاب ؟
المشكلة كانت تكمن في أن الآخرين لم يكونوا قادرين على الاقتراب من أي طالب سعودي خشية المساءلة.
• لم تفكر في الرجوع ؟
عاد الكثير من الطلاب لكنني لم أفكر في ذلك، خصوصا أن الملك فهد ـ رحمه الله ـ كان وزيرا للمعارف آنذاك فطلب منا أن نبقى، وفي تلك الفترة من يخرج من مصر ويأتي للمملكة لم يكن يسمح له بالعودة إلا الطلاب.
• كنت مدللا بالمقارنة مع طلاب آخرين ؟
كنت مثل زملائي أستلم 35 جنيها كمكافأة وسكنت في شارع مريت أمام المتحف في ميدان التحرير في شقة إيجارها 12 جنيها شهريا، وكان مبلغا معقولا وكنت أعيش بالباقي كأنني ملك لرخص الأسعار وسهولة الحياة، كما تزوجت قبل أن أتخرج وأكرمني الله بولادة ابني الأول ناصر في القاهرة ويعمل حاليا في التجارة الحرة.. لكن هذا لم ينسني ما تلقيته من صدمات خلال فترة دراستي بالقاهرة، ففي سنتي الأولى توفي عمي عبدالله السديري وخال الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز بعد أن جيء به إلى القاهرة للعلاج، لكنه أسلم الروح وتم دفنه في البقيع ففقدت سندا كبيرا لي في حياتي، والثانية وفاة والدي ـ رحمه الله ـ في السنة الثانية.
• الذي عرفته أنك لم تحضر جنازة والدك وتم إخفاء الأمر عليك ؟
مرض ـ رحمه الله ـ وكان أميرا للغاط وجاء للعلاج في الرياض، فأرسل لي أحد أصدقائي رسالة تفيد بمرضه فاتصلت عليه ولم تكن التلفونات الرقمية موجودة آنذاك، فكلمني وطمأنني أنه يتمتع بصحة جيدة وأخفى عني مرضه ووجوده في المستشفى وطلب مني الاهتمام بدروسي، وفوجئت بعد عشرة أيام من هذه المكالمة أنهم يبلغونني بأنه مريض ولابد من عودتي إلى الرياض، وكانت الطائرات تذهب من القاهرة إلى جدة أولا ثم تأخذنا طائرة السعودية الداخلية إلى الرياض، فصدمت بخبر وفاته عندما أبلغوني في جدة، فذهبت إلى الرياض عند والدتي ووقتها كان الملك سعود ـ رحمه الله ـ ملكا على البلاد، فذهبت للسلام عليه في المنطقة الشرقية فعزاني ثم قال لي: تراك محل أبوك أميرا على الغاط، فقلت له: ولكنني لازلت أدرس، فقال: وتستمر تدرس، فكتب برقية مضمونها (يعين سعد بن ناصر السديري أميرا للغاط ويسمح له بإكمال دراسته) وهذه من الجمائل التي لا أنساها لجلالته ـ رحمه الله ـ ما حييت.
• يقال إن أسس محافظة الغاط اليوم وضعت على يد الوالد ؟
هذا حقيقي فالوالد ـ رحمه الله ـ تولى إمارة الغاط عام 1349هـ بعد أخيه الأكبر عبدالله الذي عينه الملك عبدالعزيز أميرا على تبوك في نفس العام وتوفي ـ رحمه الله ـ في ذي القعدة من عام 1381هـ، وكان يبذل الغالي والنفيس في سبيل تطوير القرية الصغيرة وتحسين أوضاعها.
• كان قريبا من الملك عبدالعزيز ؟
بل أكثرهم قربا منه ـرحمه الله ـ ولكنه أحب الغاط ورفض في سبيل حبه لها مناصب إدارية كبرى في مناطق بعيدة رغبة منه في إعطاء الغاط حقها من التطور.
• تعتقد أنه سبق وقته وأقرانه ؟
بدون شك فقد سبق وقته بفكره ورؤيته وإيمانه بأهمية العلم ونتائجه السريعة في تغيير المجتمع إلى الأفضل، ومنذ تسلمه مسؤولية الإمارة أعطى غاية جهده لنشر التعليم، وسبقت الغاط الكثير من المدن في منطقة نجد، فقد افتتحت المدرسة السعودية الابتدائية كأول مدرسة في الغاط عام 1368هـ، وسعى الوالد ـ رحمه الله ـ لإقناع الأهالي وأولياء الأمور وقدم لهم المساعدات العينية والمالية في مقابل التخلي عن أولادهم الذين يعملون في الزراعة والرعي والأعمال المهنية والحرفية، لينضموا إلى المدرسة التي جاءت بديلة عن الكتاتيب ونجح بعد جهود مضنية في تسجيل ما مجموعه ثمانون طالبا وهو رقم قياسي بظروف ذلك الوقت في السنة الأولى للمدرسة، كما كان متعلقا بالعلم منذ وقت مبكر وكانت لديه مكتبة ثرية بكتب الدين والمعارف، وربطته بعدد من رموز الثقافة والفكر في المملكة والعالم العربي صداقة وعلاقة والتقى بكثير منهم في البلدان التي زارها كمصر وفلسطين ولبنان وبلاد الشام واليونان وأمريكا وأسبانيا، كما كان يلتقيهم في مكة المكرمة أثناء الحج والمدينة المنورة أيضا، ومن أسعد الأيام التي مرت على الوالد يوم أن افتتح ثاني مدرسة في محافظة الغاط عام 1378هـ في قرية الوسيعة ومبعث سعادته ـ رحمه الله ـ أن جميع مدرسي المدرسة الجديدة هم ممن تلقوا تعليمهم الابتدائي في أول مدرسة أنشأها قبل عشر سنوات، ثم تلا ذلك سعيه وراء إنشاء المدرسة الثالثة في المحافظة في مليح عام 1382هـ ولكن لم يمهله القدر لتدشينها وحضور حفل افتتاحها.
• اللي عرفته أنه ـ رحمه الله ـ اتخذ مبادرة بشأن تعليم البنات في المحافظة لم يجرؤ عليها أحد ؟
الظروف الاجتماعية ما كانت تسمح بتعليم البنات في تلك الفترة، لكن الوالد كان مصرا على تمكين الفتيات من حقهن في التعليم فافتتح ما يشبه المدرسة في المنزل واستقدم لها على حسابه الخاص مدرسات من فلسطين ومصر وسمح لمن ترغب من النساء في الالتحاق بها فكانت خطوة تحسب جريئة وغير مسبوقة له ـ رحمه الله ـ، بل ذهب أبعد من ذلك عندما افتتح أول مستوصف صحي في الغاط عام 1374هـ بطبيبة وطبيب وممرض واحد فقط، فكانت هذه الخطوة بداية لانطلاقة الخدمة الصحية في جميع قرى المحافظة في ما بعد، وأزيدك من الشعر بيت فالوالد كان سباقا في إدخال الخدمة الكهربائية في الغاط لتكون أول بلدة تدخلها الكهرباء خارج منطقة الرياض بعد أن جلب ـ رحمه الله ـ أول ماتور كهربائي في أوائل الخمسينات الميلادية، ومد الخدمة لبعض المنازل بعد أن أقنع أهلها بجدوى استخدامها، كما قام بإنارة بعض المساجد والطرقات بعد صلاة المغرب وحتى الانتهاء من صلاة العشاء واستخدمها لمدة أطول في رمضان ليعين الناس على أداء صلاتي التراويح والتهجد، ومادام الشيء بالشيء يذكر، فلا أنسى أن أشير لدوره ـ رحمه الله ـ في الاعتناء بشؤون المزارعين، حيث كانت الزراعة تمثل لقمة العيش لكثير من سكان المحافظة، فجاء بالمبيدات للقضاء على الآفات الزراعية المنتشرة ذلك الوقت، بل كان أول من جلب ماكينة تعمل على الفحم الحجري لاستخراج المياه الجوفية واستخدام التقنية الحديثة في الزراعة والري واستقدم لها متخصصا من أهالي مكة المكرمة لتشغيلها والإشراف على صيانتها، وهو أول من حفر بئرا ارتوازية في المحافظة لاستخراج المياه بطريقة الحفارات الحديثة.
• لم تباشر عملك إلا بعد التخرج ؟
باشرت وعينت أحد الأخويا الجيدين مكاني طيلة السنتين المتبقية لي في دراستي في القاهرة ليقوم بمهامي.
• تعتقد أنه كان قرارا صائبا قياسا بحجم المسؤولية ؟
قد تستغرب ذلك، لكن الحقيقة أن الغاط كانت قرية صغيرة ومشاكلها قليلة جدا خصوصا في جانب الأراضي التي أثارت الناس الآن على خلاف السابق.
• لكن الملاحظ. .. أن الغاط لم تأخذ حقها كما أخذته الزلفي والبكيرية المجاورتان لها ؟
أرجو أن تزورها لترى بعينك، فقريتنا التي كنا نعيش فيها وبيوت الطين لم يعد فيها أحد وانتقل كل الناس لمخططات جديدة وعمائر وفلل وشيء يشرح النفس وتحولت إلى مدينة ولم تعد قرية.
• يقال بأنكم جوملتم بتصنيفها محافظة (ب) وهي أصغر من ذلك ؟
اللي يقول هذا غلطان، فالغاط كبرت الآن وفيها فطاحلة الرجال من خوال الملك عبدالعزيز وكان ـ رحمه الله ـ يعتز بهذا ويقول (أنا خالي معشي الشجر)، وهذه لها قصة.. فقد خرج جدنا من بيته فرأى النخل والشجر واعتقد أنهم ناس جايين، فقال: اذبحوا الذبائح وبعد ما انتهوا من الطبخ انتظروا الضيوف يجون فلم يأت أحد، فقام جدي ومعه ثلاثة فلم يجدوا إلا الشجر، فقال: والله إني أحسبهم ناس.. فكان الملك عبدالعزيز يرددها دائما (أنا خالي معشي الشجر).
• على فكرة أبا ناصر.. لا توجد معلومة موثقة لتاريخ بدء علاقة السدارى بالأسرة المالكة ؟
المعلومات التاريخية تقول إن أهالي الغاط ناصروا قيام الدولة السعودية الأولى أثناء حياة سليمان السديري وأبنائه، كما قدم أحمد بن محمد السديري (الأول) أمير الغاط إلى الإمام تركي بن عبدالله وهو في المجمعة أواخر عام 1239هـ وذكر ابن بشر في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد) أن الإمام تركي استنفر أهالي الغاط والزلفي ومينخ (المجمعة) وقصد حريملاء ونازلها، وعندما تحقق للإمام ما أراد سار وجنوده إلى منفوحة ومنها إلى الرياض، كما شارك أهالي الغاط في حملات الدولة السعودية الأولى والثانية، لكنني أعود إلى حادثة بعد الدولة السعودية الأولى جاء فيها أحد أفراد أسرة آل الشيخ لـ«عبدالرحمن» والد الملك عبدالعزيز وقال له:
«إذا تبي لك ولد يقبض حكمكم شوف لك من عوائل نجد الطيبين وتزوج منهم وان شاء الله ربنا يرزقك بولد يسر خاطرك» فسأله عبدالرحمن: «من تهقا؟»، فقال الرجل: شوف السديري. وكان مشهورا أيام فيصل بسيطرته وإمرته على البريمي ودول الخليج كلها، فتزوج عبدالرحمن من السدارى فرزقه الله بعبدالعزيز وسعد ونورة ومنيرة، وهكذا خرج هذا البطل الموحد والمؤسس الذي من الله به على هذه البلاد، فلملم قبائلها وصهرها بفضل الله في وطن واحد.
• طبعا عدت للغاط بعد التخرج ؟
كنت قادما لشيء فقدر الله شيئا آخر، ففي تلك الفترة تقلد الملك فيصل ـ رحمه الله ـ الحكم فذهبت للسلام عليه، فقال لي: تخرجت من الجامعة وأمير للغاط ما يصير، فقلت له: اللي تامر به ولو قلت لي روح واجلس على رأس جبل رحت، فقال: ما يصير إلا خير.
• كانت فترة يندر فيها الخريجون من الجامعة ؟
كانت الوزارات تتخاطف خريجي الجامعات من المطار.
• وتزامن هذا الكلام مع رغبة الأمير عبدالمحسن في وجودك معه في إمارة المدينة المنورة ؟
أخبرني ـ رحمه الله ـ بأنه سيتحدث مع الملك فيصل برغبته، فقلت له: الملك فيصل أيضا قال لي: ليش تجلس في الغاط، فذهب للملك فيصل وكان موجودا في الطائف وكنت معه في السيارة، فعاد وقال: الملك فيصل موافق، وبعد يومين صدر أمر ملكي بتعييني وكيلا لإمارة المدينة المنورة ولم أكن غريبا على المدينة المنورة عندما عدت إليها وكيلا، فمعرفتي بأسرها وأهلها ساعدتني كثيرا، وكنت أتعامل معهم كما أعرفهم.
• لكن التاريخ يقول إن المدينة المنورة ظلت تكبر كقرية ولم تتحول إلى مدينة حضارية إلا مع التوسعة الكبرى للملك فهد ـ رحمه الله ـ وكنتم تتولون في تلك الفترة المسؤولية المباشرة بعد مرض الأمير عبدالمحسن لأربع سنوات كاملة، فلماذا تأخرت التنمية ؟
التنمية لم تتأخر وظلت المدينة محل اهتمام وكنا نصارع من أجل هذا في كل وقت، ولكن تستطيع أن تقول إن المشروع الذي يكلف 100 مليون ريال كانت مبالغه تعتمد على مراحل فجاء الملك فهد ـ رحمه الله ـ وأعطاها دفعة واحدة، وأقولها للتاريخ فقد كنت راكبا مع جلالته ـ رحمه الله ـ في السيارة، فقال لي: والله لن يسامحنا ربنا بأن تكون المدينة المنورة بهذا الشكل والخراب اللي فيها، وكانت من القدم لدرجة أن بعض أحيائها وأحواشها تحوي بيوتا مجددة ـ كما يقولون ـ من عصر الصحابة، فكانت المسألة بحاجة لقرار تاريخي وهذا ما تم ولم يبق من القديم شيء حتى المدينة القديمة التي عشت فيها طفولتي تغيرت، نظرا لكونها محيطة بالحرم وملتصقة به وكان ينبغي إزالتها لتوسعة الحرم.
• أصعب ما واجهتموه من قرارات في سبيل التوسعة ؟
إذابة السكان بعيدا عن التكتل العقدي في أحياء معينة ضمن منظومة مشتركة ومتجانسة ومختلطة فطابت النفوس كثيرا وقل التعصب بين الناس.
• أريد أن أعرف ـ أبا ناصر بصراحة ـ مشروعا وضعت فيه بصمتك خلال عشرين عاما في المدينة المنورة ؟
لا أحب أن أتكلم عن نفسي أو أن أحتكر عملا معينا، فقد كنت أعمل ضمن منظومة جماعية، وكنت أدل على أشياء أسوة بالأمير عبدالمحسن ـ رحمه الله ـ الذي كان يشير ويدل على أشياء وبالطبع ثقل الأمير عبدالمحسن أكبر من ثقل سعد الناصر السديري، وكان ـ رحمه الله ـ طيبا غير طامع في الدنيا، وسريع العودة إن غضب من أجل المدينة المنورة محبا للتشاور مع الجميع للخروج برؤية ناضجة تجاه أي موضوع أو مشروع.
• والتعويضات التي لم ترض البعض ؟
كثير من العقارات التي كانت حول الحرم كانت «أموال غيب» من أيام قيام الأتراك بتجلية أهاليها عنها فجاء أهل المدينة المنورة، فسكنوا فيها فلم يكن لدى أصحابها الذين كانوا يسكنون فيها صكوك عليها، وقدرت كل العقارات سواء أموال الغيب التي سلم بعضها لمن أثبتوا ملكيتهم لها أو غيرهم بأسعار عادلة، وثق أنه لم يغتصب شبر من هذه الأراضي ليدخل في توسعة الحرم لأن هذا أمر لا ترضاه الدولة لأحد.
• بعد عشرين عاما.. هل خرجت من المدينة المنورة راضيا عن نفسك ؟
جدا.. وأنا محبوب عند أهل المدينة وخرجت منها راضيا عليها وعلى أهلها فلم أغتصب مال أحد ولم أعتد على ملك أحد.
• بعد كل هذا الصخب انتقلت إلى مجلس الأمن الوطني أمينا عاما في صمت وهدوء وظللت في المنصب أكثر من 12 سنة تقريبا دون أن يشعر بك أحد ؟
الحقيقة أن طبيعة عمل المجلس هادئة وتقوم على تقديم رؤية استشارية وتوصيات في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
• إذن هو ليس مجلس حرب مثلا ؟
لا.. عمل المجلس يتركز في أمن المواطن وما يمكن أن يؤثر عليه، وكان مرتبطا بسمو النائب الثاني ووزير الداخلية عندما كنت أمينا له بالمرتبة الممتازة، وبعد مجيء الأمير بندر بن سلطان وتعيينه أمينا عاما بمرتبة وزير عاد إلى الديوان الملكي وأصبح مرجعه إلى الملك.
• ودورك كمستشار حاليا لسمو النائب الثاني ووزير الداخلية ؟
أصدقك القول إنها مرحلة أخرى من الهدوء والراحة أقدم فيها الاستشارة لما يوكل إلي من أعمال.
• عرفت أنك تحب الشعر كثيرا ؟
أنا عاشق للشعر النبطي وأستعذبه ولست منحازا إن قلت إن شعر محمد الأحمد السديري هو الأجمل بالنسبة لي، ومن أجل ذلك فقد كانت لنا مبادرة إنشاء مهرجان الشعر الشعبي الذي تغير اسمه العام الماضي ليصبح (مهرجان الغاط للموروث الثقافي) وبدأنا في تنظيمه منذ عام 1407هـ تلبية لحاجة محبي هذا اللون الشعبي وربطناها باليوم الثالث من عيد الفطر المبارك سواء كان شهر رمضان كاملا أو ناقصا حيث يمكن للشعراء والجمهور الحضور وقد بدأناها بشعر المحاورة (القلطة) ثم فتحنا الباب لإحياء فنون شعبية ذات قيمة، ثم أضفنا بدءا من عام 1426هـ مع إقبال الجمهور والمشاركين مبادرة جديدة لتكريم رواد الشعر ومن خدموا الوطن مثل الأمير الفارس محمد الأحمد السديري والشاعر الكبير صياف الحربي والشاعر أحمد ناصر الشايع والشيخ عبدالله بن خميس والدكتور سعد الصويان والسفير عبدالمحسن السديري واللواء عبدالله السعدون والدكتور أحمد بن محمد أبانمي والشيخ عبدالكريم الجهيمان والشاعر شليويح بن شلاح والمربي الفاضل أحمد العامر، وسنستمر في تكريم كل من يخدم الوطن ويقدم جهده لدعم وتأصيل الموروث الثقافي لبلادنا في كل عام.
• لكننا لم نسمع بأي دعاية إعلامية مسبقة ؟
نحاول بدءا من هذا العام في بث المهرجان فضائيا عبر قنوات متخصصة في الموروث الشعبي.
• ربما أثر هذا على قناعة بعض الشعراء الكبار في الحضور والمشاركة ؟
لا.. بالعكس فقد سعدنا خلال الأعوام الماضية بمشاركة نخبة كبيرة من كبار الشعراء مثل خلف بن هذال ومطلق الثبيتي وصياف الحربي وفيصل الرياحي ـ رحمهم الله ـ ومستور العصيمي وحبيب العازمي وملفي المورقي وتركي الميزاني وسلطان الهاجري وسعيد بن رحمة وغيرهم كثير، بل شارك معنا شعراء من بعض دول الخليج أيضا، وهذه تعطيك تصورا عن قيمة المهرجان وأهميته.
• أبا ناصر.. ما دمت متذوقا للشعر فلابد أن أذنك سماعة لما يطرب ؟
والله ما أخفيك أنا أطرب لأم كلثوم ـ رحمها الله ـ كثيرا، وكنت أحضر بعض حفلاتها في القاهرة، ولكنني توقفت لأنني وجدت أن سماعها بالراديو أفضل، كما أحب سماع فيروز، وإن سألتني محليا فأنا أنصت لمحمد عبده.
• الجانب الرياضي من شخصيتك عرفناه من خلال ترؤسك لنادي أحد على مدى 12 عاما، ولكنه ظل فريقا مذبذب النتائج ما بين صعود وهبوط ؟
المدينة المنورة مليئة بالمواهب وهناك قاعدة يمكن صقلها والاستفادة منها على مستوى الأندية والمنتخبات السعودية، ولكن يقف في طريقها عائق المادة التي أفقدت ناديي أحد والأنصار القدرة على المنافسة بقوة في جميع الألعاب.
• ولماذا رئيسا لأحد وليس للأنصار ؟
الأحديون هم من ألحوا علي تلك الأيام لقبول الرئاسة ولم تكن مبادرة مني.
• طبعا سبق لك ممارسة الرياضة ؟
لعبت كرة القدم في مراحل دراستي الأولى في المدينة المنورة في نادي طيبة بالباب المجيدي، ولكنني توقفت عندما سافرت للدراسة بالقاهرة وظللت أذهب على فترات متباينة لنادي الزمالك الذي أعشقه وأتابعه إلى الآن وأتمنى أن يعود مع الرئيس الجديد ممدوح عباس إلى موقعه الحقيقي من جديد.
• أول قرار ستتخذه إذا تقاعدت أبا ناصر ؟
العودة إلى مزرعتي في الغاط والعمل فيها مزارعا بسيطا كما كنت، وهذه لا أقولها دعاية بل هي حقيقة وأمنية أخطط لها من الآن.
• هذا يعني أن السدارى لم يبتعدوا كثيرا عن الغاط بعد خروجهم منها ؟
لم يبق فيها الآن إلا أخي عبدالله المحافظ الحالي، وبعض أبناء عمي فهد محافظ الغاط السابق أما البقية فكلهم في الرياض، لكن بدأنا نجتمع في الرياض ويوم الإثنين القادم سيجتمع في منزلي كل السدارى لكي نتعرف على أبنائنا وأحفادنا الذين لم نعد نعرفهم ونقترب بشكل أكبر من بعضنا وهذا أمر محمود وبدأ ينتشر بين الأسر، وأتمنى أن يتوسع بشكل أكبر لكي لا تباعدنا الحياة ومشاغلها عن بعضنا.